محمّد بن سلمان وأميركا... واليمن

تبدو زيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لواشنطن، والتي ستشمل مدنا أخرى، بمثابة نقطة تحوّل على غير مستوى بدءا بطبيعة العلاقة الاميركية - السعودية وصولا الى اعتراف البيت الأبيض بـ"الخطر الحوثي" في اليمن.

هناك تحوّل أميركي كبير في مجال فهم ما يدور في الشرق الاوسط وما هو على المحكّ. هناك فهم اكبر لاهمّية المملكة العربية السعودية ودورها في المنطقة من جهة والإصلاحات التي يقوم بها محمّد بن سلمان من جهة أخرى. وهذه إصلاحات تجري في العمق. لعلّ من اهم منطلقاتها الاستيعاب العميق لدور الاخوان المسلمين في نشر التطرّف عبر البرامج التربوية التي استطاعوا فرضها في المدارس على مرّ السنوات. هذه البرامج جزء مما تعاني منه مصر والكويت والأردن واليمن ودول عربية أخرى تسلّل فيها الاخوان الى البرامج التعليمية والمدارس وفرضوا رؤيتهم للاسلام واخرجوه من دائرة الاعتدال والتسامح والاعتراف بالآخر، فضلا عن الانفتاح على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم. هناك أجيال عدّة، في غير دولة عربية، نشأت في ظلّ السيطرة الاخوانية على البرامج التعليمية، وهي سيطرة استخدمت في نشر الجهل والتطرّف والارهاب وصولا الى ما وصلت اليه الحال حاليا.

هناك شجاعة كبيرة ابداها وليّ العهد السعودي في مجال التصدي لخطر الاخوان بشكل علني، تماما مثل تصدّيه للمشروع التوسّعي الايراني الذي يلتقي مع التطرّف السنّي في مكان ما، بل في اكثر من مكان. هذه الشجاعة، التي ابداها محمّد بن سلمان، لم تنقص دولا أخرى في المنطقة. من بين هذه الدول يأتي الأردن حيث يتحدّث كبار المسؤولين، على رأسهم الملك عبدالله الثاني، منذ سنوات عدّة عن اهمّية تطوير البرامج التعليمية كي يتمكن الشباب من اللحاق بالثورة الصناعية بدل البقاء في اسر الفكر الانغلاقي وفكر "القاعدة" و"داعش" وما شابههما.

يبقى انّ بين النقاط المضيئة في الزيارة ما صدر عن البيت الأبيض في شأن اليمن وضرورة التوصل الى "حل سياسي لتلبية حاجات الشعب اليمني". ترافق ذلك مع "بحث الرئيس الاميركي ووليّ العهد السعودي في الخطر الذي يشكلّه الحوثيون على المنطقة بمساعدة الحرس الثوري (الايراني)".

أخيرا، اعترفت الولايات المتحدة بوجود مشكلة اسمها "الحوثيون". هناك بداية وعي أميركي للأسباب التي حملت المملكة العربية السعودية مع شركائها في التحالف العربي على شنّ "عاصفة الحزم". هذه حرب دفاعية قبل ايّ شيء آخر فرضت فرضا على المملكة وحلفائها.

كان الموقف الاميركي المتذبذب في اليمن من بين الأسباب التي ادّت الى الوضع الراهن. رفض الاميركيون في السنوات الأخيرة، خصوصا منذ الحرب الاولى التي خاضها الرئيس علي عبدالله صالح مع الحوثيين في العام 2004، استيعاب "الخطر الحوثي". لم يرد الاميركيون في ايّ وقت رؤية هذا الخطر ومدى التورط الايراني المباشر وغير المباشر في ما يدور في اليمن. أرادوا رؤية شيء واحد في اليمن. هذا الشيء هو "القاعدة" التي نفّذت الهجوم على المدمّرة "كول" في ميناء عدن في العام 2000. في الواقع، لم يرد الاميركيون حتّى فهم العلاقة بين "القاعدة" والاخوان المسلمين في اليمن. كانت المسألة في غاية التعقيد بالنسبة اليهم، خصوصا ان الحوثيين استفادوا في الحروب الست التي خاضوها مع علي عبدالله صالح، وكانت آخرها في العام 2010، من علاقة من تحت الطاولة مع الاخوان المسلمين. لعب وجود الاخوان المسلمين، عبر حزب الإصلاح (التجمّع اليمني للإصلاح)، دورا مهمّا في تأجيج الحزازات المذهبية في الشمال اليمني، لاسيّما في صعدة وعمران. أراد الإصلاح إيجاد موطئ قدم في مناطق زيدية مستفيدا في مرحلة معيّنة من النفوذ القبلي للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذي لعب دورا إيجابيا الى حدّ كبير على الصعيد الوطني، الى ان وافته المنية في أواخر العام 2007. لكنّ ما تبيّن بعد رحيل الشيخ عبدالله ان الاخوان المسلمين، كتنظيم وحزب منظّم ومنضبط، استطاعوا وراثته ووراثة حزبه ووضع يدهم عليه.

لم يخض الاخوان المسلمون الحروب مع الحوثيين الذين صاروا يعرفون الآن بـ"انصار الله" بنيّة صافية. كانت الالوية والفرقة التابعة لهم في الجيش اليمني تتعمّد تفادي الحسم في أي موقع من المواقع. كان بحثهم الدائم عن كيفية الاستفادة من هذه الحروب لاضعاف علي عبدالله صالح.

كانوا يخزنون السلاح في مناطق مختلفة من اليمن استعدادا لليوم الذي سينقضون فيه على الرجل الذي حكم اليمن من صيف العام 1978 الى الثاني عشر من شباط – فبراير 2012 عندما سلّم السلطة الى نائب الرئيس عبد ربّه منصور هادي. صار عبد ربّه يومذاك رئيسا انتقاليا. مضت ست سنوات على يوم توليه السلطة. حصر الرئيس الانتقالي كلّ همّه طوال تلك السنوات، بدعم اخواني، في كيفية تصفية حسابات قديمة مع من كان رئيسه بدل التصدّي للحوثيين ولمن يقفون خلفهم ومعالجة الأسباب التي تحول دون حصول حسم عسكري على الأرض.

للمرّة الاولى، يبدر كلام أميركي واضح عن "الخطر الحوثي". يربط هذا الكلام الحوثيين بـ"الحرس الثوري" الايراني. بات هناك ادراك أميركي لابعاد ما يدور في اليمن وتأثيره على الامن الإقليمي. السؤال الان، في ضوء الزيارة التي يقوم بها وليّ العهد السعودي، كيف ستكون ترجمة هذا الكلام؟

ربط محمّد بن سلمان عناصر التطرّف ببعضها البعض. ربط بين الاخوان المسلمين وما فعلوه في المجتمعات العربية، خصوصا في الداخل السعودي، بما قامت وما تزال تقوم به ايران منذ قيام "الجمهورية الإسلامية" التي اسّسها آية الله الخميني في العام 1979.

عاجلا ام آجلا، لا بد من ظهور نتائج ما على الأرض. لا يمكن حصول مثل هذا التغيير الجذري في النظرة الاميركية للمنطقة من دون ترجمة لها. ليس منطقيا ان يظلّ التغيير الاميركي مجرّد كلام ونظريات. صحيح ان الوضع اليمني في غاية التعقيد، لكنّ الصحيح أيضا انّ هناك قناعة بانّ شيئا ما سيحدث. هذه الإدارة اكثر من جدّية في بلورة سياسة مختلفة تجاه ايران. يدل على ذلك القرار الذي اتخذه دونالد ترامب والقاضي باستبدال وزير الخارجية ركس تيلرسون.

لم يكن تيلرسون سوى من بقايا إدارة باراك أوباما في إدارة دونالد ترامب. اختزل اوباما كلّ مشاكل المنطقة وازماتها بالملف النووي الايراني. لا شكّ ان الشعب السوري كان من ضحايا تلك النظرة الاوبامية الى الشرق الاوسط. كانت لدى الرئيس الاميركي السابق نظرة تنمّ عن قصور وجهل كبيرين في أمور المنطقة. شملت هذه النظرة ما كان يجري في اليمن الذي تحوّل، من وجهة نظره، الى بلد من البلدان التي يجب تفادي ازعاج ايران فيها.

المهمّ الآن انّ دونالد ترامب ذهب الى ابعد ما يمكن تصورّه في بلورة سياسة جديدة تجاه ايران. كان افضل تعبير عن ذلك رسالة الرئيس الاميركي الى الايرانيين في مناسبة "النوروز" وهو حلول السنة الجديدة في ايران. قال بالحرف الواحد ان "الحرس الثوري ليس سوى جيش معاد يقمع الشعب الايراني ويسرق منه لتمويل الإرهاب في الخارج".

مرّة أخرى، هل يبقى هذا الكلام كلاما، ام يتحوّل الى أفعال، خصوصا بعد الجولة الاميركية لمحمّد بن سلمان؟ هل جعل وليّ العهد السعودي اميركا تكتشف ما يدور في اليمن فعلا؟