'باسم الابن' يكشف أهمية الفن في التخلص من صراع الهجر العائلي

المخرج المصري فارس التابعي يتحدث في هذا الحوار عن تأثيرات الوحدة والانفصال في مجتمع متغير، ويبرز هويته الشخصية في وجه التحديات الاجتماعية والعائلية من خلال شغفه بالسينما.

الرباط - يتناول فيلم "بأسم الابن" للمخرج المصري فارس التابعي قصة شاب يعاني من الوحدة والاغتراب بسبب بعد علاقته مع والده، يتقدم الشاب بطلب للحصول على منحة لدراسة السينما في الخارج، وهو القرار الذي يأمل من خلاله في إعادة اكتشاف العلاقة المفقودة مع والده والتقرب منه مرة أخرى.

وتم الاختيار الرسمي لفيلم " بإسم الابن"في النسخة العاشرة من مهرجان الإمارات للافلام بدبي، ويعتبر العرض الأول له، وفي هذا السياق قامت "ميدل ايست اونلاين" بحوار مع المخرج المصري فارس التابعي حول كواليس فيلمه الروائي.

وفيما يلي نص الحوار:

كيف جاءتك فكرة هذا الفيلم، وما الذي جعلك تشعر بأن هذه القصة تستحق السرد؟

لقد قضيت معظم أيام حياتي دون أب نظرًا لسفره الدائم وانشغاله عني، لم أكترث لأهمية هذا الرجل في حياتي وكنا نتبادل عدم الاهتمام، حتى أنه أخطأ في تقدير عمري عدة مرات، عندها أدركت إلى أي مدى وصل بنا البعد، إذ كانت أمي تعوض ذلك الغياب الدائم وتقدم الحجج التي لا تشفي ما بداخلي، إلى أن أضطرتني الحياة للختيار بين أبي وأمي، وكانت مفاجأة للجميع عندما أخترت العيش مع والدي الذي لا تجمعني به سوى لحظات الطفولة.

كان ذلك القرار ظالمًا في عدله من وجهة نظري لأنني قررت العيش مع من لم أستطع العيش معه ومعرفته، وكان ذلك بناءً على خوف داخلي من تلك اللحظة التي سأفقده بها، وأنا لا أعلم عنه شيئًا وأظل طوال حياتي أسمع عنه من الأصدقاء والأقارب، أخفيت عنه قراري لدراسة السينما فلم أبلغه إلا عندما تم قبولي في مدرسة سينما الجزويت، ومع ازدياد معرفتي بالسينما ازدادت معرفتي لأبي، فقد كان دائمًا في التواصل والاهتمام والمشاركة الفعلية رغم رفضه في بادئ الأمر، ومعها اكتشفت حبه للسينما ومعرفته الجيدة بها ورغبته في أن يكون جزءًا منها وهو في مثل سني، قررت في تلك الفترة أكتشاف أبي أكثر من خلال مقتنياته ومكتبته لأكتشف معها أجوبة أكثر للأسئلة الداخلية منذ الطفولة، وهو ما أسميته بفردوس الأب المفقود.

هل كان لديك  أفلام ملهمة قمت بالاعتماد عليها في هذا العمل؟

كان استعدادي النفسي يعتمد على فصل بين الحقيقة والفيلم، نظرًا لكونه تجربة شخصية في الأساس، وأنا في الحقيقة أميل إلى إظهار تجاربي ومشاكلي من خلال السينما.

كيف استخدمت السينما كوسيلة للتعبير عن مشاعر "خالد" تجاه والده "أحمد" ورحلته الشخصية؟

أردت أن أظهر الصراع بين شخصين يحاول كل منهما إسدال سطوته على الآخر من خلال أدوات يحددها كل منهما انطلاقًا من نقاط القوة المملوكة لديهما، ومعها يأتي انعكاس لحظات سابقة للطفولة بوهجها المتجذر داخل كليهما، لكي يؤسس صوت الأبوة وما يرتبط بها من دلالات قد تكون مشدودة إلى الهوية أو الوطن.

ويكشف الفيلم الصورة المتأصلة للأب الحامي الذي يستمر في فرض سيطرته، ويصر على فعاليته، حتى وإن كانت أغلب فترات حياته مكتفية بالتأمل والمراقبة فقط، كما يكشف أيضًا تحول الابن من طفل بحاجة ماسة إلى العناية والتوجيه إلى شخص ناضج يتعلق بافاق جديدة، فيتحول الصراع هنا من صراع فردي بين أب وابن، إلى صراع حضاري، يحاول فيه كل شخص منع الآخر من الانفتاح على أمل إنساني مطروح دائمًا للتحقيق، ويوضح الصراع الدائم بين الأجيال المختلفة، وسيحاول كل فرد في هذه الثنائية إثبات وجوده، والإشارة إلى مشروعية ما يقدمه من حياة، حتى لو كانت هذه الحياة مشدودة إلى ماضٍ بعيد منتهٍ أو مستقبل غير معلوم، ففي بعض الصور يظهر توسل الأبوة للاستقواء، ويظهر خوف الأب أن يفقد ابنه، ورغبة الابن في تحقيق هدفه مهما كلفه الأمر.

ما هي التحديات التي واجهتك في تصوير المشاهد التي تعكس تجربة "خالد" في البحث عن والده المفقود؟

الوقت هو التحدي الدائم أمام كل سينمائي يحاول أن يحكي قصة يظهر فيها تفاصيل كل شيء في وقت محدد، دون التفريط في الحكي أو خلق وقت ميت.

كيف اخترت الموسيقى والأصوات في الفيلم لنقل الأجواء العاطفية والنفسية للشخصيات؟

الحوار هو المسيطر على الصوت، إذ أن الأصوات طبيعية نابعة من داخل الشقة مثل صوت الكركبة والحركة والخطوات والتلفاز والملاعق والأطباق والجو العام، كما يتم استخدام الراديو كمصدر طبيعي للموسيقى التي تلعب دورًا محوريًا في توضيح مزاج وحالة الشخصيات وتساهم في تطور القصة، فأغاني أم كلثوم حاضرة بقوة في الفيلم، حيث تعكس مشاعر الشخصيات في لحظات مختلفة، وتستخدم كأداة للتواصل، فمنذ اللحظة الأولى تظهر أغنية "أنت عمري" لتعطي لمحة عن شخصية الأب "أحمد" وكيف يتحسر على سنين عمره التي مرت وهو بعيد عن أهله، ويستخدم الأب أغاني أم كلثوم لتوصيل الرسائل لابنه "خالد"، ومن حسن حظي العمل مع شادي فرنسيس الموسيقي الماهر الذي استطاع التعبير عن مشاعر القصة بشكل جيد جدًا.

هل كان لديك أي تأثيرات سينمائية سابقة أو أفلام ملهمة قمت بالاعتماد عليها في هذا العمل؟

بالتأكيد كان هناك تأثيرات وتفضيلات سينمائية، لكنني قررت أن أصغي لذاتي واكتشف نفسي سينمائياً في أول تجربة إخراجية، أعتقد أن الفرصة الأولى في التجربة هي فرصة لا تعوض للتجريب واللعب.

كيف وضعت نفسك في موقع شخصية "خالد" لضمان تجسيد حقيقي لتجربته؟

لم أضع نفسي في موقع الشاب، لأننا واحد، فتلك تجربة شخصية بحتة في صراعي مع والدي الذي لم أعرفه ولم يعرفني، فكانت السينما هي ذلك الجسر الذي وصل بيننا، إذ أوجدت مساحة مشتركة للنقاش.

ما هي الرسالة التي تأمل في أن يستخلصها الجمهور بعد مشاهدة الفيلم؟

هي أن أغلب المشاكل ليس لها بالضرورة حل، وفي تلك الحالة يكون التقبل هو الحل الأنسب والأسلم دون البحث عن إجابات لن تشفع ولن تسترجع الماضي، لكن التقبل قد يخلق مساحة ما في المستقبل، بالإضافة إلى ضرورة الإيمان بحدوث التغيير لدى الأبناء والاستماع لشغفهم ومساعدتهم عليه دون التقليل أو الرفض.

هل كانت هناك لحظات صعبة خلال التصوير تستحق الذكر، وكيف تعاملت معها؟

لا يخلو أي عمل سينمائي من الصعاب، وخصوصًا في الأعمال المستقلة نظرًا لضعف الإمكانيات والقدرات المادية، لكن كل ذلك لا يقف عائقًا أمام صنع الفيلم، فمن حسن حظنا أن استطعنا كفريق عمل تصوير الفيلم في يوم واحد، كان يومًا مهلكًا بالتأكيد لفريق العمل، لكن ذلك التعب والإرهاق تحولا إلى طاقة وسعادة بمجرد الانتهاء من التصوير.

كيف يمكن للفن السينمائي أن يلعب دورًا في تسليط الضوء على قضايا الوحدة والبحث عن الهوية في المجتمع اليوم؟

السينما تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام العالمي، ودورًا كبيرًا في تشكيل القيم والاتجاهات، فهي من أبرز هذه المنتجات الثقافية، والفيلم أداة فنية لكن لا يمنع كونه خطابًا اجتماعيًا وسياسيًا يمكن من خلاله نشر أفكاره والسيطرة على الجماهير، حيث لعبت السينما دورًا كبيرًا في تشكيل الاتجاهات سواء فردية أو جماعية، إذ تتميز بالعديد من الخصائص التي تجعله شديد التأثير على تشكيل الرأي العام.

وفي رأيي الشخصي أنها أنسب وسيلة لمخاطبة جميع الفئات والثقافات، ولا تعيقها لغة أو مسافة، فيمكن مخاطبة شاب من المكسيك بفيلم مصري عربي دون حدوث أي عوائق، فالسينما هي الشعور السليم بالهوية والتعبيرعن الإحساس بالمشاركة، والشعور، والتجذر،إذ يعيش الإنسان في محيط جغرافي مألوف، وفي علاقات قد تكون واهمة للأمن، يشعر بالاعتراف في أدواره، ويرتبط الإنسان مع الآخرين، وقد لا تكون كذلك أيضًا، ويتلخص كل ذلك في صورة للعالم تظهر الخبرة الذاتية بما يشبه الشفافية، وتمنح التوجه والمعنى.