جونسون إلى السعودية لطلب ضخ المزيد من النفط

واشنطن ولندن تسعيان لاحتواء ارتدادات قاسية متوقعة على أسعار وإمدادات الطاقة بعد حظرهما استيراد النفط الروسي وتبحثان عن بدائل لتعويض الفجوة التي ستخلفها الإجراءات العقابية على موسكو.
موعد زيارة جونسون للسعودية لم يتحدد بعد
بريطانيا تدافع عن مساعيها لإقناع السعودية بزيادة إنتاجها من النفط
وزير بريطاني: السعودية شريك أمني للمملكة المتحدة

لندن - يعتزم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي كان من بين أشد الزعماء الغربيين حماسة لفرض عقوبات قاسية على روسيا وبشكل أكثر قساوة على قطاع النفط الروسي، زيارة السعودية في محاولة لإقناعها بضخ المزيد من النفط لتعويض الفجوة التي ستخلفها الإجراءات العقابية على موسكو.

ولم يتحدد موعد الزيارة ولا أجندتها بشكل دقيق كما لم يتضح ما إذا كانت زيارة جونسون للمملكة ستكون سابقة أم لاحقة للزيارة المرتقبة التي سيجريها مسؤولون أميركيون والأرجح أنهم من المكلفين بأمن الطاقة.

وكانت وسائل إعلام أميركية قد تحدثت الأربعاء الماضي عن احتمال قيام مسؤولين أميركيين بزيارة إلى السعودية، حليفة الغرب وأيضا حليفة موسكو، لإقناعها بضخ المزيد من النفط من أجل المساعدة في خفض الأسعار.

ولم ينف وزير الإسكان والمجتمعات مايكل غوف تقارير نشرتها السبت صحيفة "ذا تايمز" أفادت بأن جونسون سيجري زيارة للمملكة خلال أيام.

وأوردت الصحيفة أن جونسون سيسعى لدى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لحضه على المساهمة في تخفيف وطأة تداعيات العقوبات المفروضة على روسيا عن الغربيين على خلفية غزوها أوكرانيا، بعدما أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة حظر الواردات النفطية الروسية.

ودافعت بريطانيا الأحد عن مساعيها لإقناع السعودية بزيادة إنتاجها من النفط بعدما بدأ المستهلكون الغربيون يلمسون تداعيات العقوبات المفروضة على روسيا وبعد تنفيذ المملكة أحكام إعدام قياسية بحق 81 مدانا بالإرهاب في يوم واحد.

وقال غوف في تصريح لشبكة "سكاي نيوز" الإخبارية "علينا أن نعتمد على استيراد النفط من عدة بلدان لا نوافق على سجّلها في مجال حقوق الإنسان"، بعدما أعلنت السعودية تنفيذ أحكام إعدام بحق 81 سجينا في يوم واحد.

وتابع "السعودية شريك أمني للمملكة المتحدة. أعتقد أن هناك مخاوف على صلة بحقوق الإنسان. نحن واضحون بهذا الشأن"، لكنّه أضاف "نحن ندرك أيضا أنه في وقت يواجه فيه العالم وضعا هشا، من المهم اعتماد الدبلوماسية والوضوح على صعيد حقوق الإنسان".

ولم تقدم رئاسة الحكومة البريطانية تفاصيل حول مواعيد سفر جونسون للأيام المقبلة الذي من المقرر أن يستضيف الثلاثاء قمة دفاعية لقادة دول أوروبا الشمالية.

وأدت تداعيات العقوبات المفروضة على روسيا إلى ارتفاع أسعار البنزين ووقود الديزل في بريطانيا إلى مستويات قياسية، مما فاقم أزمة معيشية تواجهها الأسر مع ارتفاع تكلفة التدفئة.

بريطانيا كانت من بين أكثر الدول الغربية حماسة لفرض عقوبات قاسية على روسيا وتحشد منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا لعزل موسكو دوليا

والخميس قال جونسون إن بريطانيا وحلفاءها يسعون لإيجاد بدائل من النفط والغاز الروسيين، لتجنّب الوقوع مجددا ضحية "ابتزاز" يمارسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

والثلاثاء اضطر البيت الأبيض إلى نفي صحة تقرير أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" أفاد بأن وليي العهد السعودي والإماراتي رفضا الرد على اتصال للرئيس الأميركي جو بايدن.

وأوردت صحيفة "ذا تايمز" أن جونسون أكثر قدرة على استمالة الأمير محمد بما أنه بقي على تواصل معه عبر تطبيق واتساب.

لكن منظمة العفو الدولية قالت إن على جونسون في حال زيارته السعودية أن يواجه ولي العهد السعودي بشأن الإعدامات الجماعية وحظر السفر المفروض لمدة 10 سنوات على المدون السعودي رائف بدوي الذي تم الإفراج عنه أخيرا.

واعتبرت مستشارة حقوق الإنسان لدى منظمة العفو في بريطانيا بولي تراسكوت أيضا أنه "يجب عدم منح السعودية حصانة بشأن مقتل مدنيين في غارات جوية للتحالف السعودي في اليمن".

وتتعرض المملكة لضغوط غربية تتعلق بحقوق الإنسان، فيما تؤكد الرياض أن الأحكام تتعلق بمدانين بالإرهاب.  

وتعد روسيا أكبر منتج للغاز وثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية.

وكانت التساؤلات بشأن مقاربة بريطانيا في التعامل مع السعودية وروسيا قد طفت على السطح مجددا مع الغزو الروسي لأوكرانيا وإعطاء الدوري الانكليزي الممتاز الضوء الأخضر لصندوق الاستثمارات العامة السعودي لشراء نادي نيوكاسل العام الماضي.

وبعد امتناع الدوري الانكليزي عن الموافقة على صفقة شراء النادي في البداية، إلا أنه عاد وغيّر مساره بعد تقارير عن تدخل لجونسون عقب تبادل الأخير رسائل على واتساب مع الأمير محمد.

والأحد، جمعت مباراة كرة قدم بين نيوكاسل وتشيلسي الذي فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على مالكه الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش هذا الأسبوع.

وبريطانيا كانت من بين أكثر الدول الغربية حماسة لفرض عقوبات قاسية على روسيا وتحشد منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا لعزل موسكو دوليا، من دون أن تأخذ في الاعتبار تداعيات تلك العقوبات على اقتصادها ولا على الاقتصاد الأوروبي الأكثر تضررا من الإجراءات العقابية بحق الروس.

وكانت الولايات المتحدة قد طلبت من منظمة أوبك زيادة الإنتاج وقالت إن السعودية والإمارات بمقدورهما ضخ نحو 2.5 مليون برميل يوميا من النفط لسد الفجوة التي سيحدثها حظر النفط الروسي.

لكن حتى في حال موافقة الرياض وأبوظبي على ضخ تلك الكمية فإنها لن تسد الفجوة في الإمدادات حيث تقدر صادرت النفط الروسي للعالم  روسيا  بنحو 4.5 ملايين برميل يوميا.

وتعد موسكو ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية، فيما تصدر موسكو أكثر من نصف ما تنتجه يوميا إلى أوروبا. وبالنسبة لبريطانيا يمثل ذلك نحو 8 بالمئة من احتياجها من المنتجات النفطية، إلا أن الولايات المتحدة تعد الأقل اعتمادا على موارد الطاقة الروسية، فهي لا تستورد إلا 3 بالمئة من نفطها من روسيا حسب بيانات للعام 2020.

السعودية والإمارات وبدرجة أقل الكويت والعراق تعتبر الدول الوحيدة في أوبك القادرة على ضخ المزيد من النفط ومع ذلك، فإن ضخ ما بين 2.5 و3 ملايين برميل يوميا لن يقوم بتعويض انخفاض الصادرات الروسية.

وفي كل الحالات تعول لندن على إقناع الرياض التي تقود منظمة الدول المصدرة للنفط، بضخ المزيد لاحتواء الاضطرابات المحتملة في إمدادات النفط.

لكن الدول الخليج المنتجة للنفط سبق أن ألمحت إلى أن "هذه الحرب ليست حربها" وهي عبارة تعتبر ردا على مواقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من اعتداءات الحوثيين على الإمارات والسعودية.

وتوقّعت الرياض وأبوظبي مواقف أكثر حزما من واشنطن ضد المتمردين الحوثيين، لكن الأميركيين لا يزالون يترددون في تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية" وقد سحبوا دعمهم العسكري المباشر للتحالف العربي بقيادة السعودية.

والعلاقات بين الولايات المتحدة من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية فاترة منذ تولى بايدن الرئاسة وهو الذي أعلن عزمه مراجعة وتقييم العلاقات مع الحليفين الخليجيين وأبدى مواقف ليّنة من الحوثيين وألغى قرار سلفه الجمهوري دونالد ترامب الذي صنف المتمردين في اليمن تنظيما إرهابيا كما أبدى ليونة حيال إيران الخصم الإقليمي الذي تتهمه أبوظبي والرياض بمحاولة زعزعة الاستقرار في المنطقة.

وكان السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة قد قال مؤخرا إن العلاقات الأميركية الإماراتية تمر بمرحلة تحمل، بينما أعلن ولي العهد السعودي في مقابلة صحفية مطولة أنه لا يهتم إن كان بايدن يسيء فهمه.

ورغم حالة الفتور في العلاقات يسعى مسؤولون في إدارة بايدن مكلفين بأمن الطاقة لتخفيف حدّة التوتر، فمنظمة أوبك التي تضم 13 عضوا بينهم السعودية والإمارات (من أكبر المنتجين) تضخ 40 بالمئة من الإنتاج العالمي للنفط.

وتريد واشنطن التي اتخذت قرارا بحظر واردات النفط من روسيا إيجاد بدائل تجنبا لحدوث صدمة نفطية عنيفة مع تسجيل أسعار النفط مسويات قياسية ما بين 112 و 115 دولار للبرميل وتوقعات بأن تصل في حال استمرت الضغوط الغربية على روسيا إلى 200 دولار للبرميل.

أما في حال قررت روسيا من جهتها وقف ضخ نفطها فإن الأسعار قد تلامس أو تتخطى 300 دولار للبرميل، ناهيك عن ارتفاعات قياسية في أسعار الغاز واضطرابات في سلاسل إمدادات الغذاء للعالم وارتفاعات قياسية في أسعارها.