كيف ألقت كارثة الزلزال بظلالها على ملف التقارب التركي السوري

عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد الزلزال وفرت لاردوغان فرصة لعدم مس الملف الحساس في مرحلة الانتخابات الحساسة.

جاءت كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا بالعديد من المواضيع المتصلة بالشق السياسي فيما يخص علاقات سوريا مع محيطها الإقليمي والدولي، حيث قدم اتصال السيسي بالأسد وزيارة وزير الخارجية الأردني الى دمشق بعد 12 عاما من الغياب، وزيادة التمثيل الدبلوماسي لتونس وهبوط طائرة سعودية في مطار دمشق لأول مرة منذ بداية الثورة السورية، وزيارة الأسد الأخيرة الى مسقط، مؤشرات توحي بأن النظام السوري قد استفاد من الكارثة للخروج العزلة العربية فيما بقي باب الدوحة موصدا الى اشعار آخر.

وبالحديث عن العلاقات السورية التركية يبدو أن الزلزال لم يكتف فقط بتحريك الأرض بضعة أمتار بل أيضا بتأجيل اللقاء التي كان من المزمع أن ينعقد بين وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد في منتصف الشهر الحالي، بعد أن أجبر الزلزال الآلاف من اللاجئين السوريين على مغادرة تركيا، وهو ما تبحث عنه أنقرة من خلال رغبتها فتح قنوات اتصال مع دمشق ولقاء المقداد. فالعودة الطوعية للاجئين ستحقق المطلوب وستعفي انقرة من التودد الى نظام الأسد الذي يمانع في لقاء أردوغان ويتهرب من ذلك متحججا بمسألة احتلال الأراضي كشرط أساسي للتفاوض مع تركيا، ولكن وفي حقيقة الأمر فان النظام السوري لا يرغب في عودة اللاجئين في الوقت الحالي لاعتبارات أمنية واقتصادية ولا يرغب في تقديم خدمة مجانية لأردوغان.

لم تتوقع تركيا قبل الزلزال هذه العودة الطواعية الكبيرة للاجئين السوريين خلال الأيام القليلة الماضية حيث بلغ عددهم أكثر من عشرين ألفا وهو في تزايد مستمر، ولم تتوقع أيضا أن تجبر الأمم المتحدة الجانب السوري بفتح معبرين إضافيين لتلقي المساعدات ومنها عبور آلاف السوريين الى بلادهم، وهي خدمة قدمتها الكارثة الطبيعية من دون ان تتدخل فيها السياسة، بل انها حققت أحد الأهداف الأساسية من الرغبة في التقارب النظام السوري ولم يعد مهما رأي دمشق في مسألة اللاجئين ما دام السواد الأعظم من اللاجئين يغادر طواعية ومن المتوقع أن تستمر مغادرتهم تحت وطأة مخلفات الزلزال الاقتصادية التي ستزيد من معاناتهم.

من المنطقي أن يقوم النظام التركي بوضع الملف السوري جانبا بعد أن خلط الزلزال الحسابات السياسية لأردوغان وأصبح لزاما عليه الآن أن يهتم بالشأن الداخلي أكثر من الشأن الخارجي خاصة وأنه على بعد أقل من 3 أشهر من الانتخابات الرئاسية لذا سيتم تأجيل ملفات السياسة الخارجية الكبرى ريثما يتم التعامل مع الكارثة الاقتصادية التي أثقلت كاهل تركيا اقتصاديا ولم تكن في الحسبان، ولكنها في نفس الوقت فرصة مناسبة لأردوغان لتوظيفها في حملته الانتخابية من شأنها أن تأخذ الحيز الكامل فيها وأن تنسي الاتراك فشله في ادارة ملف اللاجئين السوريين الذي يبقى ملفا عالقا لعقد كامل.

ربما لن يكون النظام السوري مجبرا اعادة تقدير الموقف في ملف التقارب مع تركيا بعد كارثة الزلزال خاصة وأنه حقق مكسبا استراتيجيا بعد موجة التعاطف العربي وتقارب الأنظمة العربية نحوه. كما أن الأسد يبدو في وضع مريح نسبيا بعد تعليق قانون قيصر بشكل مؤقت مما سمح بتدفق المزيد من المساعدات والأموال وهي جرعة أوكسيجين هامة لنظامه. لكنه وفي نفس الوقت فوت فرصة كبيرة لابتزاز تركيا بموضوع المعارضة والقضاء على آخر ما تبقى منها في تركيا، بعد أن أصبحت عودة اللاجئين الطواعية لا تستدعي أي تفاوض وأية تنازلات من الجانب التركي وبعد أن أصبحت تركيا مهتمة أكثر بالشأن الداخلي ولا تضع في أجندتها الملف السوري كأولوية بعد أن أتت أولوية الزلزال.

لقد ألغى الزلزال كل التوقعات والحسابات السياسية بعد أن ألقى بظلاله على مسألة التقارب السوري التركي ولكن وحتى وان حققت أنقرة مكسبا من خلال فتح المعابر ومرور الآلاف من اللاجئين الا أن المسألة الأمنية تدفعها مكرهة للتقرب من الأسد في وقت لاحق.