انضمام عمال النفط إلى الاحتجاجات يقرع جرس الإنذار للنظام الإيراني

بينما يلعب طلاب الجامعة دورا محوريا في الاحتجاجات التي تشارك فيها عشرات الجامعات، تشير تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي إلى انضمام عمال في مصافي عبدان وكانجان ومشروع بوشهر للبتروكيماويات للاحتجاجات.

طهران – أثار انضمام عمال النفط إلى حركة الاحتجاجات في إيران الذعر لدى السلطات التي استشعرت خطراً حقيقياً، وبخاصة أن قطاع النفط يعدّ من القطاعات الحيوية للاقتصاد الإيراني الذي يرزح تحت أعباء العقوبات الأميركية.

وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام ناطقة بالفارسية ومقرها خارج إيران عمالا يحرقون إطارات أمام مصنع عسلوية للبتروكيماويات في جنوب شرق البلاد. وبحسب منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، نظمت إضرابات أخرى في مصانع في آبادان (غرب) وكنجان (جنوب).

وبينما يلعب طلاب الجامعة دورا محوريا في الاحتجاجات التي تشارك فيها عشرات الجامعات، تشير تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي إلى انضمام عمال في مصافي عبدان وكانجان ومشروع بوشهر للبتروكيماويات للاحتجاجات.

وأظهر مقطع مصور على تويتر، إغلاق عشرات العمال للطريق المؤدي إلى مصنع بوشهر للبتروكيماويات في عسلوية على ساحل الخليج الإيراني، وهم يهتفون "الموت للديكتاتور".

وتعليقاً على ذلك قال مسؤول إقليمي في إيران اليوم الثلاثاء إن إضراب عمال مصنع للبتروكيماويات في مدينة عسلوية يتعلق بغضبهم بسبب خلاف حول الأجور، وليس جزءا من الاحتجاجات المرتبطة بوفاة الشابة مهسا أميني بعد احتجاز شرطة الأخلاق لها.

ونقل حساب وكالة نادي المراسلين الشباب الإيرانية للأنباء على تيليجرام عن الحاكم علي هاشمي القول إن بعض الإيرانيين حاولوا استغلال احتجاجات العمال عبر ترديد شعارات ضد الحكومة.

وقبل أكثر من أربعة عقود، ساعد مزيج من احتجاجات حاشدة وإضرابات عمال النفط وتجار في وصول رجال الدين إلى السلطة خلال الثورة الإيرانية.

ولكن محللين قالوا إن من المرجح أن يحتوي رجال الدين الذين يحكمون إيران الاضطرابات في الوقت الحالي، وأن احتمالات قرب ظهور نظام سياسي جديد ما تزال ضئيلة.

وكثفت قوات الأمن الإيرانية حملتها الأمنية على الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عدة مدن كردية اليوم الاثنين، مع امتداد المظاهرات في أماكن أخرى في إيران إلى قطاع الطاقة الحيوي في البلاد.

وانتشرت الاحتجاجات في إيران منذ وفاة مهسا أميني (22 عاما) التي تنتمي للمنطقة الكردية الإيرانية، في 16 سبتمبر أيلول أثناء احتجازها بسبب ارتدائها "ملابس غير لائقة"، في أحد أجرأ التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية منذ الثورة الإسلامية 1979.

وتصاعدت التوترات بشكل خاص بين السلطات والأقلية الكردية التي تقول منظمات حقوقية إنها تتعرض للقمع منذ فترة طويلة، وهو اتهام تنفيه الجمهورية الإسلامية.

وقالت منظمة "هنجاو" لحقوق الإنسان إن هناك وجودا مكثفا لقوات أمن مسلحة في مدن سنندج وسقز وديواندره الكردية اليوم الاثنين. وأضافت أن خمسة أكراد على الأقل قُتلوا وأُصيب أكثر من 150 شخصا في احتجاجات منذ يوم السبت.

وأظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجات في عشرات المدن في أنحاء إيران في وقت مبكر من صباح اليوم الاثنين وظهرت فيها اشتباكات عنيفة بين المحتجين وشرطة مكافحة الشغب في مدن وبلدات بأنحاء إقليم كردستان مسقط رأس مهسا أميني. وحثت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي على تنظيم احتجاجات حاشدة يوم الأربعاء.

وحملت السلطات الإيرانية مسؤولية أعمال العنف لطائفة من الأعداء بينهم معارضون أكراد إيرانيون مسلحون. وهاجمت قوات الحرس الثوري الإيراني قواعد الأكراد الإيرانيين المسلحين في العراق المجاور عدة مرات أثناء أحدث اضطرابات.

وإيران لديها سجل حافل في إخماد الاضطرابات بين أكثر من 10 ملايين كردي من مواطنيها هم جزء من أقلية كردية أدت تطلعاتها إلى الحكم الذاتي أيضا إلى صراعات مع السلطات في تركيا والعراق وسوريا.

ويمكن سماع صوت إطلاق نار كثيف في كثير من مقاطع فيديو نشرها حساب ناشط باسم "1500تصوير" على تويتر. وأظهر مقطع فيديو عدة انفجارات شديدة القوة في أحد أحياء سنندج عاصمة إقليم كردستان.

خارطة الاحتجاجات تتوسع في الجغرافيا الإيرانية
خارطة الاحتجاجات تتوسع في الجغرافيا الإيرانية

وقال نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إن قوات الأمن في الإقليم قتلت عدة أشخاص، بينهم مراهقان. ولم يتسن لرويترز التحقق من مقاطع الفيديو والتدوينات.

واستمر المحتجون في أنحاء إيران في إضرام النار في صور الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي مطالبين بإسقاط المؤسسة الدينية، غير عابئين بما تستخدمه قوات الأمن من غاز مسيل للدموع وهراوات، وفي حالات كثيرة، الذخيرة الحية، وفقا لمنظمات حقوقية.

قالت منظمات حقوقية إن ما لا يقل عن 185 شخصا بينهم 19 قاصرا لقوا حتفهم كما أُصيب المئات واعتقلت قوات الأمن الآلاف. وحملت السلطات خصوم إيران الأجانب مسؤولية الاحتجاجات، وقالت إن "مثيري الشغب" قتلوا ما لا يقل عن 20 من أفراد قوات الأمن.

وأظهرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي انضمام فتيات المدارس في جميع أنحاء إيران إلى الاحتجاجات.

وقال محتج (17 عاما) في مدينة بوسط إيران، لا يمكن لرويترز كشف اسمه وموقعه لأسباب أمنية، "أيها العالم، اسمعني: أريد ثورة. أريد العيش بحرية وأنا مستعد للموت في سبيل ذلك. وبدلا من أن أموت كل دقيقة في ظل قمع هذا النظام، أفضل أن أموت برصاصهم (قوات الأمن) في احتجاجات من أجل الحرية".

بحسب لقطات نشرتها الاثنين منظمة حقوق الإنسان الإيرانية غير الحكومية ومقرها أوسلو، نظم طلاب من جامعة جيلان في شمال البلاد ومن مدرسة مهاباد للبنات (شمال) اعتصامات، حيث خلعت طالبات الحجاب احتجاجا.

وفي طهران، تجمعت حشود أمام جامعة البوليتكنيك الاثنين للتنديد ب"الفقر والفساد" في إيران مرددين "الموت للدكتاتورية".

كذلك، استمرت التجمعات تضامنا مع حركة الاحتجاج في الخارج، كما حدث الأحد في باريس.

وبحسب منظمات غير حكومية فقد اعتقلت السلطات الايرانية صحافيين ونشطاء وفنانين منذ بداية التحرك.

والاثنين حجزت السلطات الإيرانية جواز سفر لاعب كرة القدم السابق علي دائي، أحد أبرز الأسماء في تاريخ المنتخب الوطني، وذلك لدى عودته من الخارج، على خلفية انتقاده تعاملها مع الاحتجاجات، وفق تقارير إعلامية. لكنها أعادته إليه في وقت لاحق.

وكان اللاعب دعا السلطات الى "معالجة مشاكل الشعب الايراني بدلا من اللجوء الى القمع والعنف والاعتقالات".

كذلك صودر جوازا سفر المطرب هميون شجريان وزوجته الممثلة سحر دولاتشاهي والمخرج مهران موديري بحسب وكالة الأنباء العمالية الإيرانية.

وقالت السلطات الإيرانية الجمعة إن مهسا أميني توفيت بسبب المرض وليس نتيجة "الضرب" بحسب تقرير طبي.

ورفض والد الشابة أمجد أميني التقرير قائلا إن ابنته كانت بصحة جيدة قبل اعتقالها. اكد نشطاء ومنظمات غير حكومية أنها أصيبت في الرأس أثناء احتجازها.

في مواجهة القمع المستمر، أعلنت المملكة المتحدة الاثنين فرض عقوبات على شرطة الاخلاق الإيرانية والمسؤولين السياسيين والأمنيين في النظام.

واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير البريطاني للاحتجاج على فرض المملكة المتحدة عقوبات على شرطة الأخلاق في الجمهورية الإسلامية على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني.

وقضى العشرات على هامش الاحتجاجات، بينهم عناصر من قوات الأمن، بينما أكد مسؤولون توقيف مئات المشاركين في التحركات و"أعمال الشغب".

وتثير هذه المسألة توترا متزايدا بين دول غربية تنتقد "قمع" السلطات الإيرانية للمحتجين، وطهران التي ترفض "التدخل" في شؤونها الداخلية.

وأعلنت الخارجية في بيان أنها استدعت الاثنين السفير البريطاني سايمون شركليف "إثر فرض بريطانيا حظرا أحاديا ضد إيران".

وأوضحت أنه تم إبلاغ السفير "احتجاج الجمهورية الاسلامية الايرانية الشديد على بريطانيا لتدخلها في الشؤون الداخلية الإيرانية وتم التنديد بهذه الممارسات التدخلية بشدة".

وأتى ذلك بعد ساعات من إعلان السلطات البريطانية فرض عقوبات تطال "شرطة الأخلاق بمجملها" بما في ذلك قائدها محمد رستمي جشمه كجي، وقائد دائرة طهران في هذه الشرطة أحمد ميرزائي.

وفرضت دول غربية في الآونة الأخيرة، منها الولايات المتحدة وكندا، عقوبات على مسؤولين إيرانيين لاتهامهم بـ"قمع" الاحتجاجات. كما يدرس الاتحاد الأوروبي فرض "إجراءات تقييدية" على طهران على خلفية المسألة عينها.

وفي تغريدة على تويتر، حذّر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، من أنّ "العالم يراقب ما يحدث في إيران".

وأضاف "خلال نهاية الأسبوع، قُتل بالرصاص متظاهرون أبرياء، بينهم فتاة. الرئيس الإيراني شبّه المتظاهرين بـ"الذباب".

وأكّد سوليفان أنّ "هؤلاء المتظاهرين هم مواطنون إيرانيون، تقودهم نساء وفتيات، يطالبون بالكرامة والحقوق الأساسية. نحن نقف إلى جانبهم، وسنحاسب أولئك الذين يستخدمون العنف في محاولة عبثية لإسكات أصواتهم".

وفي الاتحاد الأوروبي، دعا البرلمان الأوروبي بروكسل إلى فرض عقوبات أيضا. وستطرح المسألة على جدول اعمال اجتماع وزراء خارجية الدول السبع والعشرين المقرر عقده في 17 تشرين الأول/أكتوبر.