جهود مكثفة شمال سوريا في الحرب ضد الكوليرا

انتشار العشوائيات والخيام في بنية تحتية متردية لا حماية فيها من مياه الصرف الصحي والقمامة، عوامل تفسح المجال لزيادة انتشار المرض.

إدلب (سوريا) – تسعى الفعاليات الطبية ومبادرات لناشطين في شمال غربِ سوريا للحد من الإصابة بمرض الكوليرا في المنطقة عبرَ مشاريعَ وحملاتِ توعية مكثفة، مع ارتفاع أعداد المصابين وتحذيرات الأمم المتحدة من أن المرض "آخذ في النمو" ولم يسيطر عليه بعد.

وتظهر الإحصاءات الرسمية يوميا ارتفاعا مثيرا للقلق، مما دفع وكالات الأمم المتحدة إلى إصدار تحذيرات مؤخرا بشأن كارثة وشيكة تستهدف شمال غرب سوريا على وجه التحديد.

وتسبّب المرض بالعديد من حالاتِ الوفاة وسط عجز المنظومة الطبيّة في المنطقة عن إيجاد حلول جذريّة، معتبرةً أنَّ المرض "توطن" في المنطقة.

والكوليرا مرض معدٍ حاد يسبب إسهالًا حادًا، وينتشر في المقام الأول من خلال استهلاك الأغذية أو المياه الملوثة.

ولا يزال يمثل تهديدًا عالميًا مستمرًا للصحة العامة، مما يدل على عدم المساواة الصارخة والتخلف الاجتماعي، كما أكدت منظمة الصحة العالمية.

وأشار إحصاءات حديثة إلى أن المحافظات الأكثر تأثرًا حتى الآن هي محافظة إدلب بحوالي 76 ألف حالة مشتبه بها بنسبة 40.1 بالمئة، وحلب بـأكثر من 63 ألف حالة مشتبه بها بنسبة 33.4 بالمئة، والرقة ب23 ألف حالة بنسبة 12.2بالمئة، ودير الزور بأكثر من عشرين ألف  حالة اشتباه بنسبة 11بالمئة.

وزاد انتشار الكوليرا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في فبراير الماضي ولا تزال آثاره واضحة في المنطقة حتى اليوم، مع زيادة بأعداد المخيمات العشوائية ومراكز الإيواء المؤقتة، دون تحضير بنية تحتية سليمة.

ووفق مديرية الصحة بإدلب، فإن عدد الوفيات جراء الإصابة بالكوليرا بلغ 24 وفاة خلال السنتين الماضيتين، بينما بلغت أعداد المشتبه بإصابتهم 178 ألفًا و230 إصابة، منها 80 بالمئة أُثبت إصابتهم بالمرض.

وقال دريد الرحمون، مسؤول دائرة الرعاية الأولية بمديرية صحة إدلب إن تقليل الإصابات يتلخص بإعطاء اللقاحات التي قد تسهم إلى حد كبير في تخفيف آثار وأعراض المرض، وتقليل حالات الوفاة.

وتأتي الوقاية أولًا لكبح جماح انتشار المرض، إضافة إلى إنشاء مراكز العزل لتجنب مخالطة المصابين وتقليل العدوى، وتؤمّن مديرية صحة إدلب مركزين للعزل لم يصلا بعد إلى طاقتهما الاستيعابية وفق الرحمون.

وفي الوقت الراهن، تعتمد الجهات الطبية في شمال غربي سوريا على تقليل الإصابات عبر إعطاء اللقاحات، إذ أشرفت المديرية على توزيعها لـ90 بالمئة من سكان المنطقة، بالإضافة إلى إطلاق حملات التوعية، بحسب المسؤول بمديرية صحة إدلب.

وقال الرحمون، إن استجابة الأهالي للتوجيهات الطبية جيدة، إذ يحاولون الالتزام بها، إلا أن البيئة المحيطة غير مناسبة نظرًا إلى انتشار العشوائيات والخيام في بنية تحتية “متردية” حيث تنتشر مياه الصرف الصحي والقمامة، وهي عوامل تفسح المجال لزيادة انتشار المرض.

ويعمل المتطوعون في “الدفاع المدني السوري” على إجراء جولات تستهدف مراكز الايواء المؤقتة لمتابعة أوضاع المصابين وتقديم الرعاية الطبية لهم، إضافة إلى جلسات توعية للوقاية من مرض الكوليرا.

وتوزع الفرق النشرات الدورية التي تحذر من خطورة المرض وتشير إلى وطرق الوقاية منه، إضافة إلى الطرق الصحيحة لتأمين مياه شرب نظيفة خالية من الجراثيم المتسببة بالمرض.

وأطلقت جمعية الدفاع المدني مشروعاً لتنفيذ شبكات مياه الشرب والصرف الصحي في تجمعات مخيمات كفر كرمين ـ الكمونة في ريف حلب الغربي، وهو المشروع الأكبر من نوعه في عمل المؤسسة بتأهيل البنى التحتية شمال غربي سوريا.

وأكدت في تقرير لها أن المشروع يأتي في إطار الجهود لتخفيف معاناة السكان وخاصة الزلزال الأخير الذي فاقم الاحتياجات ولدعم تعزيز المجتمعات المتضررة جراء الحرب.

وقالت"في إطار الاستجابة الأكثر استدامة للمهجرين والمتضررين من الحرب والكوارث في سوريا بنت منظمات مساكن مؤقتة في تجمعات مخيمات كفر كرمين ـ الكمونة ويبلغ عددها نحو 7 آلاف مسكن مؤقت مبنية على مساحة 20 ألف متر مربع، و تحتاج هذه المخيمات لبنية تحتية وخدمات إصحاح (شبكات مياه وصرف صحي)".

وأضافت أن الحصول على المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي المناسبة، أمر ضروري للحفاظ على كرامة الإنسان، ويفوق أهمية الكثير من أساسيات الحياة لا سيما في المخيمات. ويركز المشروع على تحقيق دور فعال في تزويد السكان في تجمعات مخيمات كفر كرمين ـ الكمونة، بالوسائل اللازمة لعيش حياة أكثر صحة وكرامة، من خلال بناء شبكات المياه والصرف الصحي، حيث تشكل الأمراض المنقولة بالمياه تهديداً خطيراً.

 ويساهم تنفيذ شبكات المياه والصرف الصحي بتقليل مخاطر تفشي الأمراض بشكل كبير، وبالتالي الحفاظ على صحة سكان المخيم، مع الوصول إلى المياه النظيفة للشرب والطهي والنظافة الشخصية، وينعكس ذلك بالحد من انتشار الأمراض مثل الكوليرا واللشمانيا وغيرها من الأمراض.