وساطة قطرية تقرب طهران وواشنطن من تنفيذ اتفاق تبادل سجناء

الدوحة ستنفذ ترتيبا ماليا ستدفع بموجبه الرسوم المصرفية وتراقب كيفية إنفاق إيران للأموال المفرج عنها لضمان عدم صرفها على بنود تخضع لعقوبات أميركية.
السجناء الاميركيين والايرانيين سيمرون عبر قطر
الاتفاق بشان تبادل السجناء يتجنب الخلاف النووي الشائك بين إيران وأميركا

طهران - من المنتظر أن يبدأ تسلسل مصمم بعناية من الإجراءات عندما يتم تحويل ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المفرج عنها إلى بنوك في قطر في وقت قريب ربما الأسبوع المقبل وفق ما قالت ثمانية مصادر إيرانية مطلعة إذ سيؤدي ذلك إلى تبادل ما يصل إلى خمسة معتقلين أميركيين من مزدوجي الجنسية بعدد مماثل من السجناء الإيرانيين وعودتهم للبلدين في اتفاق نادر بين طهران وواشنطن توسطت فيه قطر.
وكخطوة أولى، أطلقت إيران في العاشر من أغسطس/آب سراح أربعة أميركيين من سجن إيفين بطهران ووضعتهم رهن الإقامة الجبرية، لينضموا إلى أميركي خامس هو بالفعل قيد الإقامة الجبرية. وفي وقت لاحق ذلك اليوم، وصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخطوة بأنها الأولى في عملية من شأنها أن تؤدي إلى عودتهم إلى وطنهم.
وقالت الإدارة الأميركية إن بينهم رجلا الأعمال سياماك نمازي (51 عاما) وعماد شرقي (59 عاما) إضافة إلى الناشط البيئي مراد طهباز (67 عاما) الذي يحمل الجنسية البريطانية أيضا. ولم ترد عائلتا طهباز وشرقي على طلبات للتعليق. كما رفض محام لعائلة نمازي التعليق.
ولم يتم الكشف عن هوية الأميركيين الرابع والخامس، وأحدهما بحسب مصدرين امرأة. ولم تتمكن رويترز من تحديد السجناء الإيرانيين الذين ستعيدهم الولايات المتحدة في عملية التبادل تلك.
وقالت إيران اليوم الاثنين إنها متفائلة حيال تنفيذ تبادل للسجناء مع واشنطن "في المستقبل القريب".
وقطر هي التي توسطت في إبرام هذا الاتفاق بين القوة العظمى التي تصفها إيران بأنها "الشيطان الأكبر" والجمهورية الإسلامية التي تصفها واشنطن بأنها راعية للإرهاب.
وقال مصدر مطلع على المناقشات إن الدوحة استضافت ثماني جولات على الأقل من المحادثات شارك فيها مفاوضون إيرانيون وأميركيون يجلسون في فنادق منفصلة ويتواصلون عبر دبلوماسية مكوكية، حيث ركزت الجلسات المبكرة بشكل أساسي على القضية النووية الشائكة أما الجلسات اللاحقة فقد انصب تركيزها على إطلاق سراح السجناء.
وقال ثلاثة من المصادر إن الدوحة ستنفذ ترتيبا ماليا ستدفع بموجبه الرسوم المصرفية وتراقب كيفية إنفاق إيران للأموال المفرج عنها لضمان عدم إنفاقها على بنود تخضع لعقوبات أميركية كما سيصل السجناء إلى قطر أولا في توقف قصير عند مبادلتهم.
وقال دبلوماسي كبير "إيران أرادت في البداية الوصول المباشر إلى الأموال لكنها وافقت في النهاية على الوصول لها عبر قطر... إيران ستشتري الغذاء والدواء وستدفع قطر مباشرة".
وتم جمع هذه الرواية لتفاصيل لم تُذكر مسبقا حول نطاق الوساطة القطرية في المحادثات السرية، وكيف تم التوصل لاتفاق ومدى المصلحة التي دفعت الطرفين لإبرام اتفاق تبادل السجناء. وتم اجراء مقابلات مع أربعة مسؤولين إيرانيين ومصدرين أميركيين ودبلوماسي غربي كبير ومستشار لحكومة خليجية ومصدر مطلع على المفاوضات.
وطلبت جميع المصادر عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الاتفاق الذي لم يتم تنفيذه بالكامل بعد.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة ليست مستعدة لإعلان التوقيت المحدد للإفراج عن السجناء. ورفضت الوزارة أيضا مناقشة تفاصيل ما وصفه المتحدث باسم "المفاوضات المستمرة والحساسة للغاية".
ولم تعلق الإدارة الأميركية على توقيت تحويل الأموال. ومع ذلك، قال وزير خارجية كوريا الجنوبية بارك جين في الخامس من سبتمبر/أيلول إن الجهود جارية لتحويل أموال إيران.
وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران ليست علاقة تتسم بالثقة. نحكم على إيران من خلال أفعالها، لا شيء آخر".
وأشار المتحدث إلى أن واشنطن وافقت على نقل الأموال الإيرانية من كوريا الجنوبية إلى حسابات مقيدة لدى مؤسسات مالية في قطر، لكن لن تذهب أي أموال إلى إيران مباشرة.

واشنطن طالبت طهران بتحسين الوضع الانساني والحد من قمع المعارضين
واشنطن طالبت طهران بتحسين الوضع الانساني والحد من قمع المعارضين

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني لدى سؤاله عن هذه المسألة في مؤتمر صحفي نقله التلفزيون إن طهران ستطلق سراح الأميركيين "على أسس إنسانية".
وتظهر رواية المصادر عن المفاوضات كيف تحاشى الاتفاق الخلاف الرئيسي بين الولايات المتحدة وإيران بشأن أهداف طهران النووية، وبلغ ذروته في لحظة نادرة من التعاون بين البلدين الخصمين منذ فترة طويلة إذ أنهما على خلاف واضح بشأن مجموعة من القضايا تتراوح من برنامج إيران النووي وحتى الوجود العسكري الأمريكي في الخليج.
ووصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران إلى نقطة الغليان منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018. ولم يحظ التوصل إلى اتفاق نووي آخر باهتمام كبير منذ ذلك الحين، إذ يستعد الرئيس الأميركي جو بايدن للانتخابات الرئاسية عام 2024.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أيضا إنه لم يطرأ أي تغيير في نهج واشنطن الشامل تجاه إيران "الذي يواصل التركيز على الردع والضغط والدبلوماسية".
وأضاف أنه بمجرد تحويل الأموال، سيتم وضعها في حسابات مقيدة في قطر سيكون للولايات المتحدة الإشراف على كيفية وتوقيت استخدام هذه الأموال.
وأثارت عملية التحويل المحتملة انتقادات من الجمهوريين مفادها أن بايدن المنتمي للحزب الديمقراطي يدفع في الواقع فدية مقابل إطلاق سراح مواطنين أمريكيين. لكن بلينكن قال للصحفيين في العاشر من أغسطس/آب إن الاتفاق لا يعني أن إيران ستحصل على أي تخفيف للعقوبات، موضحا أن واشنطن ستواصل التصدي "بحزم لأنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة".
وقال المصدر المطلع على المناقشات إن الوساطة التي تقودها قطر اكتسبت زخما في يونيو/حزيران 2023 مضيفا أن ثماني جولات على الأقل من المحادثات أُجريت منذ مارس/آذار 2022 مع تكريس الجولات المبكرة بشكل أساسي للقضية النووية وجولات لاحقة للسجناء.
وتابع قائلا "أدركوا جميعا أن (المفاوضات) النووية طريق مسدود وحولوا التركيز إلى السجناء. ملف السجناء أبسط. من السهل التوصل لاتفاق بشأنهم ويمكنك بناء الثقة... هذا عندما اكتسبت الأمور جدية مرة أخرى".
قالت المصادر الإيرانية والدبلوماسية والإقليمية إنه بمجرد وصول الأموال إلى قطر من كوريا الجنوبية عبر سويسرا، سيصدر مسؤولون قطريون تعليمات لطهران وواشنطن بالمضي قدما في عمليات تبادل السجناء بموجب شروط وثيقة وقعها الجانبان وقطر في أواخر يوليو تموز أو أوائل أغسطس/آب.
وقال المصدر المطلع على المحادثات إنه من المتوقع اكتمال عملية التحويل إلى البنوك في قطر في وقت قريب جدا قد يكون الأسبوع المقبل إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها. ولم يتم تحديد البنوك المعنية.
وأضاف "السجناء الأميركيون سيسافرون جوا إلى قطر من طهران والسجناء الإيرانيون سيسافرون من الولايات المتحدة إلى قطر ثم ينقلون إلى إيران".
وبحسب اثنين من المطلعين الإيرانيين والمصدر المطلع على المفاوضات والدبلوماسي الغربي الكبير فإن الجزء الأكثر تعقيدا في المحادثات كان ترتيب آلية لضمان الشفافية في تحويل الأموال واحترام العقوبات الأمريكية.
وتم تجميد الأصول الإيرانية البالغة قيمتها ستة مليارات دولار، وهي من إيرادات مبيعات نفط، بموجب العقوبات النفطية والمالية الأميركية الشاملة ضد إيران. وكان الرئيس السابق ترامب قد أعاد عام 2018 فرض العقوبات على إيران عندما سحب واشنطن من الاتفاق الذي بموجبه قيدت طهران برنامجها النووي.
وشملت القضايا التي تمت مناقشتها كيفية التأكد من إنفاق إيران للأموال فقط على السلع الإنسانية وتأمين ضمانات من قطر بشأن مراقبتها للعملية.
وقال نفس المصدر "لإنقاذ المفاوضات من الانهيار، تعهدت قطر بتغطية الرسوم المصرفية لتحويل الأموال من سول إلى سويسرا، ومن ثم إلى البنوك القطرية، مع تحمل مسؤولية مراقبة النفقات".
وقال مصدر إيراني مطلع ثان والمصدر المطلع على المحادثات إن محافظي البنكين المركزيين الإيراني والقطري اجتمعا في الدوحة يوم 14 يونيو حزيران لمناقشة تحويل الأموال. وامتنع البنكان عن التعليق.
وقال مسؤول إيراني ومصدران مطلعان على المفاوضات والدبلوماسي الغربي إن المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي، الذي هو الآن في اجازة بدون أجر لأن تصريحه الأمني قيد المراجعة، قاد المحادثات مع نائب المبعوث الأميركي الخاص أبرام بالي وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كني.
وقال دبلوماسي إيراني كبير إن مهدي صفري نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية انضم إلى الوفد الإيراني في اجتماعين في قطر لإجراء محادثات بشأن تحويل الأموال. وقام وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي بدور الوسيط.