وفاة مهسا أميني تُعيد محنة أكراد إيران إلى دائرة الضوء

وفي ظل وجود ما يتراوح بين ثمانية وعشرة ملايين كردي في إيران، تخشى السلطات من تزايد الضغوط من أجل الانفصال بين أبناء أقلية لديها تاريخ طويل من الكفاح من أجل حقوقها السياسية.
مخاوف إيرانية من اتساع نطاق الاحتجاجات
الشرطة الإيرانية تعتقل العشرات وتقتل ثلاثة محتجين من الأقلية الكردية
محافظ طهران يتهم المحتجين بالتخريب وبإتلاف ممتلكات عامة

طهران - سلطت حادثة احتجاز فتاة إيرانية كردية من قبل شرطة الأخلاق ودخولها بعد ساعتين من اعتقالها في غيبوبة ثم وفاتها لاحقا نتيجة تعرضها للضرب على أرجح التقديرات، الضوء على محنة أكراد إيران وعلى حالة مجتمعها العرقي، بينما يفترض أن يكون هذا التنوع العرقي عاملا مهما يشكل إضافة على غرار مجتمعات كثيرة تستفيد من ثراء التنوع العرقي فيها.

إلا أنه في الحالة الإيرانية وحالة التمييز السائدة بين مكونات نسيجها المجتمعي، شكلت استثناء بسبب سياسة النظام الديني الذي يهمش العرقيات والطوائف مقابل وضع أفضل للمكون الشيعي.

وترسم التوترات التي لا تهدأ في الأقاليم النائة التي يقطنها عرب سنّة أو أكراد غالبيتهم سنّة، خارطة مجتمعية شديدة التعقيد في علاقة بسلطة يقول منتقدوها محليا وإقليميا ودوليا إنها قمعية وتمارس التمييز بين مكوناتها العرقية.

وأثارت وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني خلال احتجازها لدى الشرطة بالعاصمة الإيرانية طهران موجة غضب في أنحاء البلاد وأحيت سجالات حول الأقليات في إيران.

وبحسب منظمة حقوقية كردية، قُتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص في المنطقة الكردية بإيران أمس الاثنين عندما فتحت قوات الأمن النار خلال احتجاجات على مقتل مهسا، في ثالث يوم من الاضطرابات على خلفية الحادث الذي وقع الأسبوع الماضي.

وفاقمت وفاة مهسا أميني التوتر بين النظام والأقلية الكردية التي تقول جماعات حقوقية إنها تتعرض للقمع منذ فترة طويلة على يد القيادة الإيرانية. وتنفي الجمهورية الإسلامية اضطهاد الأكراد.

ويمثل الأكراد جزء من مجتمع منتشر في العديد من دول الشرق الأوسط ويشكل واحدا من أكبر شعوب العالم بدون دولة.

وتتحدث الأقلية الكردية ومعظم أفرادها من المسلمين السُنة الذين يعيشون في إيران ذات الأغلبية الشيعية، لغة مرتبطة بالفارسية ويعيشون غالبا في منطقة جبلية تمتد عبر حدود أرمينيا والعراق وإيران وسوريا وتركيا.

تأرجحت مطالب الأكراد بين الانفصال الكامل والحكم الذاتي داخل دولة إيرانية متعددة الأعراق تشمل طيفا سياسيا واسعا من العلمانية ذات الميول اليسارية إلى الفكر الإسلامي اليميني

وصعدت النزعة القومية الكردية في تسعينات القرن التاسع عشر عندما كانت الإمبراطورية العثمانية في مرحلة الأفول. ووعدت معاهدة سيفر لعام 1920، التي فرضت تسوية وتقسيما استعماريا لتركيا بعد الحرب العالمية الأولى، الأكراد بالاستقلال.

وبعد ذلك بثلاث سنوات، مزق الزعيم التركي كمال أتاتورك المعاهدة. ووزعت معاهدة لوزان التي تم التصديق عليها عام 1924، الأكراد بين الدول الجديدة في الشرق الأوسط.

وبرزت النزعة الانفصالية الكردية في إيران لأول مرة على السطح مع جمهورية مهاباد عام 1946، وهي دولة مدعومة من الاتحاد السوفييتي تمتد عبر حدود إيران مع تركيا والعراق. وقد استمرت لعام واحد قبل أن تستعيد الحكومة المركزية السيطرة مرة أخرى.

وتسببت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 في إراقة الدماء كثيرة في منطقة كردستان إذ دارت اشتباكات عنيفة بين الثوريين الشيعة والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الذي قاتل من أجل الاستقلال.

وبعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، ضاعفت القوات المسلحة الإيرانية النظامية والحرس الثوري قمعهم للأكراد حتى لا يكونوا طابورا خامسا في قتال طهران ضد صدام حسين.

وظهرت مجموعات مسلحة جديدة على غرار حزب الحياة الحرة الكردستاني على مدى العقدين الماضيين، ودارت في بعض الأحيان اشتباكات بينها وبين قوات الأمن. وكثيرا ما لجأ قادتها إلى كردستان العراق واستهدفتهم صواريخ إيرانية.

وتأرجحت مطالب الأكراد بين الانفصالية الكاملة والحكم الذاتي داخل دولة إيرانية متعددة الأعراق تشمل طيفا سياسيا واسعا من العلمانية ذات الميول اليسارية إلى الفكر الإسلامي اليميني.

وفي ظل وجود ما يتراوح بين ثمانية وعشرة ملايين كردي في إيران، تخشى السلطات من تزايد الضغوط من أجل الانفصال بين أبناء أقلية لديها تاريخ طويل من الكفاح من أجل حقوقها السياسية.

وتقول جماعات حقوقية إن الأكراد الذين يشكلون نحو عشرة بالمئة من السكان، إلى جانب أقليات دينية وعرقية أخرى يواجهون تمييزا في ظل حكم المؤسسة الدينية الشيعية في إيران.

وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير "الأكراد في إيران يعانون من تمييز متجذر منذ فترة طويلة. يتم قمع حقوقهم الاجتماعية والسياسية والثقافية شأنها شأن تطلعاتهم الاقتصادية".

وأضافت أن "المناطق الكردية مهملة اقتصاديا، مما أدى إلى ترسيخ الفقر. كما أن عمليات الإجلاء القسري وتدمير المنازل قوضت وصول الأكراد لسكن مناسب".

ويقمع الحرس الثوري الاضطرابات في المجتمع الكردي منذ عقود، كما يصدر القضاء الكثير من الأحكام بالسجن لفترات طويلة أو حتى بالإعدام على كثير من النشطاء فيه.

وأثارت ممارسات شرطة 'الإرشاد' أو ما يعرف بشرطة الأخلاق في إيران وهي أشبه بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، استياء واسعا في إيران حتى من قبل نواب في البرلمان وسياسيين إصلاحيين، فيما منحتها المؤسسة الدينية والسياسية بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي صلاحيات واسعة وصلت حدّ مراقبة الانترنت فضلا عن المهمة التي تشكلت من أجلها وهي مراقبة السلوك العام في الشارع الإيراني وفرض ضوابط معينة في ارتداء الحجاب واللباس.

وانتقد برلماني إيراني في موقف غير معتاد "شرطة الأخلاق" التي تثير أفعالها الجدل غداة تظاهرات في عدة مدن إيرانية احتجاجا على وفاة مهسا أميني بعد توقيفها.

وقال النائب جلال رشيدي كوشي لوكالة أنباء "إسنا" الإيرانية إن هذه الشرطة "لا تحقّق أي نتيجة سوى إلحاق الضرر بالبلاد"، مضيفا "المشكلة الرئيسية تكمن في أن بعض الأشخاص لا يريدون رؤية الحقيقة"، متسائلا "هل يستعيد الأشخاص الذين تقودهم شرطة التوجيه هذه إلى جلسات توضيح إدراكهم ويتوبون عندما يخرجون؟". وتقول الشرطة إنها تصطحب الفتيات اللواتي يخالفن اللباس الإسلامي لتشرح لهن ضرورة الالتزام بقواعد اللباس في الإسلام.

مهسا أميني أحدث ضحية لشرطة الأخلاق في إيران
مهسا أميني أحدث ضحية لشرطة الأخلاق في إيران

وتأتي مواقف رشيدي غداة تظاهرات في إيران آخذة في الاتساع عقب وفاة مهسا أميني (22 عاما) الجمعة في مستشفى بعد ثلاثة أيام من دخولها في غيبوبة. وأوقفت شرطة الأخلاق أميني في طهران في 13 سبتمبر/أيلول.

وذكرت وكالة أنباء "فارس" أن الشرطة أوقفت وفرّقت متظاهرين الاثنين في طهران "بواسطة الهراوات والغاز المسيل للدموع"، مضيفة أن "مئات الأشخاص رددوا هتافات ضد السلطات"، مشيرة إلى أن بعض النساء "خلعن حجابهن".

لكن في مقابل انتقادات وجهت لشرطة الأخلاق، اعتبر محافظ طهران محسن منصوري على حسابه على "تويتر" الثلاثاء أن التجمعات في طهران "نُظمّت بهدف خلق اضطرابات".

وقال "حرق العلم وصبّ الوقود على الطرق وإلقاء حجارة ومهاجمة الشرطة وإحراق دراجات نارية ومستوعبات نفايات وتدمير ممتلكات عامة... ليست أعمال أشخاص عاديين".

وتحدثت وكالة الأنباء الإيرانية 'إرنا' عن تظاهرات في مقاطعات أخرى بينها كردستان في غرب البلاد، مسقط رأس الشابة التي توفيت وغيلان في الشمال ورازافي خوراسان في الشمال الشرقي ويزد في الوسط.

وأججت وفاة أميني النداءات المطالبة بالحد من صلاحية "شرطة الأخلاق" التي تفرض على النساء في إيران قيودا مشددة على اللباس ومنها إلزامية تغطية الشعر.  

واتسع نطاق الاحتجاجات أمس الاثنين وكانت أشدها في المنطقة الكردية. وقالت جماعة هنكاو الكردية لحقوق الإنسان إن ثلاثة أشخاص قُتلوا هناك يوم الاثنين عندما فتحت قوات الأمن النار، مُقللة بذلك حصيلة سابقة ورد أنها خمسة قتلى، مضيفة أن 13 مدينة شهدت احتجاجات أمس الاثنين وجرى اعتقال 250 شخصا.

وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مظاهرات في العديد من المدن، ظهر فيها نساء يلوحن بأغطية رؤوسهن ومتظاهرون يواجهون قوات الأمن.

وفي إحدى الاحتجاجات الكبيرة بطهران، صرخ حشد من المتظاهرين يرتدون ملابس سوداء "أين أنت يا يوم نكون فيه مسلحين"، بحسب مقطع فيديو نشره حساب 'تصوير1500' على تويتر، الذي ينشر لقطات يقول إنه يتلقاها من الجمهور. ولدى هذا الحساب 70 ألف متابع.

وأظهر فيديو آخر من طهران سيارات شرطة نوافذها مهشمة بينما تطلق سيارة قريبة لقوات الأمن خراطيم مياه صوب مُحتجين.

وطالبت الولايات المتحدة أمس الاثنين بمحاسبة المسؤولين قائلة إن "وفاة مهسا أميني بعد إصابتها بجروح في أثناء احتجازها لدى الشرطة لوضعها حجابا وصف بأنه غير لائق يعد إهانة مروعة وشنيعة لحقوق الإنسان". كما نددت فرنسا باعتقالها "والعنف الذي تسبب في وفاتها".

وقال قائد شرطة طهران حسين رحيمي إنه تم توجيه "اتهامات جبانة" إلى الشرطة الإيرانية، وإن أميني لم تتعرض لأذى جسدي، وإن الشرطة "فعلت كل شيء" لإنقاذ حياتها، مضيفا في بيان نقلته وكالة أنباء فارس "هذا الحادث مؤسف بالنسبة لنا ونتمنى ألا نشهد مثل هذه الحوادث أبدا".