لماذا أزعجت إجراءات رقابة المحتوى الإلكتروني النهضة؟

حركة النهضة تندد بشدة بما أسمته "تعقّب أصحاب الرأي الحرّ والمُعارض في كل مكان بما في ذلك الفضاء الافتراضي"، فيما وصفت جبهة الخلاص الوطني القرار بـ"سابقة غير معهودة".

تونس - نددت حركة النهضة الإسلامية بقرار السلطات التونسية المتعلّق بشن حملة لتعقّب أصحاب الصفحات والمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي المتورطة في ترويج الإشاعات والمساس بمصالح الدولة واستثمار الأوضاع الاجتماعية لإثارة البلبلة في مخطط واضح لاستهداف المسار الحالي، فيما تذهب بعض القراءات في تفسير غضب النهضة إلى أن الإجراء الجديد من شأنه أن يكبح انفلات ما يسميه خصومها بـ"الذباب الأزرق" على منصات التواصل ويطوق المعلومات المضلّلة أو تلك التحريضية.

وذكرت النهضة في بيان نشرته على صفحتها بموقع "فيسبوك" الجمعة عقب اجتماع مكتبها التنفيذي أن "وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال لم تجد من عمل سوى تعقّب أصحاب الرأي الحرّ والمُعارض في كل مكان، بما في ذلك الفضاء الافتراضي".

وتابعت "لو كانت جادة في ضبط الفضاء الافتراضي لبدأت بالصفحات الكبرى والمعلومة المناصرة لمسار 25 جويلية والتي استباحت أعراض المعارضين السياسيّين ولم يسلم من تجاوزاتهم الفاضحة القضاة والاعلاميون والنقابيون والمدونون وغيرهم".

ونددت بما "يتعرّض له المعتقلون السياسيون في معتقلاتهم من تضييق وتنكيل وإهمال صحّي"، داعية المنظمات الحقوقية إلى "تحمّل مسؤوليّاتها في الدفاع عن ضحايا القمع والاضطهاد من السياسيين والاعلاميين والنقابيين والناشطين الذين يتهدد الموت بعضهم".

وكانت وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال قد أعلنت منذ يومين عن "إثارة التتبعات الجزائية للكشف عن هويّة أصحاب ومستغلي الصفحات والحسابات والمجموعات الإلكترونية التي تعمد إلى استغلال هذه المنصّات لإنتاج وترويج أو نشر وإرسال أو إعداد أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة أو نسبة أمور غير حقيقيّة بهدف التشهير وتشويه السمعة أو الإدعاء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام والسلم الإجتماعي والمساس بمصالح الدولة التونسيّة والسعي الى تشويه رموزها".

ويفسّر الإجراء الجديد بانتشار حالة من الفوضى على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تفشي الإشاعات والأخبار المضللة التي تسبب بعضها في بعض الحالات في إثارة البلبلة، فيما نشطت صفحات وحسابات ومجموعات محسوبة على مناهضي مسار 25 يوليو/تموز في إنجاز المهمة.

وحذّر مراقبون في العديد من المناسبات من مساعي الصفحات التي توصف بـ"المشبوهة" لإثارة الاحتقان في صفوف التونسيين، عبر بث البيانات الزائفة وتشويه الأشخاص وإطلاق إشاعات تتضمن مساسا بأمن البلاد، في محاولة لاستغلال الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

ويهدف الإجراء الجديد إلى وضع حد لما اُعتبر "انفلاتا" على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن نشطت خلال المدة الأخيرة صفحات أغلبها محسوب على منظومة العشرية السابقة، من خلال نشر مزاعم بأن البلاد باتت عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها المالية، فيما سعى بعضها إلى التحريض على السلطة القائمة.

واتهمت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس التي تمثل الواجهة السياسية لحركة النهضة السلطة الحاكمة بـ"محاولة يائسة لإخراس أصوات" المنتقدين لأدائها.

ووصفت بيان وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال بأنه "سابقة غير معهودة"، لافتة إلى أنه "يأتي على إثر اجتماع الرئيس قيس سعيد بكل من وزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال ومديري الأمن والحرس الوطنيين ومستشاره للأمن القومي".
واعتبرت أن "البيان يرتقي إلى مستوى إعلان الحرب على حرية الكلمة والتعبير في محاولة يائسة لإخراس أصوات المدونين الناقدين لأداء السلطة والمعبرين عن تنامي التذمر الشعبي في وجه الأزمة المالية والاجتماعية المحتدمة".
وحثت الجبهة "كل القوى الحية في البلاد للدفاع عن الحريات العامة والفردية وإنقاذ تونس من خطر التفكك والانهيار وفتح الطريق للإصلاح يؤمن لها الاستقرار والنهوض الاقتصادي والاجتماعي".

واشتكى عدد من قيادات النهضة التي انسحبت من الحركة إثر معارضتهم لسياسات زعيمها راشد الغنوشي من تعرضهم لحملات تشويه من طرف صفحات محسوبة على الحركة.

وكان عماد الحمامي الناشط السياسي والقيادي السابق في حركة النهضة قال في تصريح أدلى به في العام 2022 على قناة "التاسعة" إن "زعيم الحركة راشد الغنوشي استعمل الذباب الأزرق للطعن في ذمته بعد انسحابه من الحركة"، مضيفا أنه "يوظفه للتشويش على نزاهة أي عضو من حركة النهضة اختار بلاده بعد سنوات من الصبر والالتزام بواجب التحفظ".

وكان عبدالفتاح التاغوتي مدير المكتب الإعلامي لحركة النهضة قد خضع في مارس/آذار الماضي أمام التحقيق في قضية تتصل باستخدام صفحات مشبوهة للتحريض على مؤسسات الدولة.

ويحقق القضاء التونسي منذ مدة في قضية شركة "انستالينغو" المختصة في صناعة المحتوى والاتصال الرقمي، فيما شملت أبحاثها العديد من الصحفيين والمسؤولين السابقين وقيادات حزبية وسياسية  من بينهم 12 متهما مودعين بالسجن.

ووجهت لعدد من المتهمين تهم تتعلق بـ"الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة" و"ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة"، و"الاعتداء على أمن الدولة الخارجي بمحاولة المس من سلامة التراب التونسي".

وأصدرت المحكمة الابتدائية بمحافظة سوسة في مايو/أيار الماضي بطاقة إيداع بالسجن بحق رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في قضية "انستالينغو"، نافيا أي علاقة له بالملف الذي وصفه "مزيف" و"مفبرك".  

وفي سياق متصل قالت وزارة الخارجية التونسية اليوم السبت إنها تتعرض "لهجمات مشبوهة وحملات مغرضة تستهدف عددا من بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية على مواقع التواصل الاجتماعي".
وقالت في  بيان نشرته عبر حسابها الرسمي في فيسبوك إنها "لن تسمح لأن تكون هذه المواقع المفتوحة ساحة للإساءة إلى رموز الدولة ومسؤولي الوزارة وموظفيها".
وأكدت أن "كل من يعمد إلى فعل ذلك، يضع نفسه تحت طائلة القانون والتتبعات الجزائية".
وشددت على أنها "ستتخذ كل الإجراءات القانونية للكشف عن هويات أصحاب هذه العناوين الإلكترونية بهدف تتبعهم أمام القضاء".
ولم تذكر الخارجية في بيانها فحوى هذه الهجمات والحملات، لكن في الآونة الأخيرة، روجت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، أنباء تفيد بوجود محادثات دبلوماسية مع إسرائيل من أجل التطبيع بين الطرفين، وهو ما نفته الحكومة التونسية في أكثر من مناسبة.