طهران تتّهم بايدن بدعم الشغب وتأجيج الاضطرابات

الاحتجاجات تشكل أحد أخطر التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية منذ ثورة عام 1979، إذ امتدت المظاهرات إلى جميع أنحاء البلاد وردد البعض هتاف "الموت لخامنئي"، في إشارة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

باريس – رفضت إيران اليوم الأحد دعم الرئيس الأمريكي جو بايدن للاحتجاجات التي خرجت في شتى أنحاء البلاد عقب وفاة شابة محتجزة لدى الشرطة، وذلك حسبما أفادت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية.

وقال بايدن أمس السبت، معلقا على الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تشهدها إيران منذ أسابيع عقب وفاة مهسا أميني في 16 سبتمبر أيلول، إنه فوجئ بشجاعة الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج.

ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قوله "يوم السبت... تدخل بايدن في شؤون الدولة الإيرانية من خلال دعم الشغب... في الأيام الماضية، حاولت الإدارة الأمريكية باستماتة تأجيج الاضطرابات في إيران تحت ذرائع مختلفة".

وقال ناصر كنعاني إن إيران قوية وصامدة للغاية ولا يمكن أن تستسلم أمام العقوبات الأمريكية "القاسية والتهديدات السخيفة".

وتابع: "لن تفاجئنا تصريحات بايدن ولا تدخلات الأمريكيين، لأن التدخل والعدوان والقتل هي الطبيعة الحقيقية للنظام الأمريكي".

وقال كبير الدبلوماسيين الإيرانيين: "منذ انقلاب آب/أغسطس 1953 وحتى اليوم، نسجل في أذهاننا بشكل جيد سياسات الحكومة الأمريكية المعادية لإيران"، مشيرا إلى إمكانية رؤية  "جرائم وعنف" الولايات المتحدة في كل مكان في العالم.

وقال الكنعاني مخاطبا السياسيين الأمريكيين: "الصيد في المياه العكرة عادتكم".

وأضاف: "لكن ضعوا في اعتباركم أن إيران موطن لرجال ونساء معتزون بأنفسهم. في وطننا الأم، نتحدث معا، سنحاول مداواة جروح إيران الكبيرة والصغيرة، وسندافع عن استقلال بلدنا".

وتشكل الاحتجاجات أحد أخطر التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية منذ ثورة عام 1979، إذ امتدت المظاهرات إلى جميع أنحاء البلاد وردد البعض هتاف "الموت لخامنئي"، في إشارة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

أطلق توقيف مهسا أميني في 13 أيلول/سبتمبر سلسلة أحداث جعلت بعد شهر القيادة الدينية بزعامة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي (83 عاما) تواجه أحد أكبر التحديات منذ الثورة الإسلامية عام 1979، لكن نتيجتها النهائية لا تزال مجهولة.

وفي أحد أوائل أيام فصل الخريف في العاصمة الإيرانية طهران، أوقفت شرطة الأخلاق مهسا أميني التي كانت تبلغ 22 عاما جاءت إلى العاصمة في زيارة عائلية، واقتادتها في شاحنة صغيرة إلى مركز الشرطة.

اعتقال أميني محنة تعيشها سنويا مئات النساء اللائي يتهمن بخرق قواعد لباس المرأة الصارمة التي فرضتها الجمهورية الإسلامية بعيد سقوط نظام الشاه.

لكن بعد أقل من ساعتين من توقيفها ونقلها إلى مركز احتجاز فوزارا، دخلت أميني في غيبوبة. سرعان ما نُقلت إلى مستشفى كسرة حيث أعلنت وفاتها في 16 أيلول/سبتمبر. وتعتقد أسرتها ومحاموها أنها تعرضت لضربة قاتلة في الرأس أثناء توقيفها.

بدأت الاحتجاجات خارج المستشفى في 16 أيلول/سبتمبر بعيد إعلان وفاتها، وتحولت جنازتها في منزلها في محافظة كردستان في 17 أيلول/سبتمبر إلى تظاهرة احتجاجية سرعان ما امتدت إلى أنحاء البلاد.

وبعد مرور شهر، لا تزال القيادة الإيرانية تواجه حركة احتجاج هي الأكثر استمرارية وكسرا للمحظورات وتنوعا في تاريخ الجمهورية الإسلامية، فضلا عن أنها الحركة الأولى التي تقودها النساء.

لا تظهر حركة الاحتجاج التي تفتقر إلى قيادة حتى الآن أي مؤشرات انحسار، مع امتدادها من الشوارع إلى الجامعات والمدارس وحتى مصافي النفط.

لكن النظام مستعد أيضا لاستخدام أدوات قمع تصل إلى استعمال القوة المميتة وقطع الإنترنت والاعتقالات الجماعية.

اتساع رقعة الاحتجاجات في إيران منذ مقتل مهسا أميني الشهر الماضي
اتساع رقعة الاحتجاجات في إيران منذ مقتل مهسا أميني الشهر الماضي

يرى الباحث في منظمة "كارنيغي أوروبا" كورنيليوس أديباهر أن الاحتجاجات الحالية قد تمثل "بداية نهاية الجمهورية الإسلامية"، لكنها تحتاج في سبيل ذلك إلى الاستمرار وإيجاد هيكل قيادي من نوع ما.

ويضيف أن "تحقيق تغيير إيجابي يتطلب أكثر بكثير من مجرد احتجاجات الشوارع المستمرة والدعوات لفرض عقوبات".

جاءت الاحتجاجات في ظلّ استياء شعبي من المصاعب الاقتصادية واتهامات بالفساد سببت تظاهرات منفصلة في الأشهر الماضية.

ووصلت الاحتجاجات إلى العاصمة طهران، وتبريز (شمال)، ومدينتي أصفهان وشيراز التاريخيتين، ومدينة مشهد المقدسة لدى الشيعة والتي يتحدر منها خامنئي، ومحافظات بحر قزوين.

وشهدت إيران موجات احتجاج في السنوات الأخيرة - لا سيما في عام 2009 على خلفية نتائج الانتخابات المتنازع عليها وفي عام 2019 بسبب رفع مفاجئ في أسعار الطاقة - لكن لم يهدد أي منها أسس الجمهورية الإسلامية التي أنشأها آية الله روح الله الخميني عام 1979.

وقال "مركز صوفان" ومقره الولايات المتحدة في دراسة بحثية "بدأت الانتفاضة كرد على القيود المفروضة على لباس المرأة وسلوكها في الأماكن العامة... لكنها تطورت إلى حملة لإطاحة النظام".

الشعارات المناهضة للنظام مثل "الموت للدكتاتور" ليست جديدة في إيران ولكنها لم تستخدم سابقا على هذا النطاق الواسع.

أزالت نساء الحجاب بل وحرقه بعضهنّ، وتم تشويه وإحراق صور لخامنئي ورموز للنظام مثل قائد الحرس الثوري الراحل قاسم سليماني.

وأظهرت مقاطع فيديو متظاهرين يتصدون لقوات الأمن ويقاومون الاعتقال ويحرقون سيارات الشرطة، بل ويقيمون حواجز على الطرق في بعض الأحيان.

أدى مصرع شابات في الاحتجاجات، مثل نيكا شاهكرامي وسارينا إسماعيل زاده وكلاهما تبلغان 16 عاما وتقول عائلاتهما إنهما قتلتا على أيدي قوات الأمن، إلى ظهور رموز احتجاجية جديدة إلى جانب أميني البالغة 22 عاما.

كما فنّدت الاحتجاجات فكرة أن السياسة الإيرانية تنحصر في معركة بين ما يسمى بالعناصر الإصلاحية والمحافظة داخل النظام، كما حولت الاهتمام الدولي بعيدا عن المحادثات مع القادة الإيرانيين بشأن برنامج البلاد النووي.

تقول شادي صدر مديرة منظمة "العدالة من أجل إيران" ومقرها المملكة المتحدة "لقد غير المتظاهرون الخطاب السائد من خلال المطالبة بتغيير حقيقي. إنهم يقولون لا للنظام السياسي بأكمله".

وهي ترى أن الاحتجاجات الحالية "أكبر بكثير من حيث الحجم واستمرت لفترة أطول بكثير" من احتجاجات العام 2019 التي شارك فيها عدد أقل من المدن ومتظاهرون ينتمون أساسا إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا.

ويعتبر الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد رهام الوندي أن "الوقت حان للتفكير في ما بعد الجمهورية الإسلامية"، مؤكدا أن "الإصلاح لم يعد ممكنا".

سوابق "لا تدعو للتفاؤل

لكن على غرار ما حدث عامي 2009 و2019، لجأت السلطات إلى القوة. وتقول منظمة "حقوق الإنسان في إيران" ومقرها أوسلو إن السلطات قتلت أكثر من 110 أشخاص في موجة الاحتجاج على وفاة مهسا أميني في أنحاء إيران.

كما قُتل ما لا يقل عن 90 شخصا في حملة قمع احتجاجات في مدينة زاهدان (جنوب شرق) اندلعت بعد انتشار إشاعات عن اغتصاب مسؤول أمني فتاة قاصرا.

وبحسب "منظمة العفو الدولية"، تتعرض الاحتجاجات إلى "قمع وحشي" باستهداف المتظاهرين بالذخيرة الحية والخرطوش من مسافة قريبة.

واعتُقل عشرات المتظاهرين والمعارضين والنشطاء البارزين والصحافيين والمحامين وحتى الرياضيين خلال الأسابيع الماضية ومعظمهم ما زالوا موقوفين.

بعد انتفاضات "الربيع العربي"، لم ينجح سوى عدد قليل من الانتفاضات المناهضة للحكومات في هزم أنظمة استبدادية في أنحاء العالم.

لا يزال الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب الأهلية التي بدأت بانتفاضة ضد حكمه.

وواجه زعيم بيلاروس ألكسندر لوكاشنكو في عام 2020 احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة في أعقاب الانتخابات التي قال معارضوه إنه تم تزويرها، لكنه ظلّ في السلطة بعد حفاظه على دعم قوات الأمن وروسيا.

ويرى أديباهر أن "الأمثلة من العقد الماضي على محاولات الإطاحة بديكتاتور وحشي... لا تدعو إلى التفاؤل".

ويضيف "بسبب شدّة الشعارات المعادية للنظام التي رددت في هذه المسيرات، فإن النظام الإيراني مصمم على عدم التنازل قيد أنملة".

تضامن مع المحتجين الإيرانيين في مختلف أرجاء العالم
تضامن مع المحتجين الإيرانيين في مختلف أرجاء العالم

فيما يأتي أهم الأحداث منذ وفاة مهسا أميني:

غيبوبة بعد التوقيف

في 15 أيلول/سبتمبر، أفاد ناشطون حقوقيّون بأنّ إيرانية تبلغ 22 عاماً دخلت في غيبوبة بعد يومين من توقيفها في طهران من قبل شرطة الأخلاق، لانتهاكها قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية لا سيما ارتداء الحجاب.

وأكّدت شرطة طهران أن الشابة "تعرّضت لنوبة قلبية".

وطلب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي فتح تحقيق.

في اليوم التالي، توفيت مهسا أميني في المستشفى بعد ثلاثة أيام من دخولها في غيبوبة. وأكد ناشطون أن الضحية تلقّت ضربة على الرأس.

إلّا أنّ شرطة طهران شدّدت في بيان على "عدم حصول احتكاك جسدي" بين الضباط وأميني.

وبث التلفزيون الحكومي صوراً أفاد بأنها تُظهر مهسا وهي تسقط على الأرض داخل قاعة كبيرة مليئة بالنساء بينما كانت تتجادل مع إحدى المسؤولات حول لباسها.

تظاهرات 

دُفنت مهسا أميني في 17 أيلول/سبتمبر في مدينة سقز مسقط رأسها في محافظة كردستان. وخرجت تظاهرة بعد التشييع لكن تمّ تفريقها بالغاز المسيّل للدموع.

عبّرت شخصيات كثيرة عن غضبها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وخرجت تظاهرات جديدة في الأيام التي تلت، خصوصاً في طهران ومشهد.

"نُقلت بصورة متأخّرة إلى المستشفى" 

أكد والد الشابة أمجد أميني في 19 أيلول/سبتمبر أن الفيديو الذي نشرته الشرطة "مجتزأ"، مشيراً إلى أن ابنته "نُقلت بصورة متأخّرة إلى المستشفى".

في 20 أيلول/سبتمبر، انتقد برلماني إيراني في موقف غير معتاد "شرطة الأخلاق" التي "لا تحقّق أي نتيجة سوى إلحاق الضرر بالبلاد".

حجب انستغرام وواتساب

توسّعت التظاهرات ليلاً إلى نحو خمس عشرة مدينة. وأظهرت الصور التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي نساءً يحرقن حجابهن.

في 22 أيلول/سبتمبر، حجبت السلطات الإيرانية الوصول الى انستغرام وواتساب، التطبيقين الأكثر استخداماً في إيران.

وأعلنت واشنطن فرض عقوبات اقتصادية تستهدف شرطة الأخلاق وعدداً من المسؤولين الأمنيين. وكذلك فرضت كندا وبريطانيا عقوبات على مسؤولين إيرانيين.

تظاهرات مضادة

بناء على دعوة السلطات، تظاهر آلاف الأشخاص في 23 أيلول/سبتمبر، دفاعاً عن ارتداء الحجاب.

في 25 أيلول/سبتمبر، دعا الرئيس إبراهيم رئيسي القوات الأمنية إلى الرد "بحزم" على المتظاهرين. وهدد رئيس السلطة القضائية بـ"عدم التساهل".

في 26 أيلول/سبتمبر، أعلنت السلطات أنها أوقفت أكثر من 1200 شخص وصفتهم بأنهم "مثيرو شغب". وأشارت منظمات غير حكومية إلى أنّ من بينهم ناشطين ومحامين وصحافيين. ودعت الأمم المتحدة طهران "إلى ممارسة أكبر قدر من ضبط النفس".

في 28 أيلول/سبتمبر، تقدّمت أسرة مهسا أميني بشكوى ضدّ "المسؤولين عن توقيفها". وأعلنت السلطات توقيف عدد من الأجانب على صلة بالاحتجاجات، بحسب تعبيرها.

خامنئي يتهم أميركا 

اندلعت أحداث عنف في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر بين القوات الأمنية وطلّابٍ في جامعة "شريف" للتكنولوجيا، التي تعدّ الأبرز في المجال العلمي في البلاد. وفي الأسبوع التالي، تظاهرت طالبات وعمدن الى خلع حجابهن وإطلاق هتافات معادية للنظام. واتهم المرشد الأعلى علي خامنئي الولايات المتحدة وإسرائيل و"وكلاءهما" بتأجيج الحركة الاحتجاجية.

تعهّدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة.

أميني توفيت بسبب المرض، وفق السلطات 

أفاد تقرير طبي نشرته الجمهورية الإسلامية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بأنّ وفاة مهسا أميني نجمت عن مرض في المخ ولم يكن سببها التعرّض للضرب.

في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، قامت مجموعة مؤيّدة للاحتجاجات بقرصنة قناة تلفزيونية حكومية وبثت رسالة معادية لخامنئي.

إضرابات 

في العاشر من تشرين الأول/اكتوبر، امتدت الاحتجاجات إلى قطاع النفط، مع إضرابات وتجمعات في مصنع عسلوية للبتروكيميائيات في جنوب غرب البلاد وفي عبدان في الغرب وبوشهر في الجنوب، وفق "منظمة حقوق الإنسان في إيران".

وفي الثاني عشر من الشهر عينه، انضم محامون إلى التحرّك، ورفعوا شعار المتظاهرين "المرأة، الحياة، الحرية" في طهران.

كما اتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 على فرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين ضالعين في أعمال القمع.

حريق وصدامات في السجن 

في 16 تشرين الأول/أكتوبر، بعد يوم آخر من الحراك الاحتجاجي، اندلعت اضطرابات وحريق في سجن إوين في طهران، بينما أفادت حصيلة رسمية عن إصابة ثمانية أشخاص بجروح.

ويشتهر السجن الواقع في شمال طهران بإساءة معاملة السجناء ويضم سجناء سياسيين وأجانب. وأفادت تقارير أن المئات ممن اعتقلوا خلال التظاهرات أودعوا فيه.