شراكة إستراتيجية تحول دون القطيعة بين واشنطن والرياض

قرار السعودية خفض إنتاج النفط من خلال تحالف 'اوبك بلاس' يعزز الضغوط على علاقتها المتوترة أساسا مع الولايات المتحدة، إلا أنّ محللين يستبعدون حدوث قطيعة كاملة في العلاقة بين الحليفين التاريخيين.
تعليق مبيعات الأسلحة الأميركية للسعودية يدفعها للبحث عن مصادر بديلة
خيارات أميركية محدودة في الرد على قرار أوبك+

الرياض - يسود اعتقاد بأن التوتر الحالي بين الإدارة الديمقراطية الأميركية والسعودية على خلفية قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يوميا على خلاف ما تطالب به الولايات المتحدة، قد يتطور إلى قطيعة، لكن بمنطق المصالح والعلاقات الإستراتيجية بين الدولتين تبدو القطيعة مستبعدة ولن يذهب التوتر إلى أبعد من مجرد ضغوط ظرفية.

وتدرك الولايات المتحدة أن حرمان السعودية على سبيل المثال من مبيعات الأسلحة فيما تواجه تحديات أمنية وعمليات إرهابية ينفذها الحوثيون المدعومين من إيران، سيدفع المملكة إلى البحث عن مصادر أخرى مثل روسيا والصين وغيرها. ومن المستبعد كذلك أن تجازف إدارة الرئيس جو بايدن بإفساد الشراكة مع دولة وازنة مثل المملكة وهي شريك اقتصادي مهم يمتلك استثمارات ضخمة في أميركا وهو أيضا شريك وازن في مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار في المنطقة.

والتوتر الحالي ليس مستجدا في العلاقة المتقلبة بين الديمقراطيين عموما والمملكة وقد اختبرت السعودية ذلك خلال ولاية الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما (20 يناير 2009 وحتى 20 يناير2017) وكان الرئيس الحالي جو بايدن نائبه.

وتقول كبيرة المحللين في معهد "مجموعة الأزمات الدولية" آنا جاكوبس "لقد مرت العلاقة الأميركية السعودية بفترات من التوتر الشديد من قبل وحاليا هناك شرخ ولكن ليس قطيعة"، مضيفة "الحقيقة هي أن الولايات المتحدة والسعودية بحاجة إلى بعضهما البعض".

وقبل ثلاثة أشهر فقط، زار بايدن مدينة جدة والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما أثار غضب نشطاء معارضين يتهمون المملكة بانتهاك حقوق الإنسان. ومثلت الرحلة تراجعا دراماتيكيا عن تعهد بايدن عام 2019 بجعل السعودية "منبوذة" على خلفية مزاعم بتورط الأمير محمد في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في 2018 وهي ادعاءات نفها ولي العهد وحكومة المملكة.

وتفسر رحلة بايدن التي لم تؤد إلى الزيادة المأمولة في إنتاج النفط، التصريحات القاسية من بعض أعضاء حزبه الديمقراطي الذين وصفوا السعوديين في الأيام الأخيرة بـ "الخونة" الذين "ضللوا وتجاوزوا" رئيس الولايات المتحدة.

وحاول بعض المشرعين الأميركيين إحياء الدعم لقانون سيعرّض الكارتل النفطي لدعاوى قضائية بزعم مكافحة الاحتكار، بينما دعا آخرون الولايات المتحدة إلى سحب المعدات العسكرية من المملكة وتعليق مبيعات الأسلحة، لكنّ بالمقابل قد تجد واشنطن نتائج عكسية لمثل هذه الخطوات.

وقال توربيورن سولتفيدت من مؤسسة "فيرسيك مابلكروفت" الاستشارية لمعلومات المخاطر "سيهدد الأميركيون بقطع العلاقات المشحونة بالفعل، وهو ما سيضع بدوره ضغوطا متصاعدة أكبر على أسعار النفط والوقود".

وقالت إيلن والد مؤلفة كتاب يتناول تاريخ شركة أرامكو النفطية السعودية العملاقة إنّ "الرد الأكثر احتمالا هو ما رأيناه بالفعل من تصريحات شديدة اللهجة من السياسيين".

ولا يقتصر الأمر على مخاوف الطاقة فقط في إفساد الشراكة الأميركية السعودية، التي تكرّست بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مما وفر للمملكة حماية عسكرية في مقابل حصول الأميركيين على النفط.

وقد تركزت الخلافات السابقة على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والاتفاق النووي مع إيران الذي سعى إليه الرئيس الديمقراطي باراك أوباما.

واعترض السعوديون أيضا على ما اعتبروه ردا فاترا من الرئيس دونالد ترامب على الهجمات الكبيرة على منشآت النفط السعودية في عام 2019، والتي تبناها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن.

وقالت جاكوبس من مجموعة الأزمات الدولية "أعتقد أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تمر بعملية إعادة تقييم كبيرة".

وأضافت "يبدو أن قرار أوبك بلاس أقل انحيازا لروسيا وأكثر اتساقا مع تصرف المملكة مراعاة لمصالحها والرد على ديناميكية العلاقة الزبائنية التقليدية بين الولايات المتحدة والسعودية".

وفي حين أن "العواقب" التي قد تواجهها الرياض بشأن تخفيضات أوبك بلاس تظل لغزا، فإن "الرد المبالغ به لن يؤدي إلا إلى تسريع الجهود الجارية لتنويع العلاقات العسكرية السعودية، ليس فقط مع الصين وروسيا ولكن مع فرنسا والمملكة المتحدة والهند وباكستان وحتى البرازيل وجنوب إفريقيا اللتين تستطيعان توفير المعدات"، على ما أفاد علي الشهابي، المحلل السعودي المقرب من الحكومة.

وتابع الشهابي "الولايات المتحدة لم تزود السعودية مطلقا بأحدث معداتها على أي حال، لذا فإن هذا التنويع لن يكون هدفا غير معقول على المدى المتوسط".

وبغض النظر عن هذا الاحتمال، يبدو أن المسؤولين السعوديين لا يزالون متفائلين بأن العلاقات مع واشنطن ستتغلب على الاضطرابات الحالية. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير لشبكة "سي إن إن" الأربعاء "لا أعتقد أن هذه العلاقة قطعت"، مضيفا "هذه العلاقة قوية جدا".

وعزز قرار السعودية خفض إنتاج النفط من خلال تحالف 'اوبك بلاس' الضغوط على علاقتها المتوترة أساسا مع الولايات المتحدة، إلا أنّ محللين يستبعدون حدوث قطيعة كاملة في العلاقة بين الحليفين التاريخيين.

وأعلن كارتل 'أوبك بلاس' المكون من الدول الـ13 الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط 'أوبك' وحليفاتها العشر بقيادة روسيا الأسبوع الماضي خفضا كبيرا في حصص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني.

وجاءت الخطوة وسط أزمة طاقة ناجمة عن الحرب في أوكرانيا، وفيما يستعد الناخبون الأميركيون المنهكون من التضخم للإدلاء بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ما أثار غضب واشنطن، حيث حذر الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء السعودية من مواجهة "عواقب" لم يحددها.

وفي المقابل، دافع المسؤولون السعوديون عن هذه الخطوة باعتبارها مدفوعة باعتبارات اقتصادية، ورفضوا اتهامات البيت الأبيض بأن أوبك بلاس "متحالفة مع روسيا".

وتواصل السجال بين الطرفين الخميس، إذ أعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان عن "رفضها التام" لهذه المزاعم "التي لا تستند إلى حقائق".

وقالت الوزارة أيضا إن السعودية "لا تقبل الاملاءات وترفض أي تصرفات أو مساع لتحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية".

ورد البيت الأبيض بالقول إن السعودية "يمكن أن تحاول التلاعب أو تحويل الانتباه، لكن الوقائع واضحة". ولا يزال من غير الواضح كيف يمكن أن يتطور الخلاف بين البلدين.

ولم يقدم بايدن في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الثلاثاء تفاصيل عن طريقة رد بلاده على قرار الكارتل النفطي، فيما واصلت التصريحات السعودية الرسمية التركيز على مكاسب العلاقات القوية مع واشنطن.