مخاوف عرب فرنسا تتأرجح بين مراوغات ماكرون وصراحة لوبان

لأول مرة منذ تأسيسه في مطلع سبعينيات القرن الماضي حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان يخترق الجمعية الوطنية بعد حصوله على 89 مقعدا.
مسلمون يخشون من تضييق لوبان على حرية معتقدهم
باريس

أعاد اختراق اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان البرلمان الفرنسي، الجدل حول وضعية المهاجرين بصفة عامة والعرب والمسلمين بشكل خاص رغم أن العديد من المتابعين يرون أن ما تفصح عنه لوبان جهرا ينفذ الرئيس ايمانويل ماكرون بعضه سرا.

وأفرزت نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت الأحد تحقيق حزب التجمع الوطني بزعامة لوبان انتصارا تاريخيا بعد حصوله على 89 مقعدا في الجمعية الوطنية. وهي نتيجة لم يسبق أن حققها هذا الحزب منذ تأسيسه في مطلع سبعينيات القرن الماضي.

وتعتبر قضية الهجرة ومستقبل المهاجرين من "التقاليد الانتخابية" في فرنسا. ومثلت أحد الملفات الشائكة التي خلقت جدلا بين المرشحين الإثني عشر في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/ نيسان الفائت.
وأعيد إنتاج نفس الجدل إبان دورتيْ الانتخابات البرلمانية في فرنسا. ويعتبر اليمين المتطرف أن القوانين الحالية يجب أن تصبح أكثر تشددا تجاه المهاجرين لتحمي الهوية الفرنسية، بينما يفتح اليسار أذرعه للمهاجرين، ويسعى لتيسير عملية دخولهم للتراب الفرنسي وإدماجهم داخل المجتمع.

وفاز اليسار بزعامة جون لوك ميلانشان بـ149 مقعدا في الجمعية الوطنية العامة التي تُعد الغرفة السفلى للبرلمان التكون من غرفتين: مجلس شيوخ وجمعية عامة. وتعود الكلمة الفصل في إقرار القوانين للجمعية العامة.

لوبان تتبنى نظرية الاستبدال العظيم القائمة على فكرة أن شعوبا أجنبية، كالمسلمين مثلا، ستحل محل الشعب الفرنسي

ولعدد المقاعد أهمية قصوى في البرلمان الفرنسي، فالفوز مثلاً بـ 185 مقعدا يسمح لحزب ما أن يطلب تنظيم استفتاء شعبي، شرط الحصول على 4 ملايين توقيع من قبل الناخبين.
وتتطلب عملية البت في دستورية قانون ما أو حكم معين، أن يتمتع الحزب بعضوية 60 نائبا على الأقل في الجمعية الوطنية.
وفي حال وقّع 58 نائبا على اقتراح يقضي بسحب الثقة من الحكومة، يتم قبل كل شيء تنظيم نقاش عام ينتهي بالتصويت على هذا الاقتراح.
وتتبنى لوبان نظرية "الاستبدال العظيم" القائمة على فكرة أن شعوبا أجنبية، كالمسلمين مثلا، ستحل محل الشعب الفرنسي.
وتُعرف لوبان بأنها سليلة عائلة فاشية تحلم بـ"فرنسا بيضاء مسيحية" لا مكان فيها للأجانب بصفة عامة، والمسلمين خاصة. وغالبا ما تثير خطاباتها مشاعر كراهية ضد المسلمين منذ أن انطلقت في سباق الرئاسة قبل 10 سنوات.
ووفقا لآخر أرقام المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي التي تعود إلى عام 2021، يوجد 7 ملايين مهاجر في فرنسا، أي حوالي 10 في المئة من أصل حوالي 68 مليون فرنسي، من بينهم 2.5 مليون حصلوا على الجنسية الفرنسية، وحوالي نصف المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا ولدوا في إفريقيا، أي ما يقرب من 3.3 مليون شخص. ويقدر مرصد العلمانية أنه في عام 2019، كان هناك حوالي خمسة ملايين فرنسي مسلم في البلاد.
وتمثل أصوات المهاجرين بمن فيهم المسلمون، طوال الوقت، عاملا مهما في الانتخابات الفرنسية، خاصة في ظل ما تشير إليه التقارير من أن الأقليات المهاجرة في فرنسا، عادة ما تعزف عن الإدلاء بأصواتها في أي انتخابات.
وكان العديد من أبناء الجالية العربية والإسلامية في فرنسا، قد منحوا أصواتهم لماكرون، في الانتخابات التي أوصلته إلى الإليزيه عام 2017.
ويبلغ عدد أصوات المسلمين نحو 5 ملايين شخص، ويشكلون 9% من السكان.

توقعات بأن تعيد لوبان طرح مشروعها حول حظر الحجاب في الجمعية الوطنية 

ويتوقع متابعون ترحيل الجدل حول حظر ارتداء الحجاب في فرنسا إلى الجمعية الوطنية الذي كانت قد أثارته لوبان في حملتها للانتخابات الرئاسية.
وقبيل الجولة الثانية من الانتخابات أبدت لوبان بعض التراجع عن موقفها بشأن حظر الحجاب، معلنة أن المسألة ستكون تحت أنظار الجمعية الوطنية.

ويذهب محللون إلى أن سياسة ماكرون لا تتسم هي الأخرى بالانفتاح واللين إزاء المسلمين. فخلال رئاسته صدر قانون مكافحة الانفصالية الإسلامية في يوليو/تموز 2021. ويواجه هذا القانون اتهامات باستهداف المسلمين في فرنسا عبر فرضه قيودا على كافة مناحي حياتهم.
وينص القانون على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين. ويفرض قيودا على حرية تعليم أطفال العائلات المسلمة في المنازل.
وتعليقا على نتائج الانتخابات الفرنسية قالت الباحثة التونسية ألفة يوسف في تدوينة "أنْ ينتصر ماكرون أو تنتصر لوبان لن يغير شيئا في الانحدار الذي تسير فيه فرنسا"، مشيرة إلى أن "اللافت للانتباه هو حجم الانشطار الذي يشق الشعب الفرنسي حيث يوافق ملايين من المواطنين على برنامج إقصائي للمهاجرين، وفي مقابل ذلك، نجد أولئك المهاجرين عموما ينتخبون في بلدانهم الأحزاب المحافظة، ويلقون بانفسهم في أحضان ميلونشون اليساري أو ماكرون رجل البنوك، شعارهم الوحيد: نريد أن نبقى هنا".
 

مجلس مساجد الرون دعا المهاجرين للتصويت بكثافة لإفشال مخططات طرد المسلمين من فرنسا 

وعمت أوساط المهاجرين في فرنسا خاصة من المسلمين تخوفات جدية من فوز لوبان بمنصب الرئاسة الأمر الذي دفع مجلس مساجد الرون على لسان رئيسه كامل قبطان، لدعوة المهاجرين للتصويت بكثافة "للوقوف في طريق أولئك الذين يريدون، دون قيود، طرد المسلمين من فرنسا الذين ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية".
وأشار الأستاذ في جامعة العلوم السياسية في باريس أوليفييه روزنبرغ في تصريح لشبكة يورو نيوز عشية الانتخابات إلى أن فقدان ماكرون السيطرة على البرلمان يجعل منه "رئيسا متعثرا، مسؤولا عن الشؤون الخارجية والدفاع وأوروبا. ولكن المسائل الاقتصادية والداخلية الرئيسية، ستكون من مشمولات الحكومة"، مرجحا تكرار سيناريو تقاسم السلطة أو "التعايش" الذي  توزع فيه الحكم في فرنسا بين رئيس وأغلبية برلمانية من أحزاب مختلفة قبل عقدين من الزمن، عندما وجد الرئيس المحافظ جاك شيراك مضطرا للعمل مع حكومة ليونال جوسبان، في إشارة إلى إمكانية عمل ماكرون إلى جانب حكومة يسارية بزعامة ميلونشون.

ويقوم اليمين المتطرف الفرنسي على ثلاثة أعمدة رئيسية: المناداة بأن فرنسا للفرنسيين أولا والأوروبيين ثانيا، والتحذير من مخاطر فتح الحدود على السيادة الوطنية والأمن القومي، وبالتالي معاداة الثقافات الشرقية وخصوصاً الإسلامية والتحريض ضد المهاجرين بصفتهم التهديد الأكبر للهوية الفرنسية والأوروبية عموما، فضلا عن تبني خطاب شعبوي واقعي وقريب إلى عامة الناس، خاصة البسطاء منهم.
ويرى معارضو اليمين المتطرف خاصة من اليسار الفرنسي أنه العدو الأول للقيم الفرنسية والأوروبية والمهدد لقيم التعددية وقبول الآخر والإيمان بكونية حقوق الإنسان.