قرار أوبك+ يعزز مصالح دول الخليج ومكاسبها النفطية

الإيرادات النفطية الإضافية التي يمكن أن تتجاوز ألف مليار دولار بحلول عام 2026 وفقا لصندوق النقد الدولي، تشكل وسيلة لقادة الخليج للاستعداد للمستقبل.
خفض أوبك+ الإنتاج يوسع الخلاف بين بايدن والسعودية
دول الخليج غير جاهزة للتخلي عن المكاسب النفطية الضخمة
قرارات أوبك+ ساعدت في احتواء تقلبات أسعار النفط

دبي - يرى محللون أن دول الخليج الغنية بالنفط وخصوصا السعودية، تحاول من خلال دعم أسعار الخام وخفض الإنتاج ألا تخسر اتفاقها في تحالف "اوبك بلاس" مع شريكها الروسي، ولكنّها تسعى أيضا للدفاع عن مصالحها.

وأعلن ممثلو الدول الـ13 الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤهم العشرة الأربعاء خلال اجتماعهم في فيينا خفضا كبيرا في حصص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني.

وأثارت هذه الخطوة غضب الولايات المتحدة وأعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن خيبة أمل من قرار أوبك+ الذي وصفه بأنه "قصير النظر".

ورد وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بالإشارة إلى "الشكوك" التي تحوم حول الاقتصاد العالمي وإمكان حدوث ركود، والحاجة إلى القيام بخطوات استباقية من أجل المحافظة على "استقرار السوق".

وبحسب الخبيرة في مؤسسة "إنرجي انتليجنس" المتخصصة بالطاقة أمينة بكر، فإنّ قرار خفض الإنتاج "يمنح المجموعة مزيدا من الطاقة الاحتياطية التي يمكن استخدامها لاحقا لإعادة التوازن إلى الأسواق".

وأضافت أنه منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ساعدت قرارات الكارتل النفطي في احتواء تقلبات أسعار النفط على عكس أسعار الغاز أو الفحم.

ورغم ارتفاع أسعار النفط منذ بداية الحرب في فبراير/شباط، قاوم الكارتل دعوات الغرب لزيادة الإنتاج، مشيرا إلى محدودية القدرات بسبب نقص الاستثمار الكافي في هذا القطاع في السنوات الأخيرة.

وتنتج معظم الدول الأعضاء بالفعل أقل من الحصص المخصصة لها، وستتحمل التخفيضات المعلنة بشكل أساسي السعودية والإمارات والكويت، على أمل تعويض النقص عبر انتعاش الأسعار في الأشهر المقبلة.

لكن السيطرة على كميات الإنتاج تتطلب الحفاظ على الاتفاق بين الدول المنتجة الرئيسية، ولا سيما روسيا، حتى لو كان ذلك يعني تجاهل مصالح واشنطن، الشريك الرئيسي الآخر لدول الخليج قبل الانتخابات الأميركية النصفية.

وقال جيم كرين من معهد بيكر في جامعة هيوستن بالولايات المتحدة "ربما لا يدعم السعوديون الحرب في أوكرانيا، لكنهم لا يريدون أن يفقدوا التعاون الروسي في السوق".

أمّا الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا كارين يونغ فرأت أن هدف دول الخليج هو الحفاظ على مستوى معين للأسعار وتجنب حدوث انخفاض مفاجئ فيها.

وقد عانت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي جرّاء انهيار الأسعار خلال مرحلة تفشي وباء كوفيد-19، فيما كانت الأسعار قد شهدت كذلك انخفاضا كبيرا قبل ذلك منذ 2014.

ومن المتوقع أن تحقق اقتصادات هذه الدول نموا بنسبة 6.9 بالمئة هذا العام و3.7 بالمئة في عام 2023، وفقا لأحدث توقعات البنك الدولي.

وتشكّل الإيرادات الإضافية التي يمكن أن تتجاوز ألف مليار دولار بحلول عام 2026 وفقا لصندوق النقد الدولي، وسيلة لقادة المنطقة للاستعداد للمستقبل.

وشرحت يونغ أن "عُمان بصدد شراء جزء من ديونها والسعودية تكدّس احتياطيات لدعم مشاريعها التنموية والإمارات تبني مدخرات للاستثمار في الخارج وفي أصول إستراتيجية في المنطقة".

ووفقا لوكالة بلومبرغ المالية، ضخ صندوق الاستثمارات العامة السعودي سبعة مليارات دولار في سوق الأسهم في النصف الثاني من العام الحالي، وحاز أسهما في شركات أميركية رائدة مثل أمازون وبلاك روك.

وترى الدول المنتجة للنفط التي تعتقد أنه جرى تجاهلها في السنوات الأخيرة على خلفية المعركة ضد التغير المناخي، أن أزمة الطاقة فرصة غير متوقعة لإعادة قطاع الهيدروكربونات إلى مجده السابق.

وفي الشهر الماضي، دعا رئيس شركة أرامكو السعودية العملاقة أمين الناصر إلى زيادة الاستثمار العالمي في الوقود الأحفوري، منتقدا خطط تحوّل الطاقة "غير الواقعية"، غير انّه على المدى الطويل، لا مصلحة لدول الخليج في الدفاع عن أسعار مرتفعة للغاية حتى لا تدفع الدول الأخرى نحو تسريع تبني الطاقات البديلة، وهو بحسب جيم كرين "سيناريو مخيف" خصوصا بالنسبة إلى السعودية التي "يمكن أن تنتج النفط لمدة 75 عاما" بالمعدل الحالي.

وقال مسؤولون حكوميون وخبراء في واشنطن والخليج إن قرار مجموعة أوبك+ هذا الأسبوع بخفض إنتاج النفط رغم المعارضة الأميركية الشديدة زاد من الضغوط على العلاقات المتوترة بالفعل بين البيت الأبيض في عهد الرئيس جو بايدن وقيادة السعودية، التي كانت يوما أحد أقوى حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.

وقالت المصادر التي يزيد عددها على عشرة في مقابلات مع رويترز إن البيت الأبيض ضغط بشدة لمنع أوبك من خفض الإنتاج. ويأمل بايدن في الحيلولة دون ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة مرة أخرى قبل انتخابات التجديد النصفي التي يكافح فيها حزبه الديمقراطي للحفاظ على أغلبيته في الكونغرس. كما تريد واشنطن الحد من عوائد الطاقة الروسية في أثناء الحرب في أوكرانيا.

ومارست الإدارة الأميركية ضغوطا على أوبك+ لأسابيع. وفي الأيام الأخيرة، حث مسؤولون أميركيون كبار في قطاعات الطاقة والسياسة الخارجية والاقتصاد نظراءهم في الخارج على التصويت ضد خفض الإنتاج، وفقا لمصدرين مطلعين على المناقشات.

بايدن فشل خلال قمة جدة في اقناع المملكة برفع انتاج النفط
بايدن فشل خلال قمة جدة في اقناع المملكة برفع انتاج النفط

وسافر آموس هوكشتاين كبير مبعوثي بايدن لشؤون الطاقة، برفقة مسؤول الأمن القومي بريت ماكجورك والمبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج، إلى السعودية الشهر الماضي لمناقشة قضايا الطاقة، ومن بينها قرار أوبك بلاس، لكنهم أخفقوا في منع خفض الإنتاج، تماما مثلما حدث مع بايدن بعد زيارته للمملكة في يوليو/تموز.

وقال مصدر مطلع على المناقشات إن المسؤولين الأميركيين "حاولوا تصوير الأمر على أنه نحن مقابل روسيا" وإنهم أبلغوا نظراءهم السعوديين بأنه ينبغي لهم الاختيار.

وأضاف أن هذه الطريقة باءت بالفشل، مشيرا إلى أن السعوديين ردوا بأنه إذا أرادت الولايات المتحدة مزيدا من النفط في الأسواق، فعليها أن تبدأ في زيادة إنتاجها.

والولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم وأيضا أكبر مستهلك للخام، وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان للتلفزيون السعودي يوم الأربعاء "أولا وأخيرا يهمنا مصالح المملكة العربية السعودية ثم مصالح الدول التي وثقت بنا وكانت ولا تزال أعضاء في أوبك وتجمع أوبك بلاس".

وأضاف أن أوبك ترعى مصالحها "ومصالح العالم لأن لدينا مصلحة في دعم تنمية الاقتصاد العالمي وتوفير الطاقة بطريقة مثلى".

وأثار تعامل واشنطن مع قضية الاتفاق النووي الإيراني وتوقفها عن دعم العمليات العسكرية الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن غضب المسؤولين السعوديين، بجانب الإجراءات الأميركية ضد روسيا بعد غزوها أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وقال الأمير عبدالعزيز لشبكة بلومبرغ بعد قرار أوبك إن الضغط الأميركي من أجل فرض سقف لأسعار النفط الروسي يثير حالة من الضبابية بسبب "نقص التفاصيل وعدم الوضوح" حول كيفية تنفيذه.

وقال مصدر أطلعه مسؤولون سعوديون على الأمر إن المملكة تعتبر ذلك "آلية تسعير لا تحكمها السوق يمكن أن يستخدمها تحالف المستهلكين ضد المنتجين".

وأدى بيع 180 مليون برميل من النفط من الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي بتوجيه من بايدن في مارس/آذار إلى الضغط على أسعار النفط. وقالت أوبك+ إنها ستتوقف عن استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية وهي هيئة مراقبة نفطية غربية، بسبب مخاوف أطراف على رأسها السعودية من أن يكون للولايات المتحدة نفوذ أكبر من اللازم عليها.

وأمس الخميس، وصف بايدن القرار السعودي بأنه "محبط"، مضيفا أن واشنطن قد تتخذ المزيد من الإجراءات في سوق النفط.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيير يوم الأربعاء "من الواضح أن أوبك+ تنحاز إلى روسيا". ولم توضح كيف سيؤثر خفض الإنتاج على العلاقات الأميركية السعودية.

وفي الكونغرس الأميركي، دعا الديمقراطيون الذين ينتمي إليهم بايدن إلى انسحاب القوات الأميركية من السعودية وتحدثوا عن استعادة أسلحة.

وبعد أسابيع من تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة، أصدرت واشنطن تقريرا يربط بين مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018 وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو ما نفاه الأمير محمد وكبار المسؤولين في المملكة.

وأصبح الأمير محمد رئيسا للوزراء الشهر الماضي، وهو وضع يجادل محاموه أمام محكمة أميركية بأنه يمنحه حصانة من الملاحقة القضائية في مقتل خاشقجي والذي نفى اي صلة به لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية باعتبار أن الجريمة حدثت وهو في موقع المسؤولية.

وقال بِن كاهيل وهو زميل كبير في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إن السعوديين يأملون في أن تمكن التخفيضات مجموعة أوبك+ من السيطرة على أسعار النفط وتضمن عائدات نفطية كافية لحماية بلادهم من الركود.

وأضاف كاهيل "مخاطر الاقتصاد الكلي تزداد سوء باستمرار، لذا يتعين عليهم الرد. إنهم يدركون أن التخفيضات ستُغضب واشنطن، لكنهم يديرون السوق".