بغداد بحاجة إلى أوراق ضغط لإقناع أنقرة بتقديم تنازلات في ملف المياه

تركيا تتهم العراق بهدر مياه دجلة والفرات دون الاستفادة منها لتتركها تذهب إلى الخليج العربي.

بغداد – جرت جولة جديدة من المباحثات الماراتونية بين الجانب التركي والعراقي حول ملف المياه الذي يعتبر الشغل الشاغل للعراقيين مع أزمة الجفاف التي تعاني منها البلاد وأثرت على الانتاج الزراعي.
وبحث رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الثلاثاء، مع السفير التركي رضا كوناي العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيز التعاون في المجال الأمني والاقتصادي، وملف المياه، بحسب المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب في بيان.

ويعتبر ملف المياه على رأس الملفات ذات الأولوية بالنسبة للشعب العراقي الذي طال أمد حسمه بشكل كبير، إذ لطالما طرح خلال لقاءات مسؤولي البلدين في السنوات الماضية لكن لم تسفر عن نتائج عملية، ولم تخرج عنها إلا تصريحات وبيانات لا فائدة منها على أرض الواقع.
 ويعود الخلاف حول مياه نهري دجلة والفرات إلى مفهوم تركيا لقضية المياه والأنهار الذي يتناسب مع مصلحتها فقط دون النظر إلى مصالح جيرانها، فهي تطلق على الأنهار التي  تنبع من أراضيها مصطلح الأنهار العابرة للحدود بدل من مصطلح الأنهار الدولية، وترى أنه لا تنطبق عليهما أحكام القانون الدولي للمياه، ومن حقها التصرف بها وإقامة المشاريع عليها وربما تغيير مسارها، وفق مبدأ السيادة المطلقة، شأنها شأن النفط في أي بلد، وهو مفهوم مجحف يستند إلى الاستقواء على الدول المجاورة التي تعاني من الجفاف وأزمة مياه حادة.

وكانت حصة العراق من مياه دجلة والفرات خلال السنوات الماضية تبلغ نحو 42 مليار متر مكعب سنويًا. إلا أنها ظلت تنخفض على امتداد عهود ما بعد غزو العراق لتصل إلى نحو الثلث هذا العام.

وتتهم تركيا العراق بهدر مياه دجلة والفرات دون الاستفادة منها لتتركها تذهب إلى الخليج العربي. وذلك مع ضعف الحكومات العراقية المتعاقبة، التي لم تبذل جهدا حقيقيا في استثمار الموارد المائية، خصوصا في مجالي القطاع الزراعي وإنتاج الطاقة.

ولعل النقطة الجوهرية أن الحكومة التركية لا ترى نظيرتها العراقية تملك أوراقا كافية للضغط عليها للاستجابة لمطالبها والسماح بتدفق المزيد من مياه نهري دجلة والفرات باتجاه العراق. رغم وجود اتفاقات سابقة في السبعينيات والثمانينيات مع الجانب التركي.

ومع تحسن العلاقة بين البلدين خصوصا في المسائل المتعلقة بالتعاون الأمني والتجاري والنفطي، حيث تبلغ قيمة تجارة المواد الغذائية التركية وحدها مع العراق حوالي 8 مليارات دولار سنويًا، تحاول بغداد الوصول إلى تفاهم مع أنقرة للحصول على مزيد من الإطلاقات المائية وتوقيع اتفاقات تضمن استمرار تدفق كميات المياه بصورة منتظمة.

وقبل أسبوعين، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بغداد والتقى الرئيس العراقي فؤاد حسين، حيث طالبه الأخير بحصة عادلة من المياه، في حين دعا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الجانب التركي إلى زيادة إطلاقات نهر الفرات.

وناقش الجانبان سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطرقا إلى ملف المياه والتغيرات المناخية، حيث أشار الرئيس العراقي إلى أن الجفاف يهدد الأنشطة الزراعية والاقتصادية في العراق، مشددًا على ضرورة حصول بغداد على حصة عادلة من المياه.

وقد ناشد العراق تركيا، في شهر مارس آذار الماضي، بشأن حصته من المياه من نهري دجلة والفرات، خاصة مع النقص الكبير في كميات مياه نهري دجلة والفرات بسبب احتجاز تركيا للمياه في السدود التي بنتها.

وأثر هذا النقص على الأنشطة الزراعية، التي كان آخرها إعلان وزارة الموارد المائية العراقية إيقاف زراعة الأرز والذرة الصفراء بسبب شح المياه في البلاد.

مفهوم تركيا لقضية المياه والأنهار يتناسب مع مصلحتها فقط فهي تطلق على الأنهار التي تنبع من أراضيها مصطلح الأنهار العابرة للحدود بدل من مصطلح الأنهار الدولية.

واتخذت الحكومة العراقية بعض الإجراءات للحد من أزمة المياه لكنها تبقى متواضعة بالنظر إلى حجم الأزمة، حيث أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، في يوليو تموز الماضي، أهم نقاط خطتها لمواجهة ندرة المياه، مؤكدة أنه لن يتم تخصيص حصص مائية جديدة دون استخدام تقنيات الري الحديثة.

وبحسب وكالة الأنباء العراقية "واع"، فقد أشارت الوزارة إلى استخدام الخزين الموجود في بحيرة الثرثار وتعويض النقص في نهر الفرات كبدائل.

كما أعلن معاون المدير العام في الوزارة، غزوان عبد الأمير، عن استمرار نقل المياه في الأنابيب وتبطين القنوات بالكتل الخرسانية أو اللحاف الخرساني للحد من الضياع، وأكد أن الفعاليات مستمرة في إزالة التجاوزات وتطبيق جداول المؤشرات بناءً على المخزون المتاح.

وفي وقت سابق، أكد السفير العراقي لدى أنقرة، ماجد اللجماوي، استمرار المباحثات مع الجانب التركي بشأن الحصة المائية لبلاده.

ومن ناحيته، لفت وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله إلى أهمية استمرار الجهود الدبلوماسية لتحصيل حقوق بلاده المائية، مشيرا إلى أن جهود الوزارة مستمرة لضمان الحصول على حصة عادلة رغم الشح المائي الذي يمر به العراق.

وسلط تقرير جديد لمركز "تمكين السلام" العراقي، الضوء على السياق التاريخي لهذه المشكلة، وقال إن غياب الإرادة السياسية في العراق طيلة العقود الماضية منع حل المشكلة.

وقدم المركز عدة مقترحات، مشيرا إلى أن العراق يمتلك "النفوذ" لإدارة الأزمة بفعالية في سياق تغييرات إقليمية.

وأشار البحث إلى أن مأزق العراق يكمن في أنه بلد مصب، وجاف ويعتمد بشكل كبير على المياه السطحية التي تأتي من جيرانه، ومع ضعف استجابة الحكومات العراقية، تعمل دول الجوار على بناء السدود أو إعادة توجيه مسارات الأنهار المشتركة لتأمين احتياجاتها الخاصة، وبالتالي تقليل كمية المياه المتدفقة إلى العراق. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب الاضطرابات في علاقات البلد بجيرانه.

ولفت التقرير إلى "سد أتاتورك"، أحد أكبر سدود تركيا على طول نهري دجلة والفرات، الذي اكتمل بناؤه في عام 1991، وهو ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول الذي يتضمن خططا لبناء سلسلة من السدود ومحطات الطاقة الكهرومائية على نهري دجلة والفرات.

وتظهر صورتان لوكالة "ناسا" نهر الفرات قبل 20 أغسطس 1983 وبعد 24 أغسطس 2002 وفي الثانية، تظهر بوضوح بحيرة كبير ناتجة عن مياه السد، وهي تغطي حوالي 817 كيلومترا مربعا.