حركة النهضة تشكو من أزمة مالية حادة

تمويل النهضة يعتبر من بين القضايا المثيرة للجدل في تونس، حيث ردت الحركة على كل من يشكك بمصادر تمويلها بالتوجه للقضاء ليتحول إلى ملف سري.

تونس - قالت حركة النهضة الإثنين، إنها تواجه صعوبات مالية بسبب استمرار غلق مقرها الرئيسي ما أدى إلى تراكم ديون متعلقة بالإيجار، مشيرة إلى أن مصدر تمويل الحركة الوحيد هو التبرعات، بينما سبق أن شككت جهات عديدة بهذه المصادر.

وتصف وسائل إعلام تونسية موضوع تمويل حركة النهضة بـ"الصندوق الأسود"، الذي تتكتم عليه الحركة منذ وصولها إلى الحكم في تونس بعد 2011.

وأغلقت السلطات الأمنية المقر الرئيسي للحزب في منطقة مونبليزير بالعاصمة وباقي المقرات في الجهات، منذ أبريل/نيسان الماضي لإجراءات تتعلق بالتحقيق والتفتيش.

وقالت القيادية في الحزب زينب البراهمي في مؤتمر صحفي إن المالك الأصلي للمقر الرئيسي طالب بمستحقاته المالية مقابل إيجار عدة أشهر لم يتم تسديدها، وهي مبالغ كبيرة، مضيفة أن استمرار غلق المقر أعاق جمع التبرعات من المنتسيبن للحزب وهو مصدر التمويل الوحيد، وسداد مستحقات الإيجار والتأمين والتغطيات الاجتماعية.

ويقول أغلب موظفي الحركة في المقر الرئيسي إنهم أحيلوا على البطالة القسرية منذ غلق المقر. وقالت البراهمي "لا نعرف من سيقوم بدفع المستحقات المالية للمقر وزارة الداخلية أم وزارة العدل".

ويقبع زعيم الحزب المخضرم راشد الغنوشي ونائبه وقياديون آخرون في السجن منذ أشهر على ذمة تحقيقات في قضايا ترتبط بالتآمر على أمن الدولة وفساد مالي والتحريض ضد السلطة.

وتقول الحركة وأحزاب أخرى معارضة، إن التهم ملفقة ولا تستند إلى إثباتات قانونية كما تتهم الرئيس قيس سعيد الذي عزل منظومة الحكم السابقة التي تهين عليها حركة النهضة وحل البرلمان وأغلب الهيئات الدستورية قبل 2021، بممارسة ضغوط على السلطة القضائية.

ويعتبر تمويل النهضة من بين القضايا المثيرة للجدل في تونس، حيث ردت الحركة على كل من يشكك بمصادر تمويلها بالتوجه للقضاء ليتحول إلى ملف سري. وسبق أن فتح القضاء التونسي في أكتوبر 2021، تحقيقا ضد الحركة للاشتباه في تلقيها أموالا من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019.

وأكد الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي ونائب المدعي العام محسن الدالي في تصريحات صحافية وقتها أنه تم فتح التحقيق ضد ثلاثة أحزاب للاشتباه بحصولها على تمويلات أجنبية للحملة الانتخابية وقبول تمويلات مجهولة المصدر، طبقا لأحكام القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والقانون المتعلق بالأحزاب السياسية، لكن لم يتم إصدار نتائج رسمية بخصوص هذا التحقيق.

كما أثار تحقيق صحافي عن ثروة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي جدلا واسعا في تونس، وأعاد إلى الواجهة التدقيق في مصادر تمويل الإسلاميين وحزبهم، التي بقيت نقاشات واتهامات لم تصل إلى نتائج أو إدانة واضحة. وذكر تحقيق نشرته صحيفة "الأنوار" المحلية أن الغنوشي يتصدر قائمة أثرياء تونس بثروة لا تقلّ عن 2700 مليار دينار تونسي (حوالى مليار دولار أميركي).

وأشارت إلى أنه في هذا السياق، تحوّلت المكاسب المالية الضخمة لعائلة راشد الغنوشي إلى حديث الساعة في تونس، حتى داخل قواعد "النهضة" ذاتها، إذ تتحرّك الانقسامات المتزايدة في الحركة حول سؤالا محوريا وهو: مَن كسب ومَن لم يغنم شيئا ممّا يسمّى بـ"النضال السياسي"؟

وردا على التقرير، توجهت حركة النهضة إلى القضاء بدعوى ضد صحيفة "الأنوار" التونسية وناشر مقال قالت إنه "مضلل". وقالت في بيان إن الصحيفة "عمدت إلى نشر مقال تدّعي فيه زورا على رئيس الحركة ورئيس مجلس نواب الشعب (المنحل) راشد الغنوشي امتلاكه آلاف المليارات، وإدارته شبكات أسلحة قارّية وغيرها من الادعاءات الكاذبة"، مشيرة إلى أنها تقدمت بعدد من القضايا ضد بعض الشخصيات التي قالت إنها "اتهمت زورا حركة النهضة وقياداتها وقادت حملات تحريض وتشويه ضدها".

ودعت جميع صانعي الرأي العام في تونس إلى التحري عن المعطيات وتجنب استهداف الأشخاص وأعراضهم، والحذر من إشاعة أخبار زائفة تهدد الاستقرار وتمسّ بصورة البلاد وتجربتها الديمقراطية، وفق بيانها.

وكان رئيس تحرير صحيفة "الأنوار" حينها نجم الدين العكاري الذي يشغل حاليا منصب مدير الاعلام والاتصال بوزارة التجارة، قد قال "نحن قرأنا بلاغ الحزب الإسلامي الذي أعلن فيه أنه رفع قضية ضدنا، ونحن ننتظر أن يصلنا ما يفيد تعهّد القضاء بهذه الشكوى"، مضيفاً "لا نخشى القضاء لأننا نعوّل على استقلاليته وعدم خضوعه لأية ضغوط، وعند المثول أمامه إذا تمت دعوتنا، سنقدم حججنا على ما نقول"، مواصلا "التونسيون يعلمون أننا نتمتع بمصداقية أكبر من النهضة، لأنهم خبروها طيلة العشرية الماضية ولمسوا تلوّنهم وفقدوا الثقة بها".

وكان الوزير السابق المكلف بمكافحة الفساد محمد عبو، قد أعلن إحالته شكوى للقضاء ضد الحركة، تتعلّق بامتلاكها أربع قنوات تلفزيونية، ما أثار التساؤلات عن وجود عمليات تبييض أموال، ولكن مصير حكومة محمد عبو التي ترأسها إلياس الفخفاخ انتهى بتقديم استقالته، إثر تهديد "حركة النهضة" وحلفائها بسحب الثقة منه.

كما طالبت عريضة شعبية في تونس في عام 2020، بالتحقيق في مصادر ثروة رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي. وأطلق العريضة العديد من النشطاء السياسيين والشخصيات الأكاديمية التونسية وذلك من أجل التثبت من مصادر تمويل رئيس الحركة ومصادر ثرائها.

ودعا الموقعون على العريضة إلى ضرورة "ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺑﻜﻞ ﺟﺪﻳﺔ ﻭﺷﻔﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺛﺮﻭﺓ ﺍﻟﻐﻨﻮﺷﻲ وﻣﺼﺎﺩﺭﻫﺎ"، كما دعوا إلى تشكيل ﻟﺠﻨﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺗضم في عضويتها ﻣﻨﻈﻤﺎﺕ تونسية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل ونقابة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وجاء في نص العريضة أن "راشد الغنوشي ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﻇﺮﻑ الـ9 ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺃغنى أغنياء ﺗﻮﻧﺲ".

كما تضمنت العريضة التي لاقت تفاعلا واسعا من الناشطين على موقع فيسبوك "عاد راشد الغنوشي إلى تونس في 2011، ولم يعرف له نشاط قبل هذا التاريخ أو بعده إلا في المجال السياسي، ورغم عدم ممارسته لأي عمل اقتصادي أو تجاري، فإنه قد أصبح في ظرف 9 سنوات من أثرى أثرياء تونس، وقد قدرت مصادر إعلامية ثروته بمليار دولار في حين تتحدث مصادر إعلامية أخرى عن مبلغ يساوي 8 أضعاف هذا الرقم، أي ما يعادل خمس ميزانية الدولة التونسية، فكيف له بهذه الثروة؟".

وأضافوا حينها أنه "وباعتبار أن السيد راشد الغنوشي هو زعيم واحد من أكبر الأحزاب تمثيليةً في البرلمان وباعتبار أنه رئيس مجلس النواب، وباعتبار تفشي الفساد في الدولة والمجتمع، وباعتبار كثرة التمويلات الأجنبية المشبوهة التي تفد على البلاد التونسية بعنوان العمل الخيري والجمعياتي، وباعتبار تقاطع هذه التمويلات غالبا مع التنظيمات الإرهابية والأجندات السياسية المشبوهة، فإنه قد بات من الضروري أن يتم التحقيق بكل جدية وشفافية في ثروة السيد راشد الغنوشي وفي مصادرها". وطالب الموقعون على العريضة بتشكيل لجنة مستقلة تتكون من منظمات وطنية سبق لها أن تكفلت بملفات وطنية من الحجم الثقيل.