فرنسا تسعى لسحب البساط من تحت أقدام تركيا في اتفاق الحبوب

وزير الزراعة الفرنسي يقول إن بلاده تبحث إتاحة طرق برية عبر بولندا أو رومانيا لمرور الصادرات الغذائية من أوكرانيا كبديل لمسار البحر الأسود.
فرنسا تخطط لحرمان تركيا من مكاسب اتفاق صادرات الحبوب الأوكرانية
صراع نفوذ لا يهدأ بين فرنسا وتركيا وسط فتور في العلاقات

باريس - تخطط فرنسا إلى إيجاد بديل لمسار البحر الأسود لصادرات الحبوب الأوكرانية بعد أن علقت روسيا العمل باتفاق الحبوب الذي رعته تركيا والأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي، بينما يذهب التفكير الفرنسي إلى ابعد من مجرد حل ينهي ارتهان العالم لموسكو في أمن وضمان إمدادات الغذاء للعالم، لكن أي بديل لمسار البحر الأسود سيحرم أنقرة من مكاسب سياسية واقتصادية تجنيها من الاتفاق.

ويبدو أن التفكير الفرنسي لا يخلو من حسابات سياسية في إطار التنافس مع تركيا التي كان له دور مهم في نجاح التوصل لاتفاق الحبوب الذي لم يصمد طويلا لكنه خفف إلى حدّ كبير من أزمة غذائية عالمية وشكل في الوقت ذاته نصرا دبلوماسيا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وحاول الفرنسيون منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي النزول بثقل دبلوماسي لوضع حد للحرب واقلها التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين طرفي الحرب: روسيا وأوكرانيا لتمهيد الطريق لتسوية الأزمة بأقل التكاليف الممكنة.

وكان الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون ونظيره التركي من أكثر رؤساء العالم تواصلا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكن أردوغان الذي ترتبط بلاده بعلاقات وثيقة مع كل من روسيا وأوكرانيا، كان الأقرب للكرملين والأكثر تأثيرا خاصة بعد أن رفض الانخراط في حملة العقوبات الغربية على روسيا.

وتشير خطة باريس وفق ما أعلن وزير الزراعة الفرنسي مارك فيسنو اليوم الاثنين، إلى إتاحة طرق برية عبر بولندا أو رومانيا لمرور الصادرات الغذائية من أوكرانيا كبديل لطريق البحر الأسود، بعد انسحاب روسيا من الاتفاق.

وقال فيسنو لإذاعة آر.إم.سي "نتطلع إلى معرفة ما إذا كان بالإمكان، في حالة عدم التمكن من المرور من خلال البحر الأسود، المرور بدلا من ذلك من طرق برية خاصة من خلال دراسة الطرق البرية عبر رومانيا وبولندا"، مضيفا "سنواصل العمل من أجل نظام لا يضعنا رهن رغبة وحسن نية أو في هذه الحالة سوء نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

وعلقت روسيا يوم السبت مشاركتها في اتفاق الحبوب الذي عقد بوساطة الأمم المتحدة وجهود تركية "لأجل غير مسمى"، بعد ما قالت إنه هجوم كبير بطائرات مسيرة أوكرانية على أسطولها في البحر الأسود في منطقة القرم.

ومضت الأمم المتحدة وتركيا وأوكرانيا قدما في تنفيذ اتفاق نقل الحبوب عبر البحر الأسود، إذ تم الاتفاق على خطة حركة تنطلق بموجبها 16 سفينة، على الرغم من انسحاب روسيا من الاتفاق الذي سمح بتصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية إلى الأسواق العالمية.

وقال أوليكسندر كوبراكوف وزير البنية التحتية الأوكراني إن 12 سفينة تحركت من موانئ أوكرانية اليوم الاثنين بموجب مبادرة الحبوب من البحر الأسود، بعد أن قال متحدث من الأمم المتحدة باسم المبادرة، إن فرقا من تركيا والأمم المتحدة استأنفت تفتيش السفن بموجب الاتفاق.

ومن المرجح أن يؤثر قرار روسيا على الشحنات إلى الدول المعتمدة على الاستيراد. وارتفعت أسعار القمح والذرة اليوم الاثنين نتيجة انسحاب روسيا من الاتفاق. وقال فيسنو إنه لن تكون هناك "تداعيات مباشرة" على المستهلكين الفرنسيين.

وتحيل الخطة الفرنسية إلى صراع النفوذ بين فرنسا وتركيا من الشرق الأوسط وإفريقيا وصولا إلى شرق أوروبا، فيما يتواجه البلدان في فضاءات جغرافية بعيدة عن محيطهما ومنها في ليبيا وسوريا ودول افريقية كانت مستعمرات فرنسية.

وتمر العلاقات بين البلدين بحالة فتور بعد توترات شديدة العام الماضي وصلت حد السباب والخروج عن كل الاعراف الدبلوماسية خاصة مع إطلاق الرئيس التركي تصريحات نابية بحق نظيره الفرنسي وتحريضه الفرنسيين (قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها ماكرون) بالتخلص من امانويل ماكرون الذي وصفه بأنه "مريض نفسيا".

وفي تطور اتفاق الحبوب، قالت روسيا الاثنين إنه من "غير المقبول" استمرار حركة الملاحة في ممر أمني في البحر الأسود بعد أن علقت مشاركتها في الذي سمح لأوكرانيا باستئناف صادرات الحبوب.

وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان "حركة السفن على امتداد الممر الأمني أمر غير مقبول لأن القيادة الأوكرانية وقيادة القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم ذلك للقيام بعمليات عسكرية ضد الاتحاد الروسي".

وأضافت "في ظل الظروف الحالية، يتعين ألا تكون هناك أي أسئلة بشأن ضمان أمن أي كيان في الاتجاه المشار إليه حتى يقبل الجانب الأوكراني التزامات إضافية بعدم استخدام هذا الطريق لأغراض عسكرية".

وقالت الوزارة إن روسيا لم تنسحب من الصفقة وإنما علقت العمل بها فحسب، في خطوة أعلنتها موسكو يوم السبت بعد ما قالت إنه هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على أسطولها في البحر الأسود. ولم تذكر الوزارة ما ستفعله روسيا إذا استمرت السفن في الإبحار عبر الطريق.

وقال متحدث باسم الإدارة العسكرية لمنطقة أوديسا صباح الاثنين إن رقما قياسيا بلغ 354500 طن من المنتجات الزراعية غادرت الموانئ الأوكرانية بموجب اتفاق الحبوب على الرغم من إعلان روسيا مطلع الأسبوع.

وقال الكرملين في وقت سابق الاثنين إنه بدون الالتزامات الأمنية الروسية، فإن صفقة الحبوب "بلا جدوى تقريبا وتتخذ طابعا مختلفا أكثر تقلبا وخطورة وتصبح غير مضمونة"، فيما اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والدول الغربية موسكو بأنها "تبتز العالم بالجوع" بالانسحاب من الاتفاقية.