صادق خان رئيس بلدية لندن يفوز بولاية ثالثة

المحافظون الذين يتولون السلطة منذ 14 عاما في المملكة المتحدة يتعرضون لأسوأ انتكاسة لهم في الانتخابات المحلية.

لندن - فاز رئيس بلدية لندن العمّالي صادق خان اليوم السبت بولاية ثالثة ليصبح بذلك أول مسؤول منتخب يفوز بهذا المنصب الذي استحدث في العام 2000، ثلاث مرات.

وحصل خان (53 عاما)، وهو ابن مهاجرَين باكستانيَين، على منصب رئيس بلدية لندن للمرة الأولى عام 2016 وأصبح حينها أول مسلم يقود عاصمة غربية كبرى.

ومع هذه الولاية الثالثة التي فاز فيها بفارق كبير على منافسته المحافظة سوزان هول، يتفوق من حيث فترة الحكم على سلفه المحافظ بوريس جونسون الذي انتخب مرتين لمنصب رئيس بلدية لندن.

وفي خطاب ألقاه عقب إعلان النتائج، قال خان إنه "يتشرف" و"فخور" بفوزه مضيفا أنه يأمل بأن تكون هذه السنة عام "تغيير كبير" مع "حكومة عمّالية" كما أشاد بانتصار الحملة التي دافعت عن "مدينة لا ترى في تنوعنا نقطة ضعف بل قوة وترفض الشعبوية وتتقدّم".

وخلال فترة ولايته الأولى، عارض بقوة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فيما تعهد هذه المرة، أن تكون مدينته "أكثر عدلا وأمانا وخضرة للجميع".

ويريد خان توسيع برنامج الوجبات المجانية لتشمل تلاميذ المدارس العامة وكان قد التزم بناء 40 ألف وحدة سكن شعبية إضافية. ووعد كذلك باتخاذ إجراءات لضمان عدم وجود مشردين في لندن بحلول العام 2030.

ولا يتمتّع صادق خان بشخصية جذابة لكن ذلك لم يمنعه من أن يصبح عدو الصحافة المحافظة والمحافظين الذين يتولون السلطة في المملكة المتحدة منذ العام 2010.

ويهاجمه معارضوه بسبب الأوضاع الأمنية في العاصمة بلا هوادة، ويحمّلونه المسؤولية عن زيادة عمليات الطعن، وهي حوادث يعزوها صادق خان إلى سياسة التقشف للحكومات المحافظة والتي أدت إلى خفض عديد الشرطة.

كما يتهمونه بتوسيع نطاق الضريبة على المركبات الملوثة للبيئة في لندن الكبرى العام الماضي، والتي قدمها بوريس جونسون في العام 2015. وانتهز المحافظون هذه الفرصة واتهموا صادق خان بعدم الاكتراث بسكان لندن الذين يعانون أزمة غلاء معيشة.

وفي بعض الأحيان، يتمادى البعض في الاتهامات، مثل نائب رئيس الوزراء المحافظ السابق لي أندرسون الذي أكّد في فبراير/شباط أن الإسلاميين "سيطروا" على صادق خان. وقال النائب الذي انضم منذ ذلك الحين إلى حزب الإصلاح البريطاني اليميني المتطرف "لقد أعطى عاصمتنا لأعوانه".

وقبل ذلك بسنوات، في العام 2019، استهدفه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فيما كانت موجة من الهجمات الجهادية تضرب لندن ووصفه بأنه "عار وطني" و"فاشل".

ويجسد رئيس بلدية لندن إحدى قصص نجاح العاصمة الإنكليزية التي تفتخر بتنوعها حيث يحدد 46 في المئة من سكانها أنفسهم بأنهم آسيويون أو سود أو مختلطون أو "آخرون". وهو لا يفوت فرصة للعودة إلى جذوره المتواضعة والتحدث عن صيامه في رمضان وعدم شرب الكحول ومحاولة تأدية صلواته يوميا.

ولد صادق خان في أكتوبر/تشرين الأول 1970 لعائلة باكستانية هاجرت إلى بريطانيا، ونشأ مع أشقائه وشقيقاته الستة في حي توتينغ الشعبي في جنوب لندن. وكان والده سائق حافلة ووالدته خياطة.

وكان يرغب في بادئ الأمر بأن يدرس العلوم لكي يصبح طبيب أسنان، لكن أحد أساتذته لمس براعته في النقاش والمواجهة ووجهه نحو دراسة القانون. وبالتالي، درس المحاماة وتخصص في قضايا حقوق الانسان وترأس على مدى ثلاث سنوات منظمة "ليبرتي" غير الحكومية.

وفي طفولته تعلم الملاكمة حتى يتمكن من التصدي لكل من يتجرأ على نعته بـ"الباكستاني" في الشارع ودرس في مدرسة ثانوية رسمية غير معروفة في الحي الذي كان يقطنه، وفي جامعة نورث لندن. وهو يعرب عن امتنانه لهذا التعليم الرسمي والمجاني.

وفي سن 15 عاما انضم إلى حزب العمال وانتخب عضوا في مجلس بلدية واندسوورث في جنوب لندن عام 1994، المنصب الذي تولاه حتى 2006 وفي 2005 تخلى عن مهنة المحاماة وانتخب نائبا عن توتينغ.

وبعد ثلاث سنوات، عرض عليه غوردن براون منصب وزير مكلف شؤون المجموعات ثم حقيبة النقل في السنة التالية. وأصبح أول مسلم يتولى حقيبة في حكومة بريطانية.

وعندما سأله قصر باكنغهام عن الكتاب المقدس الذي يريد أن يقسم عليه، عرض إحضار مصحفه. وترك صادق خان نسخته في القصر، على أمل أن يستخدمها "خلفه".

وتعرّض المحافظون الذين يتولون السلطة منذ 14 عاما في المملكة المتحدة، لأسوأ انتكاسة لهم منذ 40 عاما في الانتخابات التي دُعي فيها الناخبون للتصويت في انتخابات تشريعية فرعية فاز بها حزب العمال وتزامنت مع اقتراع لتجديد بعض المسؤولين المحليين في إنكلترا وويلز وفي 11 بلدية.

وأظهرت النتائج فوز حزب العمال بأكثر من 180 مقعدا ورئاسة 8 مجالس محلية إضافية، فيما خسر المحافظون نحو 470 مقعدا و10 مجالس محلية على الأقل.

وتعزز المكاسب الكبيرة التي حققتها المعارضة العمالية فرص تولي زعيمها كير ستارمر رئاسة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام.

وقال ستارمر اليوم السبت في مانسفيلد في إيست ميدلاندز حيث احتفل بانتخاب رئيسة البلدية العمالية كلير وارد "اليوم نحتفل ببداية صفحة تُطوى، وهي إحدى الخطوات الأخيرة قبل الانتخابات التشريعية".

ودافع رئيس الوزراء ريشي سوناك الذي يسعى إلى توحيد صفوف المحافظين، من جانبه، السبت عن سياسته، خصوصا تلك المتعلقة بخطته لترحيل المهاجرين إلى رواندا وخفض الضرائب.

وقال إن "حزب العمال لم يفز في الأماكن التي قالوا إنهم سيفوزون فيها" للحصول على الأغلبية عقب الانتخابات التشريعية المقبلة، مؤكداً في مقال نُشر في صحيفة التلغراف إن "المحافظين وحدهم لديهم خطة" للبلاد.

لكن الرياح لم تجر كما يشتهي حزب العمال الذي خسر تأييدا واسعا بسبب موقفه الذي اعتبره البعض مؤيداً لإسرائيل في الحرب بينها وبين حركة حماس في قطاع غزة.

واعتبر المتخصص في أبحاث الرأي جون كيرتس في تحليل لصحيفة "آي" أن الحزب استفاد من "رغبة الناخبين في إلحاق الهزيمة بالمحافظين أكثر من إظهارهم الحماسة تجاهه".

وأضاف "أن هذه النتائج لن تبدد الانطباع الذي تكون منذ فترة طويلة بأن حزب العمال يمضي قدماً للفوز في الانتخابات العامة المقبلة".