قضية 'اسكوبار الصحراء' تظهر حزما مغربيا في محاربة الفساد

حزب العدالة والتنمية الإسلامي يوظف قضية تورط منتخبين من حزب الأصالة والمعاصرة، سياسيا بحثا عن العودة للمشهد بينما لم يكن بعض من أعضائه بمنأى عن شبهات فساد.

الرباط - أظهرت ملاحقة السلطات المغربية سياسيين بارزين في قضية تجارة وتهريب مخدرات المعروفة إعلاميا باسم 'اسكوبار الصحراء'، حزما مغربيا في مكافحة الفساد والمحاسبة القضائية لكل من يثبت تورطه في مثل هذه الجرائم أيا كان منصبه.

وهز اعتقال مسؤولين منتخبين اثنين بارزين على ذمة التحقيق في قضية تهريب دولي للمخدرات الأوساط السياسية في المغرب وأحيا النقاش حول معضلة الفساد والكسب غير المشروع، لكن القضية كشفت كذلك أن لا أحد فوق القانون وأن الرباط التي باتت تحظى بثقة دولية عالية في مكافحة الفساد المالي وجرائم غسل الأموال، لن تتهاون في التصدي لمثل هذه الجرائم.

وفي آخر تطورات هذا الملف المثير للجدل، استجوب قاضي تحقيق في جلسة مغلقة بمحكمة بالدار البيضاء متهمين في القضية التي يلاحق فيها 25 شخصا، 20 منهم معتقلون منذ 22 ديسمبر/كانون الأول وهما رئيس مجلس جهة الشرق عبدالنبي بعيوي، إحدى جهات المغرب الاثنتي عشرة، ورئيس المجلس الإقليمي للدار البيضاء، أكبر مدن المملكة، سعيد الناصري.

ويشتبه في اقترافهما جرائم أبرزها "المشاركة في اتفاق قصد مسك المخدرات والاتجار فيها ونقلها وتصديرها ومحاولة تصديرها" و"الإرشاء"، وفق النيابة العامة.

ولم يسبق أن لوحق مسؤولان منتخبان في مستوى بعيوي (52 عاما) والناصري (54 عاما) في قضية مخدرات وهما رجلا أعمال، فضلا عن كون الناصري رئيسا لنادي الوداد البيضاوي لكرة القدم منذ العام 2014، أحد أكبر أندية إفريقيا.

وبحسب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد غلوسي "تؤشر هذه الاتهامات إلى خطورة المنحى الذي اتخذه الفساد في بلادنا فبعدما كنا نتحدث عن اختلاس أو تزوير أصبحنا بصدد شبهات تهريب مخدرات".

ووفق النيابة العامة، تستند هذه الملاحقة التي تحظى باهتمام واسع في المملكة، على ما كشفته تحقيقات الشرطة من "ارتباط" المشتبه بهم مع مواطن مالي يدعى الحاج أحمد بنبراهيم، وهو مسجون في المغرب بعد حكم بالسجن عشرة أعوام في قضية تهريب دولي للمخدرات.

واعتقل هذا الأخير الذي لقبته الصحف المحلية "باسكوبار الصحراء" لدى وصوله إلى المغرب في العام 2019 على خلفية حجز الشرطة كمية قياسية من مخدر الحشيشة (40 طنا) في العام 2015 في شاحنات تعود ملكيتها له، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن التحقيقات الأولية للشرطة.

ويعد المغرب من أبرز منتجي القنب الهندي في العالم. وبدأت زراعته قانونيا لاستعمالات طبية وصناعية بشكل تدريجي العام الماضي. وأحبطت الشرطة تهريب أكثر من 80 طنا من الحشيشة خلال العام 2023.

وتشتبه السلطات الأمنية في أن بعيوي والناصري متورطان في شبكة التهريب التي أدين بنبراهيم بتسييرها لسنوات طويلة ولها امتدادات في الجزائر والنيجر وليبيا ومصر، وفق ما تسرب من التحقيقات الأولية، فيما لم يدل دفاع المشتبه بهم بعد بأي تصريحات حول هذه الشبهات.

وينتسب بعيوي والناصري لحزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الائتلاف الحكومي والذي أسسه فؤاد عالي الهمة في العام 2008 لمواجهة الإسلاميين، قبل أن يغادره في العام 2011.

وأعلن الحزب تجميد عضويتيهما بعد بدء التحقيق معهما "لعدم التشويش على مسار البحث"، مؤكدا ثقته في "مهنية وحيادية المؤسسة الأمنية واستقلالية السلطة القضائية".

لكن غريمه حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي تولى رئاسة الحكومة بين 2011 و2021، اعتبر أن هذه القضية "تؤكد المخاوف التي سبق أن عبّر عنها ونبّه فيها إلى المحاولات الجارية من أجل السطو على مؤسسات الدولة من طرف بعض مافيات الفساد وتجار المخدرات".

إلا أن الحزب الإسلامي ذاته الذي أدار السلطة لعقدين قبل أن يخرج منها بهزيمة مذلة في آخر انتخابات تشريعية، لا يبدو هو نفسه بمنأى عن الفساد فقد حامت شبهات حول بعض أعضائه في السابق بينما تمت ملاحقة أحد أعضائه في قضية أخلاقية.

إلا أن الحزب المحسوب على تيار الإخوان المسلمين استغل هذه القضية واستثمرها سياسيا بينما يبحث عن منافذ للعودة للمشهد السياسي تحت غطاء الأخلاق والعفة والنزاهة.

وفي انتظار أن يكشف التحقيق القضائي عن تفاصيل الملف، يثير الموضوع تعليقات وتساؤلات حول ظاهرة الفساد، خصوصا أنه يأتي بعد ملاحقة مسؤولين آخرين منتخبين في قضايا ارتشاء خلال الفترة الأخيرة.

وبعض هؤلاء الملاحقون معتقلون مثل النائب ووزير الوظيفة العمومية السابق محمد مبدع (69 عاما) الموقوف منذ أبريل/نيسان على ذمة التحقيق في قضية تلقي رشى.

وفي ملف آخر ذكرت وسائل إعلام محلية هذا الأسبوع أن القضاء أمر بحجز ممتلكات محمد السيمو، النائب عن حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرأس الحكومة، على ذمة التحقيق في شبهات فساد، فيما أدين زميله في الحزب نفسه النائب رشيد الفايق في يونيو/حزيران بالسجن 8 أعوام بتهمة ارتشاء.

وتبنت المملكة المغربية في العام 2015 إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وتستمر في تحسين الأداء على مستوى التصدي لهذه الظاهرة باعتماد إجراءات مغلظة بحق من تثبت إدانته.

وفي أغسطس/اب الماضي جدد العاهل المغربي الملك محمد السادس، تأكيده على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، في إشارة قوية من أعلى السلطة في المملكة أن جهود محاربة الفساد ستمضي إلى أبعد الحدود.

وشدد كذلك في خطابه بمناسبة ذكرى عيد العرش على الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية وعلى أهمية اختيار الكفاءات المؤهلة وتغليب المصالح الوطنية العليا، بينما شكل خطابه توجيها للسياسات العامة للدولة.

وكان خطاب الملك محمد السادس بمثابة إنذار وتحذير للأوساط الإدارية والسياسية والاقتصادية التي تحوم حولها شبهات فساد إداري ومالي، بينما دشن المغرب فصلا من المتابعات القضائية بحق عدد من السياسيين وعزل رؤساء جماعات بسبب اختلالات مالية وإدارية أو تقصير في المسؤولية.