نذر تصعيد بين تونس والاتحاد الأوروبي

تونس أعادت مبلغ 60 مليون يورو إلى الاتحاد الأوروبي كان قدمها ضمن خططه لدعم جهودها في مكافحة الهجرة غير النظامية وإنعاش الاقتصاد، في خطوة تعكس الخلاف المتزايد بين الشريكين.

تونس -  ألقى وزير الخارجية التونسي نبيل عمار باللائمة على شركاء تونس الأوروبيين بشأن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، في تصريحات مشددة نشرت الأربعاء، تشير إلى اتساع الشرخ بين الطرفين.

ويسود الجانب التونسي انزعاج متزايد، إذ يعتبر أن الاتحاد الأوروبي أخل بالالتزامات الواردة في مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين بتاريخ 16 يوليو/ تموز بخصوص الهجرة غير النظامية فضلا عن عدم إيفاء الجانب الأوروبي بمخرجات القمة المنعقدة بايطاليا للبحث في معالجة جماعية لجذور هذه المشكلة بما يراعي مصالح كافة الأطراف ذات العلاقة ويجنب تحميل تونس وحدها  تبعاتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
  وقال الوزير عمار، في مقابلة مع صحيفة الشروق التونسية، "لسنا حديقة خلفية لأي جهة.. السياسة التي اعتادها الغرب في السابق في 2011 لم تعد جائزة ولن تمر"، في إشارة إلى فترة اندلاع موجة الربيع العربي انطلاقا من تونس عبر الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وأضاف عمار "هناك ولد الربيع العربي وهنا قبر، نقول لكم كأوروبيين وغربيين: انتهت اللعبة وهذا درس لكم".  متابعا "أنتم من سددتم الأفق أمامنا.. دمرتم ليبيا وكان لنا حجم تبادل مع الشقيقة 40 بالمئة من تجارتنا وكذلك فعلتم في العراق وكانت علاقاتنا مهمة معه... تحملوا مسؤولية ما اقترفتم في أفريقيا والعالم العربي".

وتسود حالة من التوتر على العلاقات بين تونس وشريكها الاقتصادي الأول الاتحاد الأوروبي، بسبب الأزمة المرتبطة بملف الهجرة وبنود الاتفاق، ولكن أيضا على خلفية التحولات السياسية التي تشهدها البلاد والانتقادات الأوروبية التي تعتبرها تونس تدخلا مرفوضا في شؤونها الداخلية.

 وقد بعثت تونس برسالة ضمنية بشأن موقفها هذا، من خلال منع وفد من البرلمان الأوروبي من الدخول إلى الأراضي التونسية للتقصي حول أوضاع حقوق الإنسان ثم الإعلان عن تأجيل  المباحثات التي كان من المفترض أن يجريها وفد أوروبي مع المسؤولين التونسيين في أعقاب تصاعد وتيرة تدفقات المهاجرين الوافدين من السواحل التونسية باتجاه إيطاليا.

وقال وزير الخارجية التونسي نبيل عمار إن الدولة التونسية أعادت مبلغ 60 مليون يورو إلى الاتحاد الأوروبي كان قدمها ضمن خططه لدعم جهود تونس في مكافحة الهجرة غير النظامية وإنعاش الاقتصاد، في خطوة تعكس الخلاف المتفاقم بين الشريكين.

ووفق السلطات التونسية فإن المبلغ كان تعهد به الاتحاد الأوروبي للمساعدة على مجابهة آثار جائحة كورونا على الاقتصاد ولكن تم إرساله بعنوان 2023 لدعم موازنة الدولة.

ويرى محللون أن تصريحات عمار تشير إلى الاستياء من أسلوب التعاطي الأوروبي مع تونس الذي لا يتقيد بمقتضيات الاحترام المتبادل والقواعد المتعارف عليها في العلاقات الدولية بتوخيه منطق التعالي والوصاية على تونس إلى جانب سعيه لتوظيف ورقة المساعدات للمساومة بربطها بوجوب البقاء في منظومة اقتصاد السوق من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مع تكرار تدخله في الشؤون الداخلية التونسية بخصوص أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان بتونس فضلا عن الربط بين هذه الملفات وقضية التطبيع مع إسرائيل. 

ووقعت تونس مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي في منتصف تموز/يوليو الماضي تشمل تمويلات بأكثر من مليار يورو على المدى الطويل لمكافحة موجات الهجرة غير النظامية وإنعاش الاقتصاد ودفعه التنمية، من بينها 150 مليون يورو لدعم موازنة الدولة و100 مليون يورو لخفر السواحل.

وفي أيلول/سبتمبر الماضي ، أعلنت المفوضية الأوربية عن تمويل طارئ بقيمة 127 مليون يورو موجهة لتونس ضمن خطة أوسع لمجابهة الوضع في لامبيدوزا الإيطالية بسبب تدفقات المهاجرين.

واحتجت تونس ضد البطء في صرف تلك التعهدات المالية، وحذر عمار مما سماه "ممارسة التمويه والتضليل" من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وقال الوزير "رددنا عليهم أموالهم وقلنا لهم حذاري من مواصلة التمويه ونشر الوثائق المسربة فإننا إذا عدتم عدنا لكم بكشف مزيد من الحقائق ليست في مصلحتكم".

وسبق أن انتقد الرئيس قيس سعيّد الشروط المجحفة لصندوق النقد الدولي من ناحية، والحل الذي يدعو إليه البعض في الخفاء، لتوطين مهاجرين مقابل مبالغ مالية من ناحية أخرى، معتبراً أنه "حل غير إنساني وليس مقبولاً".

ويرى متابعون للشأن التونسي، أن الاتفاق على العمل المشترك من أجل حزمة شراكة شاملة تضمن المصلحة المشتركة للطرفين، من الملفات المعقدة التي قد تحدد العلاقة المستقبلية بين الطرفين؛ فتونس تحاول الاستفادة القصوى من وضعها الجغرافي على أبواب أوروبا، في حين ترى الدول الأوروبية، أن تونس قد تعمل "بجدية أفضل على تحييد آلاف المهاجرين غير الشرعيين، في حال حصلت على مساعدات في وضعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المعقد".

وتشكك منظمات حقوقية تونسية في نوايا الاتحاد الأوروبي وخاصة إيطاليا في تعاملها مع ملف الهجرة، حيث اعتبر رمضان بن عمر، المتحدث باسم "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (منظمة حقوقية مستقلة)، أن تواتر زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى تونس وتصريحاتهم، هو جزء من مسار قديم متجدد لـ"ابتزاز تونس وانتهاز الهشاشة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية؛ وذلك لمزيد التعاون في سياسات تصدير الحدود وجعل البلاد التونسية رهينة سياسات التبعية".

وأضاف بن عمر أن أوروبا "لا تنظر إلى تونس منذ سنوات كدولة تحتاج إلى تعاون، بل فقط يعدّونها نقطة حدودية متقدمة تحتاج إلى مزيد من التجهيزات لاحتواء الهجرة، والهدف: لا ينبغي لأحد الوصول إلى أوروبا ولو كان مصيره الموت".