'بيروت الخضراء' حلم بيئي يسعى لتغيير الواقع

نشطاء لبنانيون يطلقون مبادرة لزراعة مليون شجرة ونبتة في بيروت، وسط مطالبات بـ'وضع خطة تغير الواقع البيئي في البلاد'.

بيروت - تشهد العاصمة اللبنانية بيروت ارتفاعا ملحوظا في معدلات تلوث الهواء، حيث يقول خبراء ومسؤولون محليون إنه "تجاوز الخطوط الحمراء"، فيما وصفت دراسات بيئية سابقة أزمة التلوث في البلاد بـ"القاتل الصامت الأول"،
ولمواجهة حالة التدهور البيئي، أطلق نشطاء لبنانيون مبادرة لزراعة مليون شجرة ونبتة في بيروت، وسط مطالبات بـ"وضع خطة تغير الواقع البيئي في البلاد".

وبحسب دراسة سابقة لوزارة البيئة، فإن معدلات تلوث الهواء المرتفعة تسبب أمراضا قاتلة لواحد من بين كل 9 أشخاص، ما دفع لوصفه بـ"القاتل الصامت".

ويعود تلوث الهواء في بيروت وضواحيها لعدة أسباب من أبرزها "استخدام المولدات الكهربائية الخاصة بشكل كثيف، بالإضافة إلى الازدحام المروري وسوء معالجة النفايات"، وما يصدر عنها من انبعاثات خطيرة، بحسب الخبراء.

وكان وزير البيئة ناصر ياسين، قد قال في تصريح سابق، إن الكلفة الصحية الناجمة عن تلوّث الهواء تبلغ نحو 900 مليون دولار سنويا، فيما تقدر الكلفة السنوية للتدهور البيئي بالمجمل في لبنان بأكثر من 2.3 مليار دولار.

وما يفاقم هذه المشكلة، وفق خبراء بيئيين، هو تآكل المساحات الخضراء في بيروت على نحو متسارع وغير مسبوق في ظل التمدد العمراني وسوء التنظيم المدني.

وفي محاولة لتغيير هذا الواقع، أطلق ناشطون لبنانيون مبادرة بعنوان "بيروت: العاصمة الخضراء" تهدف إلى زراعة مليون شجرة ونبتة داخل العاصمة في إطار مواجهة التدهور البيئي.

وقالت رئيسة جمعية "سيدرز للعناية" (غير حكومية) عفت إدريس، الجهة المسؤولة عن المبادرة، إن "بيروت تختنق بسبب التلوث والإسمنت وتواجه تحديات بيئية أخرى كالتغير المناخي".

وأضافت "المبادرة مشروع طويل الأمد يمتد حتى عام 2050، ويهدف لزيادة المساحات الخضراء واختيار أنواع مدروسة من النباتات والأشجار قادرة على مواجهة تغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة".

ولفتت إلى وجود عدد من الشركاء الذين يساهمون بدورهم في تنفيذ هذه المبادرة مثل "المدارس والجامعات وأصحاب المهن، ووزارات ونقابات (..) كلٌ له دور بحسب اختصاصه".

وترى بأن بيروت باتت تحتاج إلى مخطط "تنظيمي جديد يعود بالمدينة إلى طبيعتها السليمة بيئيا وسياحيا، خاصة وأن كل المدن الساحلية في لبنان تواجه عدة تحديات أبرزها عدد السكان والتغير المناخي".

وفي "حرج بيروت"، تم تخصيص مساحة لاستخدامها "مشتلا" للاستفادة منها في المبادرة، حيث يتم اختيار الأشجار والنباتات بطريقة مناسبة للمرحلة المقبلة، بحيث تكون مقاومة للحر ولا تحتاج إلى صيانة كثيرة ولا تؤثر على البنى التحتية للعاصمة، وفق إدريس.

وتعاني العاصمة "من الكثافة السكانية بعدما غزاها الإسمنت، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة وزيادة نسبة التلوث في الهواء"، وفق الراعي الرئيسي لهذه المبادرة، محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود.

وقال "نلاحظ من حين إلى آخر ظهور غيم وضباب أسود فوق بيروت بسبب ارتفاع نسبة تلوث الهواء"، مشيرا إلى أنه "باستثناء حرج بيروت وبعض الحدائق القليلة لا يوجد مساحات خضراء في المدينة".

وفي محاولة للتخفيف من تلوث الهواء، أصدر محافظ بيروت منتصف 2022 قرارا يجبر مالكي المولدات الكهربائية على تركيب منقيات لدخان العوادم، إلا أن معظمهم لم يلتزموا بهذا القرار، ما أدى إلى استمرار زيادة نسبة التلوث، بحسب مراقبين.
ويعتمد اللبنانيون في توفير الكهرباء البديلة للتيار الذي تعجز محطات الطاقة الحكومية عن تأمينه لأسباب تقول إنها مالية وتقنية، على المولدات الصغيرة (الخاصة) التي تعمل على وقود الديزل (الملوث).

وأكد محافظ مدينة بيروت أن "زيادة المساحات الخضراء أمر مهم، ورؤيتنا البيئية لتخفيف التلوث قائمة من خلال العمل مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والأهلي".
وتابع "سنسعى مع تلك الجهات لزيادة المساحات الخضراء وإعادة النباتات والأشجار إلى بيروت"، موضحا أنه سيتم إلزام "متعهدي المشاريع العمرانية في المدينة بتخصيص مساحات لزراعة الأشجار أمام الأبنية الإسمنتية المشيدة".

ومنذ وقوع انفجار مرفأ بيروت الذي تزامن مع انهيار اقتصادي غير مسبوق يجري الاعتماد بشكل كبير على المنظمات غير الحكومية لتنفيذ مشاريع تنموية وبيئية، في ظل العجز المالي الكبير الذي تعانيه المؤسسات الحكومية.

وفي أغسطس/آب 2020، وقع انفجار ضخم بمرفأ بيروت أدى إلى مصرع نحو 220 شخصا، وجرح قرابة 7 آلاف آخرين، فضلا عن دمار مادي هائل بالعاصمة.

وتعصف بلبنان منذ 2019 أزمة اقتصادية حادة صنفها البنك الدولي بأنها واحدة من بين 3 أشد أزمات عرفها العالم، حيث أدت إلى انهيار مالي وتدهور معيشي.

ويمكن لأي شخص "المساهمة في إعادة التشجير بالمدينة، سواء في محيط منزله أو عمله"، وفق ممثلة نقابة الصيادلة في المبادرة وجدان بيضون.

وأضافت "سنقوم بتأمين الأشجار والشتلات النباتية للراغبين في ذلك مع تعليمهم كيفية الاعتناء بها"، موضحة أن تنفيذ هذه الحملة يحتاج إلى "تضافر جهود المجتمع خاصة النقابات المهنية مثل (نقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين) والمجتمع المدني كله، وكذلك المؤسسات الحكومية".

وذكرت أن "البلديات والجهات الحكومية لا تستطيع القيام بهذا الأمر وحدها، نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة"، مشددة على أن "الأشجار بمثابة الرئة التي نتنفس منها، لذلك نسعى إلى إعادة المساحات الخضراء لبيروت، لننقذ الأجيال القادمة".