'فضيحة' المبيدات المحظورة تختبر متانة العلاقات الفرنسية الجزائرية

وثائق تظهر استمرار شركات فرنسية في تصدير مبيدات زراعية محظورة بقرار أوروبي بسبب خطورتها على التنوع البيولوجي وأضرارها الصحية والبيئية لعدة دول بينها الجزائر بينما استمرت الأخيرة رغم قرار الحظر في استيرادها.

باريس - تختبر فضيحة جديدة إلى أي مدى يمكن أن تمضي فرنسا والجزائر في تحسين علاقتهما بعد أن دشنا مؤخرا مرحلة جديدة لتسوية قضايا عالقة بعد أشهر من التوترات والفتور.

وتتعلق الفضيحة باستمرار فرنسا في تصدير مبيدات زراعية سامة حظر الاتحاد الأوروبي بيعها ووصفتها الأمم المتحدة بـ"البغيضة" لتأثيراتها البيئية والصحية الخطيرة، لعدد من الدول تتقدمهم الجزائر.

ولا تتعلق بالفضيحة بالجانب الفرنسي لوحده كون نظيره الجزائري يتحمل المسؤولية باعتباره طرفا موردا لتلك المواد رغم التحذيرات من خطورتها ورغم قرار حظرها.

ولا يمكن في الوقت ذاته للجزائر أن تنكر جهلها لخطورة المبيدات الزراعية محل الجدل ولا تبرير الاستمرار في توريدها على الرغم من أنه لم يصدر رسميا ما يفيد بتحرك جزائري لجهة المنع أو لجهة الردّ على ما يمكن بوصفه بـ"الخداع" الفرنسي على فرضية سوء النية إن توفر.

والمفارقة في قضية الحال التي ترقى لمستوى الفضيحة، أن فرنسا كانت أول من بادر بحظر تجارة تلك المواد السامة على أراضيها فيما استمرت بعد نحو عام كامل من قرار حظر بيعها، في تصديرها على نطاق واسع.

وبحسب بيانات صادرة عن جمعية سويسرية تابعة للفرع البريطاني للمنظمة الدولية التي تعنى بالبيئة 'غرين بيس'، فإنه تم في الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني إلى ديسمبر/كانون الأول نقل 7400 طن من تلك المبيدات الزراعية المحظورة فائقة السُمية إلى عدة دول تتصدرها الجزائر والبرازيل.  

المنظمة البيئية تحدثت عن عيوب في التشريع الفرنسي أفضى إلى استمرار تصدير تلك المواد السامة إذ أن قانون الغذاء للعام 2018 يتيح للمصنعين وبشكل قانوني مواصلة تصدير منتجات محظورة.

وتبقى مسؤولية الجانب الجزائري عن دخول تلك المواد شديدة السميّة الحلقة المفقودة في خضم جدل قائم حول مسؤولية فرنسا كجهة مصنعة ومصدرة لتلك المبيدات وتطرح أكثر من نقطة استفهام حول التغاضي الرسمي عنها وما إذا كان له علاقة بالتهدئة الجارية مع الشريك الفرنسي بعد توترات سابقة أرخت بظلالها على علاقات البلدين على مختلف الأصعدة.

كما تسلط هذه القضية الضوء على حالة من الانفلات أو الفوضى المرتبطة بقطاع التوريد في الجزائر وهي حالة قائمة منذ عقود وتثير أسئلة حول حجم الفساد المستشري في الجزائر.

ولا يمكن الجزم بأن السلطة في الجزائر متورطة في مثل هذه القضايا، لكن لا يمكن أيضا استبعادها من تحمل المسؤولية وتبعات المخاطر البيئية والصحية للاستمرار في توريد تلك المواد شديدة السُمية والمحظورة بقرار أوروبي كونها الجهة الناظمة للتوريد والتصدير.

وأفضت العيوب في التشريع الفرنسي إلى استغلال المصنعين للثغرات القانونية القائمة ومنها شركات 'باير' و'بي اي اس اف' و'نوفارم' و'ساين جنتا' للاستمرار في عمليات قبول عشرات الطلبات بضوء أخضر من السلطات الفرنسية لتصدير مبيدات تعتبر تهديدا خطيرا على التنوع البيولوجي ومنها مبيدات قاتلة للنحل.

ووفقا للبيانات سمحت السلطات الفرنسية بتصدير 1300 طن من مبيد الفيناميدون المحظور منذ العام 2018 إلى عدة وجهات بينها الجزائر والمكسيك ومصر والهند، بينما تشير وثيقة أصدرتها Public Eye and Unearthed في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني إلى أنه منذ دخول قرار الحظر حيز التنفيذ، انخفضت طلبات تصدير المبيدات المحظورة من الوجهة الفرنسية بشكل كبير.

لكن في المقابل فإن هذا الانخفاض في الطلبيات من الوجهة الفرنسية لم يكن ليدفع عمالقة صناعات المواد الكيماوية الزراعية للتخلي عن ممارساتهم ووجدوا في الثغرات القانونية حلا للاحتيال على قرار الحظر الفرنسي.