تحرك محلي ودولي لنجدة أهوار العراق من الاندثار

نتيجة سياسات مائية لإيران وتركيا من خلال بناء سدود وتحويل مجرى أنهار، مناطق المسطحات المائية جنوب العراق تواجه موجة جفاف غير مسبوقة تسبّبت في هجرات جديدة طاولت مئات الأسر.

بغداد - يتحرك ناشطون عراقييون للضغط على الحكومة لانقاذ الأهوار وسط موجة جفاف غير مسبوقة ووضع "مأساوي" تشهده المسطحات المائية التي تختص بها البلاد، فيما تسعى منظمات أممية للتدخل.

وسجّلت مناطق الأهوار جنوبي العراق موجة جفاف غير مسبوقة تسبّبت في هجرات جديدة طاولت مئات الأسر، إلى جانب خسائر في المواشي والمزروعات.

والأهوار العراقية التي تتفرّد بها طبيعة هذه البلاد هي مسطّحات مائية ضخمة تستمدّ مياهها من نهرَي دجلة والفرات بشكل رئيس، وتمتد في محافظات ذي قار وميسان والبصرة والمثنّى ومناطق حدودية مع إيران جنوبي وجنوب شرقي البلاد، أمّا أبرزها فأهوار الجبايش والحمّار والشيب والدجيلة، وتضمّ أنواعاً عديدة من الطيور والأسماك والنباتات المائية ونبات القصب والبردي، في حين تعيش حولها آلاف الأسر العراقية على الزراعة وصيد السمك وتربية المواشي.

منذ مطلع العام يضرب الجفاف البلاد، وقد تسبّب فيه تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهرَي دجلة والفرات، نتيجة سياسات مائية لإيران وتركيا، من خلال بناء سدود وتحويل مجرى أنهار فرعية ومنع دخولها العراق.

واليوم تبدو أهوار العراق أمام تحدٍّ خطير من أجل البقاء، في ظلّ تفاقم أزمة الجفاف التي يصفها خبراء بأنّها الأكثر قسوة منذ عقود طويلة، إذ تراجعت مناسيب المياه في المسطّحات المائية التي تغطّي مساحات كبيرة من محافظات عدّة، وتُعَدّ مصدر حياة بيئية خصبة تكوّنت حولها تجمّعات سكنية كثيرة من قرى وقصبات مختلفة تضمّ عشرات آلاف العراقيين.

وقد سجّلت الأسابيع الأخيرة نزوح عدد غير قليل من الأسر من مناطق الأهوار بسبب الجفاف، إذ إنّها تعتمد على تربية الجواميس والمواشي وصيد السمك اللذين تأثّرا بالجفاف، فيما تأثّرت الزراعة بذلك أيضاً.

واطلق ناشطون ومدوّنون عراقيون حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان "أنقذوا أهوار العراق".

الأهوار
منطقة تدفع ثمن التعثّر الحكومي في إكمال مفاوضاتها مع الجانبَين التركي والإيراني

رأى الناشط البيئي محمد عباس في تغريدة على موقع تويتر أنّه يتوجّب على الأمم المتحدة التدخّل في مثل هذه "الظروف الخانقة" وحلّ أزمة الأهوار الكبرى، لا سيّما أنّها مدرجة على قائمة التراث العالمي. ووصف عباس الأزمة بأنّها "تقصير سياسي"، في إشارة إلى تعثّر الحكومة العراقية في إكمال مفاوضاتها مع الجانبَين التركي والإيراني، وتحقيق النتائج المرجوّة لرفع كميات المياه الواصلة إلى نهري دجلة والفرات.

والثلاثاء عدّت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" في العراق، الوضع في جنوب العراق ولا سيما في الأهوار بـ"المأسوي"، فيما جدّدت تحذيرها من تأثير شح المياه على مربي الجواميس والصيادين والتنوع البيولوجي العام في الاهوار العراقية.
جاء ذلك من بين مخرجات اجتماعٍ عقدته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في العراق، بعنوان "أهوارنا حياتنا" مؤخرا في قضاء الجبايش في محافظة ذي قار، مع ممثلين عن السلطات المحلية من محافظات البصرة وذي قار وميسان، والممثلين الرسميين لوزارات الزراعة والموارد المائية والبيئة والصحة، ومن اتحاد المزارعين، لمناقشة أزمة المياه في الاهوار العراقية وسبل المضي قدما لمساعدة المزارعين ومربي الجواميس.
ووفقاً لبيان صحافي، فإن من خلال دعم الاتحاد الأوروبي، "تعمل منظمة الفاو عن كثب مع السلطات المحلية لدعم الأشخاص الأكثر تضرراً في جنوب العراق من شح المياه وتأثير تغير المناخ الذي يهدد حياتهم وسبل عيشهم".
وركزت المناقشات على تأثير شح المياه على مربي الجواميس والصيادين والتنوع البيولوجي العام في الاهوار العراقية، “وتم وضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى للتعامل مع هذه التحديات. كان هذا الاجتماع ممكنا بفضل دعم الاتحاد الأوروبي”.
وقال صلاح الحاج حسن، ممثل منظمة الأغذية والزراعة في العراق: “تتابع منظمة الأغذية والزراعة الوضع المأسوي في جنوب العراق ولا سيما في الأهوار. لقد دعونا إلى العمل لمساعدة مربي الجواميس على التغلب على تغير المناخ ونقص المياه في يوليو ونواصل التعاون مع السلطات المحلية ووزارات الزراعة والبيئة لمواجهة هذه التحديات بدعم سخي من الاتحاد الأوروبي”.
وخلال الاجتماع ، قدم الشاذلي كايولي، خبير الثروة الحيوانية الدولي لدى منظمة الفاو في العراق، نتائج التقييم الذي تم إجراؤه في إطار المشروع الممول من الاتحاد الأوروبي حول التحديات التي يواجهها مالكو الماشية ومربو الجاموس في هذا السياق.
وبالإضافة إلى التوصيات والحلول التي اقترحها المشاركون خلال المناقشات، اختتم الاجتماع بدعوة المشاركين لتقديم اقتراحاتهم وتوصياتهم مكتوبة في غضون سبعة أيام ليتم تجميعها ومراجعتها والانتهاء من مشاركتها مع المؤسسات العامة ذات الصلة والمنظمات الدولية لبدء مناقشات للحصول على الدعم اللازم، حسب البيان.

وشهدت الاهوار في السنوات السابقة جفافا شديدا قبل ان ترويها الامطار الغزيرة.

وبين عامي 2020 و 2022، انخفض منسوب المياه والرطوبة في 41٪ من مساحة الأهوار في جنوب العراق، بما في ذلك الحويزة والجبيش، بينما جفت المسطحات المائية في 46٪ من مساحة الأهوار. الاهوار بحسب مسح اجرته منظمة “باكس” الهولندية (منظمة غير حكومية) بالاعتماد على صور الاقمار الصناعية.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد وافقت في السابع عشر من يوليو/ تموز 2016 على إدراج الأهوار في قائمة التراث العالمي، محميّة طبيعية دولية، بالإضافة إلى مدن أثرية قديمة قريبة منها مثل أور وأريدو والوركاء.