حقوقيات مغربيات يدفعن باتجاه إصلاحات جذرية في مدونة الأسرة

التيار الحداثي يسعى إلى تحقيق اختراق كبير في النص القائم، والدفع نحو المساواة والتغيير في نظام الإرث وتعدد الزوجات، لكن التيار المحافظ في المجتمع المغربي يرى هذه المواد "قطعيات غير قابلة للمراجعة".

الرباط - تشهد مراجعة مضامين مدونة الأسرة وإصلاحها جدالا واسعا داخل الرأي العام المغربي، إذ تحرص الجمعيات النسائية على تضمينها مواد جديدة تعلق بقضاياهن مثل منع التعدد والمساواة في الميراث.

وأسند العاهل المغربي الملك محمد السادس الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح، بشكل جماعي ومشترك، إلى كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة؛ ودعا هذه المؤسسات إلى أن تشرك بشكل وثيق الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة في الإصلاح.

وهو ما أعطى الجمعيات النسائية الحقوقية إمكانية التدخل في هذا النقاش والحصول على مكاسب على صعيد حقوق المرأة، حيث خلفت الرسالة الملكية ارتياحا واسعا في صفوف الحقوقيين من مختلف التيارات، الذين اعتبروا الخطوة دافعا مهما سيمكن من تسريع العملية وتنفيذ الإصلاحات الضرورية والمطلوبة.

وأكدت التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق، عن انخراطها الورشات القانونية لمناقشة مدونة الأسرة، باعتبارها ذات أبعاد حقوقية مؤسسة للمساواة والكرامة والعدالة للمواطنات والمواطنين.

وقالت سميرة موحيا، رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء، إنه “بخصوص بلاغ التنسيقية الذي تم تقديمه في 10 أكتوبر فقد جاء في هذه المرحلة المهمة من تاريخ نضال الحركة الحقوقية من أجل قوانين ضامنة لحقوق النساء، وبمناسبة إطلاق مسار المراجعة الشاملة والدقيقة لمدونة الأسرة بعد 19 سنة من التطبيق، الذي ستشرف عليه لجنة مؤسساتية بإشراك المجتمع المدني ومختصين في المجال”.

ومنذ الرسالة الملكية الموجهة إلى الحكومة من أجل تسريع عملية مراجعة مدونة الأسرة، بدأت تظهر بوادر نقاش محتدم بين التوجهات المختلفة إيديولوجيا وفكريا حول ماهية الإصلاحات المرتقبة وسقفها.
وتتجه الأنظار نحو التيار الحداثي الذي يسعى إلى تحقيق اختراق كبير في النص القائم، والدفع نحو المساواة والتغيير في نظام الإرث، لكن التيار المحافظ في المجتمع المغربي يرى أن هذه المواد “قطعيات غير قابلة للمراجعة.

وقالت موحيا بأن “التنسيقية تطالب بالمراجعة الشاملة والعميقة للمدونة بأكملها، مع اعتماد صياغة قانونية واضحة لا تحتمل التأويل أو تفسيرات متعددة، وتقطع مع المفاهيم الفقهية التي تتماهى مع العقلية الذكورية في العلاقات بين النساء والرجال في الحياة الخاصة، خاصة في ما يتعلق بالقوامة أو المقتضيات التي تكرس دونية النساء”.

 ورأت أن “هذه المسألة تأخذ في الاعتبار كل التحولات السوسيو-اقتصادية التي عرفها المجتمع، من خروج النساء للعمل وغيرها؛ لكن المهم أن المساواة يجب أن تكون الخيط الناظم، وخلفية تشريع للجنة في كل تعديلات مدونة الأسرة”.

ويرى متابعون للمسألة أن وجود وزير العدل عبد اللطيف وهبي ضمن اللجنة المشرفة على إصلاح المدونة قد يساهم في قفزة استثنائية في بنود المدونة من ناحية توسيع هامش الحريات الفردية إذ أن مواقفه معروفة نوعا ما في بعض الأمور، كالعلاقات الرضائية وغيرها.

وأشارت الحقوقية المغربية إلى أن “من بين أهم المطالب حذف المادة 400 من مدونة الأسرة التي تعطي للقضاة الحق في تطبيق الفقه المالكي عند وجود فراغ في المدونة”، مبررة ذلك بأنه “لا يوجد نص ينظم النازلة، ويعطي القاضي الحق في تطبيق هذه المادة، وهذه المسألة فيها حيف كبير وتمييز في حق النساء”، موضحة: “الفقه المالكي ليس قانونا تمت المصادقة عليه في البرلمان المغربي، لذلك نطالب بحذف هذه المادة، وحذف الإحالة على الفقه بصفة عامة، وتعويضها بالإحالة على الدستور، والاتفاقيات الدولية وقانون حقوق الإنسان”.

وتحيل المادة 400 إلى اجتهادات المذهب المالكي. وهي مادة يتم اللجوء إليها  في كل ما لم يرد فيه نص في مدونة الأسرة.

ويعتبر معارضون لهذه المادة إن هذا النص “مفتوح” يتيح اعتماد اجتهادات غير واردة في مدونة الأسرة. حيث تم اعتمادها من قبل قضاء الأسرة في قضايا ثبوت الزوجية.

ويثير طلب إلغاء هذه المادة جدلا واسعا، لأن حالات ثبوت الزوجية مستمرة في الارتفاع، ويتم البت فيها استنادا إلى المذهب المالكي.

كما دعت سميرة موحيا كذلك إلى “ضرورة إلغاء تزويج الطفلات، واعتبار سن أهلية الزواج هو 18 بدون استثناء، إضافة إلى منع تعدد الزوجات بصفة نهائية، لأنه يعد انتهاكا لحقوق النساء، ولديه آثار وخيمة على حياتهن، نفسيتهن وكرامتهن”.

وترى أن الولاية القانونية على الأبناء يجب أن تكون مشتركة عند الزواج، وعند الطلاق تمنح للحاضن، الأم أو الأب، وأن تكون دائما مقترنة بالحضانة، لأنه لا معنى ألا تملك الأم الحاضنة الحق في التصرف في الشؤون المالية والإدارية والقضائية للأطفال.

وشددت على أنه “بالنسبة لمراجعة منظومة الموارد فالتنسيقية تطالب بتطبيق المساواة والمراجعة بشكل يضمن العدل بين الإخوة عند درجة القرابة نفسها، وكمنظومة الإرث بصفة عامة يجب أن تكون مبنية على العدل والمساواة، مع إلغاء التعصيب في حالة وجود بنات أو زوجة بدون فروع”.

وأوضحت أن المهم أن المنظومة ألا تكون مبنية على التمييز، سواء بسبب الجنس أو الدين، لأنه عندما يكون أحد الأطراف غير مسلم يحرم من الإرث بسبب الديانة، وهذا تمييز يعرقل الوصول إلى الموارد والأرض والعقارات إلى غير ذلك.

من جهتها ترى سعاد بطل، المحامية بهيئة الرباط، في تصريح لموقع هسبريس المغربي، إنه “خلال النقاش الحالي حول المدونة هناك مغالطات يتم تمريرها، في حين أن المطلوب هو قانون أسري يحمي الأسرة المغربية”، وتابعت “نحن لسنا في حلبة صراع. يجب أن تكون هناك مساواة بين المرأة والرجل من أجل جيل سليم”.

وأضافت المحامية أن ستة أشهر كافية لتعديل المدونة، خاصة أنه “سبق أن قدمنا مذكرات لإدخال تعديلات عليها، وهناك عدد من الحقوق يضمنها دستور 2011؛ ناهيك عن أن التعديل يجب أن يكون في إطار ثوابت الأمة والدين الإسلامي وعادات وتقاليد المجتمع المغربي”.