مخطوطة قديمة جديدة لفرويد تبوح بدروس جيوسياسية صالحة لزماننا

الكاتب السياسي الفرنسي باتريك فيل يكتشف مخطوطة كتاب غير منشور لمؤسس التحليل النفسي قبل نحو قرن تتيح التعرف على خبايا الدبلوماسية المعتمدة حينها من زاوية جديدة.

باريس - أتاح اكتشاف الكاتب السياسي الفرنسي باتريك فيل لمخطوطة كتاب غير منشور كتبها مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد قبل نحو قرن، التعرف على خبايا الدبلوماسية المعتمدة حينها من زاوية جديدة، ما يفتح الباب أمام دروس جيوسياسية لا تزال تسري على زمننا الحاضر الذي عادت فيه الحرب إلى أوروبا.

ويغوص كتاب فيل الصادر الأربعاء عن دار "غراسيه" الفرنسية بعنوان "Le President est-il devenu fou ? Le diplomate, le psychanalyste et le chef d'Etat" (هل أصبح الرئيس مجنونا؟ الدبلوماسي والمحلل النفسي ورأس الدولة)، في شخصية رئيس أميركي مثير للجدل هو وودرو ويلسون الذي حكم الولايات المتحدة بين عامي 1913 و1921.

فمن خلال إقحامه الولايات المتحدة في المعارك على الجبهة الغربية خلال الحرب العالمية الأولى سنة 1917، أنهى ويلسون مرحلة حاسمة بعد حوالى مئة عام من السياسة الانعزالية.

وفي التجاذبات التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الأولى، ساهم هذا الرئيس ذو الشخصية المتقلبة في هزّ التوازنات المضطربة أصلا بين عامي 1919 و1920 والتي أدت إلى الحرب العالمية الثانية.

وقد عثر باتريك فيل على المخطوطة الأصلية المرتبطة بكتاب ألفه سيغموند فرويد بين عامي 1930 و1932 بعنوان "الرئيس ت. و. ويلسون: نبذة نفسية" لكن المشروع توقف بعد وفاة فرويد سنة 1939.

وقد أثار العمل انتقادات لاذعة في الصحافة بعد نشره في نهاية المطاف سنة 1966، إذ اعتبرت "ذي نيويورك ريفيو أوف بوكس" أنه "كارثي"، فيما وصفته "ذي نيو ريبابليك" بأنه "عمل كاريكاتوري". كما أن أنّا ابنة فرويد أبدت معارضتها للمراجعات التي أدخلها على الكتاب الدبلوماسي الأميركي السابق وليام بوليت المشارك في صياغته.

ويقول باتريك فيل "أظن أن فرويد ما كان ليقبل بالاقتطاعات. لم يكن له الحق بتاتا في فعل ذلك".

فشل أمام محكمة النقاد

وكانت المخطوطة المكتملة تنام في صندوق يضم محفوظات من دون أي علامة تعريفية، عثر عليه الباحث الفرنسي في مكتبة سترلينغ التابعة لجامعة ييل الأميركية. وكانت الوثيقة موجودة ضمن محفوظات لوليام بوليت تركتها آن فرويد بعد وفاتها سنة 2007.

ومن خلال مقارنة المخطوطة العائدة لعام 1932 مع الكتاب المنشور سنة 1966، أحصى باتريك فيل حوالى 300 تعديل أدخلها وليام بوليت وخففت من النبرة التي اعتمدها فرويد في نص الكتاب الذي يحمل بقوة على سياسة ويلسون. وقد اقتُطعت خصوصا مقاطع ترتبط بحياة الرئيس الجنسية.

أظن أن فرويد ما كان ليقبل بالاقتطاعات. لم يكن له الحق بتاتا في فعل ذلك

ويعتبر الباحث الفرنسي أن صدور الكتاب سنة 1932 أو 1933، في أوج نفوذ فرويد الفكري، كان ليسلط الضوء على السجل السلبي للرئيس ويلسون على الصعيد الجيوسياسي، حتى أنه كان ليُحدث صحوة لدى قوى الحلفاء المستقبليين.

ورغم فشل الكتاب لدى النقاد والتأخير الكبير في نشره، يرى الباحث الفرنسي أن نوايا فرويد وراء إعداده كانت حميدة. ويقول "لا يمكننا أن ننكر أن شخصية بعض القادة تؤدي دورا في المخاطر التي يعيشها العالم، اليوم كما في الأمس".

التاريخ يعيد نفسه؟

كما أن الفشل الكامن لمعاهدة فرساي الصادرة سنة 1919 لا يزال ذا دلالات كبيرة في أوروبا عام 2022. فقد فشلت مساعي فرنسا برئاسة جورج كليمنصو في الحصول من الولايات المتحدة على ضمانة بالدفاع عنها في حال التعرض لهجوم ألماني جديد.

ويقول الكاتب السياسي إن "حلف شمال الأطلسي كان وراء الفكرة، وإنشاؤها حصل بطلب فرنسي"، متحدثا عن مذكرة صادرة عن الخارجية الفرنسية في هذا الخصوص في تشرين الثاني/نوفمبر 1918.

وكان كليمنصو سيرتكب خطأ بالعمل بمقتضى فكرة بريطانية تقضي بفرض تعويضات كبيرة على ألمانيا وبنزع أسلحتها. كما أن ويلسون نسف المعاهدة بنفسه أمام الرأي العام الأميركي لدرجة أن مجلس الشيوخ صوّت ضدها عام 1920.

وقد أثبت الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 درسا من الحرب الباردة مفاده أن الدول التي لا يتم الدفاع عنها مباشرة من "شرطي العالم" هي الأكثر عرضة للهجمات. وهذا ما يفسر استعجال بولندا ودول البلطيق الثلاث (ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا) للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. من هنا يمكن تفسير التفضيل الكبير لدى الرأي العام الألماني للتسليح الدفاعي الأميركي أكثر من الأوروبي.

ويرى باتريك فيل أن "تأثيرات معاهدة فرساي لا تزال ملموسة في أوروبا برمّتها حاليا".