برنامج المغرب للمدن الجديدة يوازن بين استراتيجية التطور العمراني وحماية البيئة

مبادرة المغرب بقيادة العاهل المغربي بإطلاق برنامج طموح للمدن الجديدة تمثل خيارا استراتيجيا لمواكبة تسارع وتيرة التطور العمراني للتجمعات السكانية الكبرى بشكل مدروس وتحقيق توازن على مستوى التنمية العمرانية للتخفيف من الضغط على التجمعات السكانية الكبرى.

الرباط - يبدي المغرب اهتماما خاصا بسياسة المدن وتطويرها في كل استراتيجيات التنمية لتعزيز قدرتها على الاستدامة والصمود، وتشكل المدن الأربعة الجديدة التي أحدثها وهي تامنصورت، وتامسنا، ولخيايطة، والشرافات، اختبارا حقيقيا كونها تتطلب تطوير الشراكات والتنسيق بين مختلف الفاعلين، وتعبئة الموارد الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة.

وتمثل مبادرة المغرب، بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس بإطلاق برنامج طموح للمدن الجديدة، خيارا استراتيجيا لمواكبة تسارع وتيرة التطور العمراني للتجمعات السكانية الكبرى بشكل مدروس، وتحقيق توازن على مستوى التنمية العمرانية لإرساء سياسة عمومية تهدف التخفيف من الضغط على التجمعات السكانية الكبرى والتخطيط في مجال التوسع الحضري.

وتتبنى المملكة مفهوم التنمية المستدامة في استراتيجية تهدف تحسين نوعية إطار عيش المواطنين، وتعزيز التدبير المستدام للموارد الطبيعية وتشجيع الأنشطة الاقتصادية التي تحترم البيئة.

ويؤكد المختصون أنه باستطاعة المدن المغربية أن تصبح مراكز اقتصادية وتكنولوجية قوية عبر تشجيع الابتكار والمقاولات وخلق مناصب الشغل في مجال التقنيات والسياحة والصناعة.

ويشير تقدم المغرب بـ14 مرتبة في تقرير تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2023، إلى أنه يسير على الطريق الصحيح في تنفيذ الإصلاح العميق للهيكل المالي وتنفيذ تحفيز لأهداف التنمية المستدامة.

تقوية قدرة المدن على الصمود في مواجهة المخاطر الطبيعية تمثل رهانا مهما من أجل ضمان سلامة واستقرار التجمعات الحضرية في المغرب

وتقوم السياسات العمومية الخاصة بالتخطيط العمراني المبتكر في المملكة على إحداث التوازن بين الشبكة الحضرية الجهوية، واستشراف آفاق التنمية الحضرية، ووضع برامج للتجهيزات الكبرى والخدمات، ومناطق الأنشطة الصناعية.

ويحرص المغرب ألا يمر اليوم العالمي للمدن، الذي يصادف في 31 أكتوبر من كل سنة، دون استغلاله للإعلان عن فتح مسارات جديدة للتخطيط لمستقبل المدن، والتفكير في سبل مواجهة تحديات التوسع الحضري، وجعله توسعا مستداما يراعي التقدم التكنولوجي، والفوارق الاجتماعية والتغيرات المناخية.

ويعمل على زيادة الاستثمارات العمرانية، إذ صادق عام 2022 على 15 تصميما يتعلق بتهيئة المدن الكبرى والمجالات المتروبولية والمجالات ذات الضغط العمراني، وست مخططات للتهيئة العمرانية و90 تصميم تهيئة، إلى جانب تحديد مناطق قابلة للتعمير من شأنها استقطاب الاستثمار بـ29 وكالة حضرية.

وأكد مدير المعهد الوطني للتهيئة والتعمير بالرباط، عادل زبادي أن معدل التوسع الحضري بالمغرب يفوق نسبة 60 بالمائة بقليل وسيبلغ نسبة 70 بمائة بحلول سنة 2030، مما يطرح ضغطا على البنيات التحتية والخدمات العمومية.
وأوضح زبادي، في حوار لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المغرب اعتمد في مجال التنمية الحضرية، مقاربة قائمة على المشاريع من أجل التأهيل الحضري، تهم إحداث مشاريع محددة تروم تحسين البنيات التحتية والبيئة وجودة الخدمات، مستحضرا مشروع الرباط مدينة الأنوار، وبرامج التأهيل في طنجة وأكادير والدار البيضاء، وهي كلها مشاريع تمر عبر إحداث هيئات مخصصة لهذا الغرض وممولة من الدولة أو الجهات أو الأقاليم أو الجماعات الترابية، وكذلك عبر الوكالات الحضرية والبنوك.

واعتبر أن تقوية قدرة المدن على الصمود في مواجهة المخاطر الطبيعية تمثل رهانا مهما من أجل ضمان سلامة واستقرار التجمعات الحضرية، مؤكدا ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير المرتبطة بالتخطيط الحضري، من قبيل البناء المضاد للزلازل والفيضانات، وتطوير البنيات التحتية الحضرية، ومبادرات التوعية، فضلا عن التعاون الدولي عبر تقاسم الممارسات الفضلى والتقنيات والموارد في حالة الكوارث.

تقدم المغرب بـ14 مرتبة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2023، يشير إلى أنه يسير على الطريق الصحيح في تنفيذ الإصلاح العميق للهيكل المالي

وبالتوازي مع التطور العمراني يولي المغرب أهمية قصوى للجانب البيئي في خطته التنموية، حيث أطلق مجموعة من المخططات التنموية تهدف تطوير وتعزيز العديد من القطاعات الوطنية منها مخطط المغرب الأخضر، الذي يتوخى تطوير المجال الفلاحي، ومشروع ربط العالم القروي بالشبكة الكهربائية لتنتقل بذلك نسبة المستفيدين من الكهرباء من 18 في المائة إلى أكثر من 99 في المائة.

ولدى المغرب تجربة كبيرة في مجال حماية الغابات والمناطق الرطبة لمحاربة التصحر تتولى مهمتها إدارة متخصصة ومستقلة تشتغل في إطار مخططات عمل تنموية، كما تم إحداث الوكالة الوطنية للواحات، مند سنوات للإشراف على حماية وتنمية الواحات.

وتكتسي آفاق تطوير المدن المغربية أهمية بالنسبة لمستقبل التنمية بالمغرب، ويمكن أن تأخذ مسارات متعددة بحسب الأولويات والسياسات الحكومية، على غرار التعمير المستدام عبر اعتماد أنظمة النقل المتطورة والسكن الصديق للبيئة، وتخفيض انبعاثات الكربون والحفاظ على الموارد الطبيعية.

وذكر زبادي بأن مستقبل المدن يتعزز بسياسات إدماجية اجتماعية للحد من الفوارق والوصول العادل إلى الخدمات الأساسية وتشجيع التعددية الثقافية عبر مزيد من الاستثمار في حفظ تراثها الثقافي والتاريخي وتطوير بنياتها السياحية، وبتصورات السياسات الحكومية وتلبية حاجيات السكان والحفاظ على الموارد المتوفرة، ليخلص إلى أن مستقبل المدن وازدهارها يبقى رهينا بالتخطيط للتحولات المتسارعة بشكل استراتيجي ومستدام.

وإلى جانب المدن الحديثة النشأة، تحافظ المدن المغربية التقليدية على عراقتها وأصالتها، فقد انضمت مدينتا الدار البيضاء وورزازات إلى شبكة المدن المبدعة لليونسكو، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمدن، وفقا لما أعلنت عنه المنظمة الأممية الثلاثاء.

وأوضحت اليونسكو في بيان لها أن المدينتين المغربيتين، بالإضافة إلى 53 مدينة أخرى انضمت مؤخرا إلى هذه الشبكة، تتميزان بالمكانة الممنوحة للثقافة والإبداع ضمن استراتيجياتهما التنموية، وبممارساتهما المبتكرة في التخطيط الحضري الذي يركز على الإنسان.

وأصبحت الدار البيضاء مدينة إبداعية في مجال الفنون الرقمية بفضل المبادرات المتعددة الموجودة هناك، فيما أضحت ورزازات مدينة إبداعية في فئة الأفلام. وقالت المديرة العامة لليونسيكو، أودري أزولاي، إن “شبكتنا للمدن المبدعة هي في طليعة الولوج إلى الثقافة وتعبئة الإبداع في خدمة المرونة والتنمية الحضرية”.

من جانبه، قال إريك فالت، المدير الإقليمي للمكتب المغاربي لليونسكو “أود أن أهنئ بحرارة مدينتي الدار البيضاء وورزازات، اللتين تم تصنيفهما مدينتين مبدعتين لليونسكو، وسيكون بمقدورهما الآن عرض هذه العلامة الدولية بفخر”.

يذكر أن شبكة المدن المبدعة لليونسكو تأسست عام 2004 لتعزيز التعاون بين المدن في جميع أنحاء العالم، وحددت الإبداع كعامل استراتيجي في التنمية الحضرية المستدامة. ومع هؤلاء الأعضاء الـ 55 الجدد، تضم الشبكة الآن 350 مدينة في أكثر من 100 دولة، وتغطي سبعة مجالات إبداعية: الصناعة التقليدية والفنون الشعبية، الفنون الرقمية، التصميم، الأفلام، فن الطبخ، الأدب والموسيقى.

وستعمل المدن المعينة حديثا مع أعضاء الشبكة لزيادة قدرتها على مواجهة تحديات تغير المناخ، واتساع فجوة التفاوتات، والتوسع الحضري السريع، حيث من المتوقع أن يعيش 68 في المائة من سكان العالم في المناطق الحضرية بحلول العام 2050، وفقا للمصدر ذاته.