تبون يعطي إشارة عودة الدفء للعلاقات مع فرنسا

الرئيس الجزائري يتحدث عن "تفاهم معين" مع نظيره الفرنسي لم يذكر مضامينه لكنه قال إنه "يرى فيه تجسيدا لجيل جديد يمكنه إنقاذ العلاقات" بين البلدين.

باريس - أعطى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إشارة واضحة على عودة الدفء للعلاقات مع فرنسا بعد أشهر طويلة من التوتر، لكن لم يتضح حتى الآن ثمن التهدئة في الوقت الذي لا تزال فيه كثير من الملفات الخلافية بين البلدين عالقة.

ورحّب تبون بما وصفها بـ"علاقات الثقة" الجديدة بين فرنسا والجزائر وبـ"صداقته المتبادلة" الشخصية مع الرئيس إيمانويل ماكرون، في إشارة جديدة إلى عودة الدفء إلى العلاقات الثنائية التي غالبا ما كانت مضطربة.

وأعرب تبون في مقابلة مع صحيفة 'لوفيغارو' نُشرت الجمعة، عن تمنّياته بـ"عهد جديد" مع فرنسا بعد ستة أشهر على زيارة نظيره الفرنسي للعاصمة الجزائر. كما أعلن بدوره أنه سيقوم بزيارة دولة إلى فرنسا في سنة 2023.

وقال "لدينا تفاهم معيّن" مع رئيس الدولة الفرنسية، مضيفا "أرى فيه تجسيدا لجيل جديد يمكنه إنقاذ العلاقات بين بلدَينا"، مضيفا "لدينا صداقة متبادلة. بالطبع كانت لدينا هو وأنا، صيَغ مؤسفة، لكن هذه هي المرة الأولى التي يبدو لي أنّ هناك مثل هذه العلاقة من الثقة بين بلدَينا".

ووجدت باريس والجزائر الطريق لتحسين العلاقات بينهما خلال زيارة قام بها ماكرون إلى الجزائر في أغسطس/اب الماضي.

واستأنف رئيسا الدولتين تعاونهما في إعلان مشترك تم توقيعه وسط ضجّة كبيرة، ممّا مهّد الطريق بشكل خاص أمام تخفيف نظام التأشيرات الممنوح للجزائر، مقابل زيادة تعاون الجزائر في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وكانت مسألة التأشيرة قد سمّمت العلاقات بين الدولتين بعدما قرّرت باريس في سبتمبر/أيلول 2021، تقليص عدد تأشيرات الدخول التي تمنحها لرعايا ثلاث من دول المغرب العربي هي تونس والجزائر والمغرب. وهدفت من وراء هذا الإجراء إلى الضغط على حكومات هذه الدول للتعاون معها في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتسهيل استعادة مواطنيها الذين يُطردون من فرنسا.

لكن تمّت تسوية الملف قبل حوالي أسبوعين عندما أعلنت فرنسا عبر وزير داخليتها جيرالد دارمانان، العودة إلى الوضع الطبيعي في إطار منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين وذلك بعد المواطنين التونسيين في نهاية أغسطس/اب والمغربيين.

وفي أكتوبر/تشرين الأول توجّهت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن، برفقة حوالي خمسة عشر وزيرا، إلى الجزائر لإبرام هذه المصالحة حول مشاريع اقتصادية و"شراكة متجدّدة".

وكان استحضار قضية الاستعمار الفرنسي (1830-1962) وحرب التحرير الدموية قد أثار خصومة حادّة بين البلدين في خريف العام 2021، بعد تصريحات لماكرون عدل عنها بعد ذلك. وفي هذا الصدد، قال الرئيس الجزائري "يجب على فرنسا أن تحرّر نفسها من عقدة المستعمر والجزائر من عقدة الاستعمار".

لكن "التفاهم المعين" مع ماكرون الذي تحدث عنه تبون ولم يفصح عن مضامينه، يبقى على الأرجح مفتاح عودة الدفء للعلاقات بين البلدين، في حين تذهب معظم التخمينات إلى أن الأمر لا يخرج عن سياق المساومات فباريس تحتاج بشدة للغاز الجزائري في ظل أزمة إمدادات ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا واجراءات أوروبية استهدفت تقليص واردات الغاز من روسيا.

ويتعلق الأمر على الأرجح بوضع معارضين جزائريين مقيم في المنفى في فرنسا ومنهم أعضاء في حركة رشاد الإسلامية وفي حركة 'الماك' الانفصالية التي تطالب باستقلال منطقة القبائل.

ولم يسبق أن طالبت الجزائر فرنسا بتسليمهم لكنها صنفت التنظيمين إرهابيين وأصدرت بحق أعضاء فيهما أحكاما غيابية بالسجن، في حين تقول مصادر دبلوماسية إن تبون ربما أثار هذه المسألة مع ماكرون خلال زيارة الأخير للجزائر.

وملف المعارضين الجزائريين شديد الحساسية في فرنسا ومن المستبعد أن تنخرط باريس في مثل هذه المساومات لأنها تدرك تداعياته السياسية وأن الدخول في المقايضة يضرب مصداقية الديمقراطية والحريات التي هي من مقومات ومبادئ الجمهورية الفرنسية.