معالم التجربة الروائية لمجدي جعفر على مائدة النقد المستديرة بديرب نجم

أدباء ديرب نجم يواصلون دورهم الريادي في ابتكار طرق جديدة للتغلب على حالة الثبات في الواقع الثقافي.
محمود الديداموني: مجدي جعفر كاتب لديه خطة في الكتابة
محاكمة التاريخ وأسطرته ومحاولة إعادة كتابته.. ثيمات حاضرة

القاهرة - يواصل أدباء ديرب نجم دورهم الريادي في ابتكار طرق جديدة للتغلب على حالة الثبات في الواقع الثقافي من خلال عقدهم لمائدة مستديرة ألقى فيها عدد كبير من النقاد والمبدعين رؤاهم حول تجربة الكاتب والروائي مجدي جعفر.

مائدة اتسعت لتلاقح الأفكار وتلاقيها واختلافها.. اتسمت بالبساطة والمودة، فلم تكلف المؤسسة الرسمية جنيها واحدا، وإنما أتى هؤلاء النقاد من شتى ربوع مصر مؤمنين بصدق الدعوة.

قدم محمود الديداموني قائلا: المتابع لكتابات مجدي جعفر يدرك أنه كاتب لديه خطة في الكتابة سواء كان ذلك في كتابة القصة القصيرة أو الرواية على حد سواء، وأعني بالخطة هنا إطارا موضوعيا وفنيا يتغير من نص إلى نص فليس ثمة ثبات عنده، ولديه من المكر الفني ما يمكنه من خلق الحيل الفنية للولوج إلى موضوعات شائكة تجمع بين ما يسمونه بمحاذير الكتابة (الدين – الجنس – والسياسة) فلا يقع أبدا في فخ المباشرة، ويلبس شخوصه إيمانا كبيرا بأهمية ما تحمله تلك الشخصية من أفكار ورؤى ومعتقدات، دون أن يظهر انحيازه لأي من تلك الشخصيات، فشخصياته مسؤولة مسؤولية كاملة عن ذاتها".

ويستطرد في أن "الرواية عند مجدي جعفر تتشابك فيها الحوارات مستمدة موضوعها من الواقع الممتزج في بعض الأحيان بالخيال أو إن شئنا قلنا أن الكاتب يلجأ إلى السرد التخييلي ولذلك نجد الشخصيات التي يقدمها مجدي جعفر من نسج خياله، كل شخصية منها ترمز إلى دال معين وتؤدي وظيفة معينة، فليست الشخصية وجودا واقعيا يقدمه الكاتب تعبيرا عن شخصية واقعية عايشها، وإنما هي مفهوم تخييلي، تدل عليه التعبيرات المستخدمة في الرواية. وتناول المحفزات السردية رواية مجدي جعفر الأخيرة الشتات".

وتحدث الناقد خالد جوده أحمد متخذا من العلاقة بين المثقف والمجتمع ركيزة أساسية للتناول فيقول: كان الاختيار الإبداعي للروائي مجدي محمود جعفر في سفره الروائي "ليلة في حياة كاتب" أن يمحص القضية عبر الرؤية السردية التي تقدم الأفكار عبر عناصر سردية مؤتلفة من الحدث والشخصيات والبيئة الروائية "الزمكان"، واختيار أسلوب السرد، الذي يمثل –طبقًا لذائقتي- مكانة مقدرة في الرواية، حيث استخدمت الرواية فكرة الإزاحة الزمانية بتداخل الفترات الزمانية، والتقديم والتأخير الزماني، ومفارقة الزمن الخطي، والتناوب بين الفقرات السردية في تجلية الحدث الروائي وموضوعه الرئيس.

وعلي الجانب الضدي يستعمل تقنيات التمهل السردي، حيث مثول الحوار أحيانا واستعمال الحكايات "الكناية" الإسقاطية والرواية شغوفة بإيضاح هموم المثقف العضوي الفاعل في مجتمعه، تسعى للشمول والإحاطة بسماته النفسية، وأفعاله الحركية خدمة لأفكاره وسعيًا لإنارة مجتمعه.

في حين قدم الأديب والناقد العربي عبدالوهاب رؤية مغايرة حول ذات الرواية،  معتبرا أن الكاتب فرض على نفسه عزلة افتراضية، فيقول: يناقش فيها حياة ومصير كاتب اخترع عزلته الافتراضية بنفسه، ونأى بحياته عن الأضواء، بعدما قدم درسا عبقريا في الوطنية.

ويشير الناقد إلى مناقشة الرواية للتيارات الدينية وتحليل خطابها التعبوى، ويستطرد فيقول: رواية تتعرض بجسارة لموضوع التطبيع، وتأخذ طرفا من حياة إنسان ظلمه المجتمع وحكم عليه بالسجن، بينما انتصر هو حين فضل الحياة الكريمة للوطن، ورضي بدوره المرسوم له سلفا، ولم يسع للحصول على قيمة التأمين على مصنعه، حتى يحرم الفسدة والطامعين من التمتع بأمواله، خانه الجميع ولم يخن نفسه.

بينما يشير الناقد حامد حبيب إلى محاكمة التاريخ في رواية "ليلة في حياة كاتب"، فيقول: نحنُ أمام رواية تفكيكية، تحتاجُ من القارئ أن يُعيد تركيبها والوصول إلى جُملةِ مغزاها، فإن لم يحدث فلم تُقرأ الرواية كما ينبغي، وتحتاجُ إلى إعادة قراءة، فهي أشبه بكنزٍ مدفون في الأعماق في مكانٍ ما، مَن يريد الوصول إليه يحتاجُ إلى مُعدات حفرٍ حديثة، وكيفية التدريب عليها، ومعارف حسابية دقيقة لتقدير العُمق، والاستعانة بعوامل أخرى، أهمها الصبر، وأن يكونَ دقيقا حذِرا عند الوصول إليه، حتى لا تضيعُ جهودَه ويؤكد الناقد عن كشف الكاتبُ القناعَ عن حقيقةِ الأنظمةِ عبر حِقَبٍ تاريخيةٍ متقاربة أو متتالية.. ويناقش رواية زمن نجوى وهدان من خلال قراءة الصراع بين القلم والمال ومن منهما سيكسب الآخر.

وتساءل الناقد بهاء الصالحي عن مدى الإضافة التي قدمتها رواية "ليلة في حياة كاتب" لفن الرواية ويجيب قائلا :يقدم لنا نمط من أنماط الرواية الحديثة وهي رواية الشخصية حيث كانت الرواية على طولها عبارة عن رحلة في وعي مثقف مصري فقد دوره على أرض الواقع ناتج اصطداماته الطويلة وقدرة الرأي العام الموجه على تشويه وجهه النضالي الحقيقي.

هنا تصبح الوحدة الموضوعية للرواية حول قدرة الواقع بتناقضاته على خلق  ردود أفعال تعكس أزمة الواقع ذاته لتكون الرواية في نهاية الأمر نوع من التوثيق الفكري للواقع، في حين يبدي رؤيته عن رواية زمن نجوى وهدان قائلا: المهارة الوصفية التي يمتلكها القاص كانت جديرة بتوسيع عقدة الرواية فبدلا من حصرها في ذلك الصراع الذي انتهى بتحالف غير مقدس ما بين قلم فقير ومال وفير وبين مال وفير وعقم في التفكير .

فالبعد النوعي قائم بفعل عينة البطل والبطلة وكذلك جدة السياق من خلال تضاد فكرة المال والثقافة وكذلك الثروة القوية والتاريخ العاجز، وهنا مهارة القاص في التجريد من خلال التحكم في دلالات الكلمات من خلال تنوع السياقات التي وردت عبر الرواية.

ولكننا لا يسعنا إلا التسليم بأن الرواية قد أضافت للموضوع المتداول والحقيقي للأسف في واقعنا الأدبي الحالي بعدا إثرائيا جديدا، ويبقى مجدي جعفر قيمة يسترشد بها أجيال الرواية، حتى وإن كان بعيدا عن أحضان القاهرة.

بينما تحدث الكاتب عبدالله مهدي عن المعتقدات الشعبية في رواية على شفا حفره وحالة الصراع والتشتت داخل النص الروائي.

في حين قدم الكاتب فكري داود قراءة تحليلية في رواية على شفا حفرة بعنوان عندما يصبح العالم "على شفا حفرة" تتوالد حولها الحكايات، متخذا من اختلاف وظيفة المؤرخ والسارد فيقول: لا شك أن رسالة المؤرخ تختلف اختلافا كبيرا عن رسالة الأديب، فالأول معني بتسجيل الأحداث تصاعديا أو تنازليا، حسب سنوات وقوعها، أو أهميتها، أما الأديب فهو معني بالتعبير عن رؤيته تجاه تلك الأحداث، وتأثيرها في حيوات الناس ومصائرهم الفكرية والإنسانية. والمتوالية الروائية الثلاثية لمجدي جعفر "على شفا حفرة" خير نموذج على ذلك .

وتحدث الأديب أحمد عبده عن رواية أميرة البدو متخذا الواقع الأليم في ملامح "أميرة البدو" عنوانا لرؤيته فيقول: لما كان الواقع أكثر تعبيرًا وأشد إيلامًا، فقد لجأ الكاتب إلى الرمز والإسقاط، والرمز هنا رمزًا شفيفًا، مثل سحابة رمادية خفيفة في ليلة صيفية، نرى من خلفها القمر المخنوق!، أو هو كظل الإنسان يحمل تقاطيعه وتضاريسه، فالعمل الذي بين أيدينا حدثت وقائعه التي أوحت بتخييل أحداث الرواية، حدثت زمنًا في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وها هي يحدث لها تخييل بطريقة أخرى، تنعي وتأسف على ما حدث، وتحذر مما يمكن أن يحدث.

في حين قدم الكاتب محمد عبدالله الهادي شهادة أدبية حول تجربة جعفر الإبداعية والإنسانية على حد سواء فهما حسب رأيه وجهان لعملة واحدة. وتحدث حسام المقدم عن دور مجدي الفاعل في الوسط الثقافي وقدرته على التأثير في دفع الكتاب الشباب إلى الكتابة والإبداع.

وقدم الأديب عبدالمنعم شرف شهادة إنسانية أخرى. وجاءت مداخلة الكاتب والمفكر محمد المسلمي عميقة وتؤكد على حاجتنا إلى أن نعيد اكتشاف أنفسنا ونقاوم بالكتابة.. فالكتابة حياة على حد قوله.

شارك لفيف من الكتاب والمبدعين بمداخلات حول تجربة الكاتب مجدي جعفر نذكر منهم صلاح هلال الحنفي ومحمد الحديدي ومحمود رمضان وشحته سليم ومحمد فكري ورضا عطية وحسام الكرار وياسر علي عبدالعليم وهيثم منتصر وحسين منصور ونبيل مصليحي وهيثم القليوبي ومحمد آدم وشريف الأحمدي وأحمد سوكارنو ورضا أبوالغيط وسميرة محمودي وأحمد عثمان وخليل الشرقاوي وأبانوب لويس وإبراهيم فريد وفكري الأصور ومحمود محمد مصطفى وطارق حسن عبدالفتاح ومحمد حمادة ومحمد مجدي ومروة عيسى التي قدمت باقات الورود.

تمت المائدة المستديرة برعاية كريمة من ثقافة الشرقية للكاتب أحمد سامي خاطر ومدير الإدارة الثقافية هاني الأشقر وبحضور مشرف النادي الأدبي أ. علا وأ. سمر أمين مكتبة فصر الثقافة ودعم وحضور السيدة نجوى مكاوي مدير قصر ثقافة ديرب نجم.