تنديد دولي لا يثني إيران عن القمع والإعدامات

عدة دول أوروبية تستدعي ممثلي إيران الدبلوماسيين فيها للاحتجاج على أحكام إعدام جديدة بحق محتجين، بينما لا تبدي السلطات أي مرونة إزاء احتجاجات تشكل أكبر تحد للنظام الديني.
تنديد عالمي واستدعاء سفراء بعد إصدار أحكام إعدام جديدة في إيران
القضاء الإيراني يصدر ثلاثة أحكام إعدام إضافية على صلة بالاحتجاجات
القضاء الإيراني يحكم بسجن ابنة رفسنجاني خمسة أعوام

باريس - أثار إعلان السلطة القضائية الإيرانية الاثنين إصدار أحكام إعدام في حق ثلاثة أشخاص بدعوى ضلوعهم في قتل عناصر من قوات الأمن على هامش الاحتجاجات التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني، ردود فعل عالمية منددة مع استدعاء عدة دول أوروبية ممثلي إيران الدبلوماسيين فيها احتجاجا، بينما يشكل هذا الضغط محاولة من قبل الدول الغربية للضغط على طهران للتراجع عن تلك الأحكام والتوقف عن استخدامها سيفا مسلطا على رقاب المحتجين، لكن من المرجح أن تتجاهل السلطات الإيرانية تلك الضغوط الخارجية.

وترفع الأحكام الجديدة التي لا تزال ابتدائية وقابلة للاستئناف، إجمالي عدد أحكام العقوبة القصوى الصادرة في قضايا متصلة بالاحتجاجات إلى 17 تمّ تنفيذ أربعة منها، بينما صادقت المحكمة العليا على حكمَين آخرَين.

وأصدر القضاء حكما بالإعدام في حق كل من صالح مير هاشمي ومجيد كاظمي وسعيد يعقوبي بعد اتهامهم بـ"الحرابة"، وفق ما أفاد الاثنين موقع "ميزان أونلاين" التابع للسلطة القضائية، مشيرا إلى أن الثلاثة أدينوا بتهمة الضلوع في عملية قتل ثلاثة من عناصر قوات الأمن في محافظة أصفهان وسط البلاد في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وتشهد إيران منذ 16 سبتمبر/ أيلول احتجاجات إثر وفاة أميني (22 عاما) بعد ثلاثة أيام من توقيفها من جانب شرطة الأخلاق لعدم التزامها بالقواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية.

وقتل المئات بينهم عشرات من عناصر قوات الأمن، خلال الاحتجاجات التي تخلّلها رفع شعارات مناهضة للسلطات. كما تمّ توقيف الآلاف على هامش التحركات التي يعتبر مسؤولون إيرانيون جزءا كبيرا منها "أعمال شغب" يقف خلفها "أعداء" الجمهورية الإسلامية.

وأوردت "منظمة حقوق الإنسان في إيران" ومقرها في أوسلو، أن عدد القتلى منذ بدء الاحتجاجات ارتفع إلى 481 شخصا بينهم 64 قاصرا. وقالت إن 109 محتجين معتقلين الآن حكم عليهم بالإعدام أو وجهت إليهم تهم يواجهون فيها احتمال الحكم عليهم بالإعدام.

وسبق للسلطة القضائية أن نفّذت أحكام إعدام بحق أربعة أشخاص أدينوا باعتداءات على رجال الأمن على هامش الاحتجاجات التي طالت مختلف أنحاء البلاد وتقترب من إتمام شهرها الرابع.

وأعلن القضاء السبت تنفيذ حكم الإعدام بحق كل من محمد مهدي كرمي وسيد محمد حسيني لإدانتهما بالضلوع في عملية قتل روح الله عجميان وهو عنصر في قوات التعبئة المعروفة باسم الباسيج في مدينة كرج غرب طهران في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي..

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق كل من مجيد رضا رهناورد ومحسن شكاري بعد إدانتهما باعتداءات على عناصر من قوات الأمن أيضا.

واعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الاثنين أن سلطات الجمهورية الإسلامية تتعامل مع المسؤولين عن "أعمال الشغب" بطريقة عادلة. وقال في تصريحات أوردها موقعه الالكتروني وجاءت خلال استقباله في طهران جمعا من أهالي مدينة قم المقدسة "نعم، لدينا مشكلة اقتصادية ومعيشية، لكن هل تُحلّ بإحراق حاويات القمامة وإثارة الشغب؟"، معتبرا أن السلطات المسؤولة تعامل من "أجّجوا أعمال الشغب معاملة عادلة وجادة".

وأثار القمع والإعدامات تنديدا عالميا وفرضت عقوبات غربية جديدة على إيران. وفي إطار ردود الفعل، استدعت ألمانيا سفير طهران في برلين الاثنين للاحتجاج على إعدام رجلين مؤخرا على صلة بالتظاهرات، وفق ما أفادت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك.

وشدّدت على أن الهدف من ذلك "الإشارة بوضوح إلى أن القمع الوحشي وترهيب السكان والإعدامين الأخيرين لن يمرّ من دون عواقب".

واستدعت وزارة الخارجية الفرنسية كذلك القائم بالأعمال الإيراني "لإبلاغه بإدانتها الشديدة" لعمليات الإعدام وللقمع الحالي في إيران، مذكّرة في بيان بأنها قامت بذلك "مرّات عدة عبر قنوات مختلفة مع السلطات الإيرانية"، مضيفة أنها "تابعت بأكبر قدر من الاهتمام الاعتصام الذي نظم يوم أمس (الأحد) أمام السفارة الفرنسية في طهران والذي لم يكن عفويا".

وأعلنت دول أوروبية أخرى، مثل الدنمارك وبلجيكا وهولندا والنرويج، إجراءات مماثلة، بينما يجري الإعداد لفرض عقوبات جديدة على المستوى الأوروبي.

ودعا البابا فرنسيس الاثنين إلى وضع حد لأحكام الإعدام عالميا، وخصّ بالذكر "إيران في أعقاب التظاهرات الأخيرة". وقال "لا يمكن استخدام عقوبة الإعدام لإحقاق عدالة الدولة، نظرا لأنها لا تشكل رادعا ولا تجلب العدالة للضحايا، بل تغذّي فقط التعطّش للانتقام".

ووفق أرقام منظمة العفو الدولية الحقوقية ومقرها لندن، تحتلّ إيران المرتبة الثانية عالميا خلف الصين في عدد أحكام الإعدام المنفّذة.

وفي إطار القضية ذاتها، أصدر القضاء الاثنين أحكاما بالسجن في حق متّهمَين آخرَين، أحدهما لاعب كرة القدم أمير نصر آزاداني البالغ من العمر 26 عاما. وأصدرت المحكمة في حق اللاعب الذي يلعب ضمن نادي إيران جوان المحلي، ثلاثة أحكام بالسجن لفترات متفاوتة. ووفق القانون الإيراني، على نصر آزاداني أن يمضي العقوبة الأطول من بين فترات السجن، وهي الحبس 16 عاما.

وكانت قضية اللاعب واحتمال الحكم بإعدامه، قد أثارت انتقادات من أطراف خارجيين، تتقدمهم النقابة الدولية للاعبي كرة القدم "فيفبرو".

ونظمت احتجاجات جديدة ضد النظام الإيراني في لندن وباريس في الأيام الأخيرة، فيما تواصلت الاحتجاجات داخل إيران. وتجمع محتجون في وقت متأخر الأحد أمام سجن في مدينة كرج في شمال البلاد بعد ورود تقارير عن نقل سجينين إلى الحبس المنفرد تمهيدا لإعدامهما المحتمل على ما أفادت مجموعات حقوقية خارج البلاد.

وقال موقع '1500 تصوير' إن حشودا ضمت والدة المحكوم عليه بالإعدام محمد قبادلو تظاهرت أمام سجن كوهردشت للمطالبة بـ"انقاذ" روحه والسجين الآخر محمد بروغني. وحكم على الاثنين بعد إدانتهم بتهمة ارتكاب هجمات على القوى الأمنية ورُفض طلب الاستئناف الذي تقدما به. وأظهرت أشرطة فيديو عرضها '1500تصوير' الحشد يردّد شعارات ضد عقوبة الإعدام.

وأصدر القضاء الإيراني أيضا حكما بالسجن خمسة أعوام في حق ابنة الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني بعد توقيفها على خلفية الاحتجاجات التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني، وفق ما أفادت محاميتها.

وكانت وسائل إعلام محلية أفادت في 27 سبتمبر/أيلول عن توقيف فائزة هاشمي (60 عاما) بشبهة "التحريض" على الاحتجاجات التي أعقبت وفاة أميني في 16 من الشهر ذاته بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق على خلفية عدم التزامها القواعد الصارمة للباس الإسلامي. ووجّه القضاء إليها بعد ذلك تهم "التواطؤ والإخلال بالنظام العام والدعاية ضد الجمهورية الإسلامية".

وقالت محاميتها ندا شمس إن "محكمة البداية قضت بحبس موكلتي خمسة أعوام"، مشيرة إلى أنها "ستستأنف في المهلة القانونية هذا الحكم الذي لم يصبح نهائيا بعد". وسبق للنائبة السابقة والناشطة في مجال حقوق المرأة، أن دخلت في مواجهات مع السلطات، وتم توقيفها أكثر من مرة في الأعوام الماضية.

ووجهت إليها في يوليو/تموز تهمة الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية والتجديف في تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وفق ما أفاد القضاء في حينه، وذلك في أعقاب تصريحات قالت فيها إن مطالبة إيران برفع اسم الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات "الإرهابية" خلال مباحثات إحياء الاتفاق النووي، "يضرّ بالمصالح الوطنية" لطهران. كما أدلت فائزة بتعليقات تتعلق بخديجة زوجة النبي محمد، أوضحت لاحقاً أنّها "دعابة" لا تضمر نية "إهانة".

وفي 2012 حُكم عليها بالسجن ستة أشهر لـ"الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية". وفي أكتوبر/تشرين الأول، أشار المتحدث باسم السلطة القضائية مسعود ستايشي إلى أن القضاء أصدر حكما في حق فائزة في مارس/اذار الماضي "أدانها بالسجن 15 شهرا وعامين إضافيين من منع مزاولة أي نشاط على شبكة الانترنت"، من دون تقديم تفاصيل إضافية بشأنه.

ويعد أكبر هاشمي رفسنجاني من أبرز الشخصيات الإيرانية في حقبة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979، وتولّى رئاسة البلاد بين 1989 و1997. وكان محسوبا على التيار المعتدل وهو من دعاة تحسين العلاقات مع دول الغرب.