مرة أخرى في انتظار صفارة الحكم

قاتل ميسي ومبابي مدفوعين بفكرة الانتصار. ولا أظن أن زيلينسكي كان يفكر في الانتصار على بوتين.

يتساءل البعض مجازا أو على سبيل السخرية "مَن سيضحك أخيرا، بوتين أم زيلينسكي؟" ولا علاقة لذلك السؤال بإلهام مستوحى من معركة فرنسا والارجنتين التي جرت في الدوحة وكانت النتيجة لصالح جيش التانغو الذي خرج قائده ميسي ضاحكا فيما جلس القائد الفرنسي مبابي على العشب في حالة ذهول وهو يفكر في مستقبل أيامه وهل سيكون في إمكانه أن يواجه من خلال نادي باريس سان جيرمان جمهورا يكرهه.

ميسي الذي لم يولد في فرنسا كان قبل تلك المباريات نجما فرنسيا غير أنه إن عاد إلى ناديه الفرنسي فإنه سيظل إلى لحظة اعتزاله زائرا ارجنتينيا بعد أن حمل الكأس الذهبية إلى بوينس أيرس. في المقابل فإن مبابي الذي قاد فرنسا إلى هزيمتها كان قد ولد في باريس في عائلة من أصول أفريقية سيكون من الصعب عليه أن ينسى الكراهية التي أُحيط بها بعد أن منح فرنسا ثلاثة أهداف رائعة في مباراة واحدة.

في دقائق انقلب الجمهور عليه. فقبل ضربات الجزاء كان مبابي نجما ساطعا في العاطفة الفرنسية التي نجحت في أن تعجن لحما أفريقيا بدموع مسراتها. اما وقد انتهى الموقف إلى وجوم غادرته الإرادة وتبين أن علما فرنسيا واحدا لن يُرفع في ساحة القتال فقد حول الفرنسيون دموعهم تلك إلى سياط صارت ضرباتها تلتهم ذلك اللحم الأفريقي الرخيص الذي عاد إلى غاباته.

ربما يكون مبابي حين جلس على العشب فيما كان الرئيس الفرنسي يحاول استرضاءه قد شعر في تلك اللحظة بغربته عن البلاد التي قاد فريقها إلى نهائي كأس العالم. تحولت كرة المطاط إلى كرة من حديد. ثقيلة وصدئة وبليدة وقاتلة. لم يتذكر شيئا من طفولته إلا شبحها الهائم في أدغال ذكريات والده الأفريقية. غير أن ما لم يمر في خياله أن تحوله تلك الكرة إلى عدو لشعب لا يعرف سواه عائلة كبيرة له هو الشعب الفرنسي. 

لا مجال للمقارنة ما بين ما يجري بين بوتين وزيلينسكي من حوار ساخن وبين ما جرى بين ميسي ومبابي. غير أن هناك مَن يفكر في الضحكة الأخيرة كما لو أنها ستنطلق من ملعب أخضر وليس من خرائب وركام خيبات ومآسي. مَن قال أن هناك منتصرا في الحرب؟ بوتين ليس ميسي بالرغم من أنه يدافع عن حق روسي وزيلينسكي لن يكون مبابي بالرغم من أنه أدخل أوكرانيا في الثقب الروسي من تقربا من الولايات المتحدة.

ما من شبه. إلا أن الظنون تفرض مزاجها. لقد قاتل ميسي ومبابي مدفوعين بفكرة الانتصار. ولا أظن أن زيلينسكي كان يفكر في الانتصار على بوتين إلا إذا كانت ظنونه قد دفعت به إلى أن يقفل عقله ويعتقد أن شرارة الحرب العالمية الثالثة ستندلع من أوكرانيا. وإذا صح ذلك فإن صاحب اللغة العنصرية كان على قدر هائل من الغباء السياسي حين حول بلاده إلى محرقة.

اما حين تحتج وزيرة الرياضة الفرنسية على سخرية الارجنتينيين من فرنسا وفريقها فإنها تسعى إلى تغطية فشلها في الحد من موجة الكراهية التي تعامل الجمهور الفرنسي من خلالها مع نجمه الأفريقي الذي كان محبوبا قبل ضربات الجزاء بدقيقة واحدة. وهو مسعى يدعو إلى السخرية. لقد ضحك الارجنتينيون لأنهم كسبوا الكأس للمرة الثالثة. انصبت سخرية البعض على مبابي لا باعتباره أسود، بل لأنه رمز فرنسي اما أن يسخر الفرنسيون من مبابي، كونه أفريقيا ويصبون عليه جام غضبهم باعتباره المسؤول عن هزيمتهم فتلك هي المسألة التي كان على الوزيرة الفرنسية أن تهتم بها.

قال بوتين شيئا لا أتذكره عن المونديال. أما زيلينسكي الذي ذهب إلى الولايات المتحدة فقد ألقى كلمة أمام الكونغرس الذي احتفى به بطلا قال فيها "إن المساعدات الأميركية لبلاده ليست صدقة" وهو اعتراف بأنه يقدم خدمة مدفوعة الثمن للولايات المتحدة التي لا تفكر في إنهاء الحرب إلا إذا قبل بوتين بشروطها وهو ما لن يحدث أبدا.  

وإذا ما كانت صفارة الحكم البولندي هي التي أنهت معركة الارجنتين وفرنسا في الدوحة بانتصار الأولى فإن هناك مَن يعتقد أن صفارة الحكم الأميركي هي التي تعلن عن نهاية واحدة من أسوأ لحظات أوروبا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن المؤكد أن زيلينسكي بعد شهور الحرب وبعد أن تبين له أن بلاده ستتلقى المساعدات فقط هو الأكثر رغبة في سماع صفارة الحكم الأميركي غير أن ذلك لا يعني أن بوتين لا يتمنى سماع الصفارة التي تنتهي بها الحرب.