حكومة الدبيبة تكشف عجزا في فائض الغاز قبيل زيارة ميلوني

وزير النفط محمد عون يؤكد أن بلاده لا تمتلك فائضا في الغاز لتصديره إلى أوروبا، مشيرا إلى أنها لاتزال بحاجة للطاقة لتشغيل محطات الكهرباء.

طرابلس – كشف وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد عون عن عدم امتلاك بلاده فائضا من الغاز لتصديره إلى أوروبا، وذلك قبيل زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني للعاصمة طرابلس السبت لحضور توقيع اتفاق بشأن الطاقة بين مؤسسة النفط الليبية وإيني بقيمة 8 مليار دولار.

وقال عون في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك" الروسية "ليس لدينا فائض كبير، نصدر حوالي 300 مليون قدم مكعب من الغاز لإيطاليا يوميا، وما زال لدينا حاجة للغاز في عديد محطات الكهرباء".

وأوضح أن خطط زيادة إنتاج الغاز في ليبيا ستستغرق فترة تتراوح بين ثلاث إلى أربع سنوات، مشيرا إلى أن خطط زيادة إنتاج النفط إلى مليوني برميل يوميا تصطدم بالقدرة التكريرية الضعيفة في ليبيا، لكنه استدرك "ربما في المستقبل لو جرى تطوير مصفاة الزاوية، أو إنشاء مصافي جديدة".

عاد انقطاع التيار الكهربائي مرة أخرى لمختلف المناطق في ليبيا إلى ما يربو عن ثلاث ساعات يوميا، فيما تنقطع عن المناطق العشوائية ما يقرب من أربع ساعات.

وتأتي تصريحات قبيل وصول رئيسة الحكومة الإيطالية، صباح السبت إلى العاصمة الليبية طرابلس، رفقة وزيري الخارجية والداخلية، في زيارة هي الأولى ستبحث خلالها الشراكة السياسية وقضايا التعاون في مجال الصناعة والتجارة وإمدادات الطاقة والأزمة في ليبيا، إضافة إلى ملف الهجرة غير القانونية.

ودعت حكومة الوحدة الوطنية الليبية إلى مؤتمر صحافي ظهر السبت يضم ميلوني ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة والمؤسسة الليبية للنفط وشركة "إيني" الإيطالية.

وقال مكتب الدبيبة الإعلامي إن المؤتمر حول "تطوير اتفاقية استكشاف ومشاركة الانتاج". ويتوقع أن يتم خلاله الإعلان عن توقيع اتفاق بين المؤسسة وإيني بقيمة 8 مليار دولار، يضمن زيادة 850 مليون قدم مكعب من الغاز إلى السلة الليبية، ضمن اتفاقية بين البلدين وقعت سنة 2008.

ومنذ نوفمبر الماضي، أكد رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط، فرحات بن قداره في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الليبية أنهم توصلوا لاتفاق مع "إيني" للبدء بعمليات حفر بمنطقة البحر المتوسط بمساحة كبيرة وكميات كبيرة من الغاز.

ووفق تصريحه ستضخ إيني استثمارات بقيمة 8 مليار دولار لتطوير حقول الغاز في غرب ليبيا.

وأجل بن قدارة الكشف عن حجم الاحتياطيات المتواجدة إلى ما بعد بدء الإنتاج، لافتا إلى أن احتياطيات ليبيا المؤكدة من الغاز بشكل عام "تتجاوز 80 تريليون قدم مكعب".

وتوقع بن قداره أن تحقق ليبيا إيرادات نفطية بين 35 و37 مليار دولار بنهاية العام الحالي، وأنها بحاجة لاستثمارات بقيمة 4 مليار دولار سنويا للحفاظ على حجم الإنتاج النفطي، من خلال تحديث البنية التحتية وتطوير الخدمات في الحقول.

ومنذ العام الماضي، دعت المؤسسة الشركات العالمية المرتبطة باتفاقيات استكشاف وإنتاج النفط والغاز إلى رفع القوة القاهرة المعلنة من طرفها، واستئناف جميع عملياتها في البلاد، لرفع القدرة الإنتاجية.

وتنتج ليبيا حاليا 1.2 مليون برميل من النفط، فيما تستهلك نحو 900 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا في إنتاج الطاقة، وهو ما يزيد عن ثلثي إنتاجها. وتصدر ليبيا الباقي عبر خط أنابيب "غرين ستريم" الرابط مع جزيرة صقلية، بقدرة تزيد عن 8 مليار متر مكعب في العام.

ومن المتوقع أن تشمل المحادثات في طرابلس ملف الهجرة غير الشرعية، خاصة التي تصل إلى إيطاليا من السواحل الليبية المقابلة، والتي خفت رقابة الدولة الليبية عليها وعلى الحدود عامة منذ عام .2011

وقال وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير، إن أي اتفاقيات طويلة المدى في الوقت الحالي يشوبها عدم المشروعية، ناهيك عن كونها ستكون أقرب لعقود الإذعان منها للاتفاقيات.

وأضاف الصغير، عبر حسابه على فيسبوك "لا مصلحة لليبيا وشعبها في الدخول في صراعات حول مصادر الطاقة مع الدول المنتجة والمستهلكة والمنتجين الدوليين".

وتابع "الحكمة والتروي يجب أن يكونا حاضرين في أذهان منْ يتولون المرحلة وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة".

واستطرد "النظر في الأمر من زاوية واحدة وهي زيادة الإنتاج وبالتالي الواردات هو عدم إدراك لمخاطر هذه الملفات، وأي توقيع مع إيطاليا أو غيرها الآن هو عقود إذعان وليس اتفاقيات (أي بين منْ يملك ومنْ لا خيار له).

وتحمل زيارة ميلوني إلى طرابلس دلالات سياسية عميقة أيضا بالنسبة إلى حكومة الوحدة الوطنية التي تبحث عن شرعية دولية بعد انتهاء ولايتها منذ يونيو الماضي.

ويرى مراقبون أن حكومة الوحدة ستسعى لاستغلال هذه الزيارة لإضفاء شرعية على وجودها في ظل مواقف عربية ودولية متباينة بشأنها. وكانت مقاطعة عدد من الدول العربية لاجتماع تشاوري لمجلس الوزراء العرب في طرابلس قد تسببت في إحراج كبير لحكومة الدبيبة. ومع إعلان حكومة الوحدة عن استعدادات لاستقبال ميلوني، تداعت بعض القوى الليبية معربة عن خشيتها من هذه الزيارة على غرار الحكومة الموازية التي يرأسها فتحي باشاغا.

وكانت الحكومة المكلفة من مجلس النواب بشرق ليبيا قد استغربت زيارة ميلوني، وتوقيع اتفاق نفطي جديد، وحذرت في بيان سابق لها من صفقة نفطية قالت إنها "غامضة، وستزيد من حصة الشريك الأجنبي وتقلص الحصة الليبية"، الأمر الذي نفاه بن قدارة في لقاء تلفزيوني لحق ذلك.

واستهجنت حكومة باشاغا ما وصفته بـ"السلوك الانتهازي للحكومة الإيطالية الذي يتجاوز المصالح الليبية العليا ويغامر بالعلاقة الطيبة بين البلدين"، وأكدت عدم أهلية حكومة طرابلس لتوقيع أية اتفاقيات أو مذكرات تفاهم، محذرة من أن ليبيا "لن تلتزم بأية اتفاقيات أو مذكرات تفاهم مشبوهة الغرض والمالات".

ومنذ قرابة العام، تجدد الانقسام الحكومي في ليبيا بين حكومة الدبيبة التي تسيطر على غرب البلاد وعاصمتها ومؤسساتها السيادية والمالية، وترفض تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة، بينما تتخذ حكومة باشاغا من مدينتي بنغازي وسرت مقرا لها، وتصر على تفردها بالشرعية.

وقال المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى للدولة أشرف الشح إن زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية للعاصمة طرابلس تظهر عودة روما إلى الملف الليبي الذي يحمل أهمية استراتيجية خاصة لها، لكنه دعاها إلى إيضاح أن الزيارة لا تعني الانحياز إلى طرف دون آخر.

وأضاف الشح في تصريح لمجموعة "أدنكرونوس" الإعلامية الإيطالية الجمعة نقلته وكالة الأنباء الإيطالية "آكي" "يجب أن تنقل رسالة مفادها أنه ليس من الجيد أن تستمر ليبيا وشعبها بالانقسام في المؤسسات، وأن الانتخابات يجب أن تجرى خلال العام 2023".

وأشار إلى أن هذه الزيارة تأتي في ظل جمود تام على الصعيد السياسي، في انتظار الاجتماع المقرر عقده بواشنطن منتصف شهر فبراير المقبل بين ممثلين عن الدول الفاعلة في الملف الليبي وهي "فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة ومصر وتركيا".