دعوة بيدرسن دمشق للعودة إلى جنيف تصطدم برفض موسكو

التحديات الأمنية والاقتصادية تعصف بسوريا بعد 13 عاماً من نزاع مدمر متشعب الأطراف في ظل تراجع التمويل من أجل الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الهائلة.

دمشق – جدّد مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن الأحد دعوة الحكومة السورية التوجه إلى جنيف للمشاركة في الاجتماع المقبل للجنة الدستورية نهاية الشهر المقبل، بعدما كانت دمشق وداعمتها موسكو طلبتا تغيير المكان، منبهاً من أن الأمور تسير “في الاتجاه الخاطئ”.

وقال بيدرسن للصحافيين عقب لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في دمشق إنه أبلغ الأخير أنه ”طالما ما من اتفاق بين المعارضة والحكومة، يجب أن نستمر في الاجتماع في جنيف وتطوير اللجنة الدستورية وعمل اللجنة بطريقة يمكن أن تمنح الأمل للشعب السوري”.

وتأتي زيارة بيدرسن إلى دمشق بعدما قال في إحاطة أمام مجلس الأمن نهاية الشهر الماضي إن موسكو، أبرز داعمي دمشق، أعلنت أنها لم تعد تعتبر سويسرا مكانا محايدا. وقال إنه جراء ذلك لم تقبل الحكومة السورية الحضور إلى جنيف لعقد الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية بناء على دعوة كان قد وجهها قبل أشهر.

وسلطت هذه التعقيدات الجديدة الضوء على ما وُصف بـ"تبعية بشار الأسد لروسيا"، ووفقا لوكالة "تاس" الروسية، فإن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، صرح في وقت سابق من شهر مارس/آذار الجاري أن "جنيف ليست مناسبة لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية".

وأضاف "يجب أن يتواصل البحث عن مكان يحظى بموافقة كل الأطراف، فنحن نتحدث عن حوار بين الأطراف السورية ونعمل على تسهيله، وننطلق من حقيقة أن مكان انعقاد الجلسات يجب أن يتمتع بصفة محايد، واليوم نعتبر أن مثل هذه المنصة غير موجودة في جنيف".

ونقلت صحيفة "الوطن" المقربة من دمشق عن مصادر، أن دعوة بيدرسون إلى انعقاد الجولة التاسعة من محادثات اللجنة الدستورية في جنيف "يعتبر محاولة منه لإحراج" روسيا، وإظهارها بمظهر "الرافض" لعقد الجلسات.

ورأت الصحيفة أن بيدرسون اتخذ هذا القرار "رغم معرفته بالموقف الروسي تجاه مكان انعقاد جلسات اللجنة الدستورية، والتأكيد الرسمي الأخير على لسان لافروف، بأن توقف أعمال اللجنة الدستورية يرجع إلى أن جنيف قوضت سمعتها كمنصة محايدة، ولم يعد بإمكانها اعتبار سويسرا منصة محايدة، باعتبار أن هذه الدولة اتخذت موقفًا معاديًا لروسيا بشكل علني".

وأعلن المبعوث الدولي في إحاطته أنه وجّه دعوات لاجتماع اللجنة الدستورية في جنيف في نهاية نيسان/أبريل المقبل، بعدما لم يتوافق الطرفان السوريان على مكان بديل. وناشد “الأطراف الدولية الرئيسية لدعم جهود الأمم المتحدة كميسّر والامتناع عن التدخل في مكان اجتماع السوريين”.

وأنشئت اللجنة الدستورية في أيلول/سبتمبر 2019، بعدما تلقفت الأمم المتحدة الاقتراح من محادثات استانا، برعاية روسيا وايران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة.

وبدءاً من عام 2017، طغت محادثات أستانا على مسار جنيف وأضعفته. وتتمسك المعارضة السورية بمسار جنيف بوصفه المسار الشرعي الوحيد من أجل تسوية النزاع.

ولم تحقق جولات التفاوض بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة في جنيف منذ انطلاقها عام 2014 أي تقدم. وبعدما كانت المعارضة تفاوض النظام على مرحلة انتقالية بعد تنحي الرئيس بشار الأسد، تمهيداً لتسوية سياسية، اقتصرت المحادثات في السنوات الأخيرة على اجتماعات اللجنة الدستورية لبحث تعديل أو وضع دستور جديد. لكنّها لم تحقق تقدماً بغياب “نية للتسوية” باعتراف الأمم المتحدة.

وتطرق بيدرسون في تصريحاته في دمشق الأحد إلى التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بسوريا بعد 13 عاماً من نزاع مدمر، متشعب الأطراف، في ظل تراجع التمويل من أجل الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الهائلة.

وقال إنه من أجل احتواء تلك التحديات “نحتاج إلى إحراز تقدم على الجبهة السياسية” مضيفاً “أخشى أنه ليس لدي أي شيء جديد لأخبركم به في هذا الشأن”.

ورأى أن “الوضع في سوريا راهناً صعب للغاية. وأعتقد أن المؤشرات كافة تشير إلى الاتجاه الخاطئ، سواء تعليق الأمر بالأمن أو الاقتصاد أو المسار السياسي”.

وشهد العام الماضي تغيرات على الساحة الدبلوماسية السورية تمثلت باستئناف دمشق علاقتها مع دول عربية عدة على رأسها السعودية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ثم مشاركة الأسد في القمة العربية في جدّة في أيار/مايو للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاما.