لوسي مقصود تشكل مسحة جمالية تتواءم مع رؤى وأفكار متلقيها

أستاذة في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة حلب،ترسم فضاء مخصوصاً بها، منه تطل لتعلن عن عبقه، وعليه تخط أشكالها المختلفة لتلفت انتباهنا إلى كيفية نسجها لذلك، أو لإيقاظ ما فينا من هواجس جميلة بها نتجاوز إلى ما يشغل فضاءها.

كلمات للفنانة التشكيلية لوسي مقصود (حلب - 1970)، الأستاذة في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة حلب، والمدرسة في مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية بحلب، كلمات فيها من التحفيز الشيء الكثير، التحفيز على قراءتها، والتحفيز على دفعك إلى معرفتها على نحو أقرب وأكثر، ولك اختيار الطريق، ها هي ألوانها، والتي سنحاول قراءتها هنا، وهي كافية لتمد لنا الجسور لندخل إلى عوالمها التي تضج بها وبإنفعالاتها.

وما علينا إلا أن نمارس قراءتنا علها توصلنا إلى نتائج استكشافية غير مؤقتة ستساهم في تمثيل وجهة اهتمامنا بها، فألوانها جواز سفرها ستمنحك كل المعلومات المطلوبة عنها، من زمرة فنها، إلى الاتجاهات التي تمضي فيها، مروراً بكم هائل من مشاعرها وأحاسيسها التي سترويها لك بإنفعالات هادئة، وفي مقابل ذلك فهي لا تهمل طموحها من أجل إنشاء أسلوب جديد خاص بها، وتبذل جهداً غير قليل لتحقيقه، ولهذا تراها تغرق في التجريب وجمالياته علها تخرج على سطوحها العديد من تأثيرات هذا العالم، إن كانت من خلال موضوعاتها وعرضها، أو من خلال التركيز على البيانات الكمية والضبط التجريبي، وكأنها تنضم إلى كل من فكّر بوضع الأسس الجديدة للجماليات، ضمن المتعاليات الفنية التي تدخل في نسيج العمل الفني، وتقوم بعمليات الاختزال له، وقد تقوم بدور المحرض لدلالاته الكامنة فيه، فاتحة بذلك أفقاً للقراءة يتقاطع فيه عالمها، وعالم مشهدها الفني، وعالم القارىء/المتلقي، وهذا يضيء العتمات، ويسهم في خلق مرايا متعددة تتلاقى في فضاءاتها العديد من العلامات ذات مكون دلالي، وآخر توليدي تؤدي كل منها دوراً وظيفياً في بناء مشهدها البصري بمختلف مشاربه، وإستعادة أنفسنا لذاتها، ونظرة الآخرين إليها أيضاً، فهي إنسانة ومبدعة من طراز خاص، تنخرط في عالم الإنسان بما هو إنسان في كل مكان، يحق لها الافتخار، يكفيها أنها تجبر متلقيها على إعادة قراءتها مرات ومرات، وتدفعه إلى التساؤل عما يضيف ثراءه وانفتاحه وقدرته على العثور عما يشفي ظمأه كمتلق، وعما يضيف ثراءها على مستوى الأسلوب والرؤى كمبدعة، وهذا يساهم في تغيير مستحقات الفعل الإبداعي لديها.

 لوسي مقصود ترسم فضاء مخصوصاً بها، منه تطل لتعلن عن عبقه، وعليه تخط أشكالها المختلفة لتلفت انتباهنا إلى كيفية نسجها لذلك، أو لإيقاظ ما فينا من هواجس جميلة بها نتجاوز إلى ما يشغل فضاءها، فهي قادرة على إشعاله بمعارفها وأحاسيسها وحكمتها، ونعيد نحن قراءتها باعتبارها تعزز التعبير وتؤكد عليه في مشهدها موظفة كل ذلك في خطابها، فهي تجد أن تحقيق كل ذلك مرهون بانعتاقها ورفضها للقيود البعيدة عن النور الأصيل، وهذا ما ترمي إليه في كثير من أعمالها، أو في نسجها لشخوصها، ونستطيع أن نستخلص دلالات كثيرة منها وما تلمح إليها، فهي تشير كثيراً بأن كل ما في البيئة من أشجار وأسماك وطيور هي اقتراحات من السموات يجدر تأملها والتفكير فيها، وهي قابلة للتشكيل، وهنا تبدأ لوسي بالبحث عما هو ممكن أن يحيط بتلك الأشكال، وما هي النغمات الجميلة والممتعة لها بصرياً وسمعياً ولمسياً، وتربط كل ذلك فيما بينها دون حشو أو زوائد، فهي قادرة على استيعابها وذلك بتفجير ينابيع خيالها بالغزارة التي تستحق وبالتي ترغب بها هي، ومن المهم أن تكرس خبرتها على نحو مدروس وموجه، كأن تتعامل مع الجماليات عامة والفنون خاصة، ويظهر ذلك من خلال نشاطاتها التي تسودها المتعة، ويغلب عليها الخيال، ومن المهم أن نشير بأنها لم تتحرر من التمركز حول ذاتها، وإن كانت تأخذ وجهات النظر الأخرى في اعتبارها، وقد يكون ذلك لها، أقصد تسجل لها، وهذا ما يساعدها في توليد عمليات تفاعلية خصبة، ستتجلى في سلسلة من الأشكال الجديدة المتسمة بالمرونة والتنوع وإن بسيطرة أساليب متتابعة تزدهر وترتقي بدرجة كبيرة خلال تمكنها من اكتساب قواعد جديدة للتفكير بالتكوينات اللونية وما تنبثق منها نغمات وحركات معتمدة على التعاقب، وهذه خاصية مرتبطة بلغتها هي وبذلك النشاط الذهني التي تستهلكه بتأثير من الإدراك مباشرة، أو من التخيل والإدراك غير المباشر، فحضور المثير الفعلي بآثاره ورموزه يجعلها تبذل جهداً تركيبياً حتى تدرك الزمان المتعاقب بإيقاعها الخاص.

إذا كان المثير الجمالي هو الحافز الأهم لإكتشاف الجوانب المميزة من العمل الفني، مألوفة كانت أو غير مألوفة، بسيطة كانت أو مركبة، فهو الذي يزيد من متعة قراءتنا للعمل، وهو الذي يوصلنا إلى ذروى الحالة التي ستتوزع عبر الزمن والتي ستترك أثر التشبع، وهذه ليست حيرة معرفية بقدر ما هي حيرة فنية، ولوسي مقصود تدرك ذلك، كما تدرك ضرورة الوعي بأن العمل الفني يملك أكثر من وجهة جديدة تتلاءم مع حاجات الفنان الفردية، وإن كانت غير ذلك للمتلقي الذي له مساراته الخاصة والمتعددة في مقارباته، وقد يذهب المتلقي في اهتماماته، وفي علاقاته التفاعلية إلى صياغات متخيلة على نحو كبير، فلا رهان هنا، ولا تحدي، فالكل في حالة التضافر، الحالة التي بها يتجاوزون كل ما يشغلهم، ليستعيدوا ما يشفي ظمأهم المعرفي والجمالي.

 إذا كانت لوسي مقصود التي في قلبها تاريخاً مليئاً بالأحلام،على مسافة شبه معدومة من شخوصها، وتظهر الكثير من الطاعة لها وتهفو لهم، وتعقد حلفها الإنساني معهم، تقبض على أحاسيسهم من عمقها، وتمزجها بأحاسيسها هي، وتجسدها معاً في بوتقة ألوانها، لتغنيها بكبرياء وشموخ وكأنها في تحد مع تلك القوى المضادة وما تحمله من الزاد المر لزمن أمر، فهي على مسافة قريبة من متلقيها وتجاور حريته وما ينفض عنها، فهي تعرض وساطة معه فصولها حكايات شخوصها إن كانت في فترة حرجة أو في فترة منفرجة، وهي حكايات ذات بناء غير دائري والمتلقي هو الذي سيربط بينها من جانب تقاطعها في الزمان الواحد، أو في المكان المشترك، والمتلقي هنا يمكنه أن يبني عالم اللوحة الذي هو عالمه كقارىء واع وفاعل، فثمة مصداقية هنا تكسب المشهد شيئاً من الموضوعية، ولعل تلك الملامح التائهة هي التي تدفع المتلقي إلى الموالاة إليها، فهي كملامحه تماماً وهذا عنصر مهم في إضفاء البعد الجمالي للعمل الفني أولاً ولتلك العلاقة التي تربطه به كمتلق ثانياً، وهذا مقام يسجل للوسي مقصود وهي تحاول أن تكسو مشهدها الفني مسحة جمالية تتواءم مع رؤى وأفكار متلقيها.