العراق.. المرشحات والعشائر والكيانات المذهبية

نساء ضد حقوق النساء حسب الحزب الإسلامي والتكتل الانتخابي

لم يكن النضال الذي خاضته النساء في كل مكان بالعالم وعلى نحو متصاعد ضد الهيمنة الذكورية ليجري عبثاً أو عن الهوى. فقد كان ولا يزال هناك الكثير من المبررات الموضوعية والذاتية للتمرد والثورة. ولهذا ظهرت حركات وبرزت شخصيات من الجنسين تدعو إلى تحرير المرأة وتمكينها. وسرعان ما أضطرت حكومات ومؤسسات وطنية ودولية لدعم مسيرة النضال هذه ليس لتحرير المرأة فقط وإنّما لتحرير الرجل أيضاً. فالهيمنة الأحادية تبقى ناقصة وتسجّل ظلماً وإجحافاً بحق الطرف الآخر، وإنْ تسلحت بالعلم والمعرفة والإنجاز. بل إنّ هناك من حذر من الهيمنة البديلة للنساء افتراضاً وهذا تحذير مشروع أدى إلى تطوير مفردات جديدة لعّل من أبرزها"الجندرية"التي تعنى بالقضية كقضية وليس بطرف على حساب طرف، وإنْ كان لا يزال هناك الكثير من المبررات لنقد الذكورية والتحذير من أشكالها المتجددة وقدرتها على تعزيز هيمنتها. ناهيك عن حقيقة أنّ النساء لم يعدن ليمثلن كتلة متماسكة بل هن كتل وشرائح وجماعات بحسب خلفياتهن الطبقية والتعليمية والمهنية المتنوعة..إلخ.

كما لم يعد صحيحاً القول، إنّ النساء يعادين النساء هكذا بلا مبرر. بل إنّ هناك الكثير من المبررات التي تسهم بتشتيت الجهود والإمكانات التي تضطر إلى اتخاذ مواقف سلبية غير داعمة من قبل نساء ضد نساء. فكيف لناخبات يدعمن مرشحة تلبس لباس المدنية والتحرر وتتكلم بـ"قوة"المرأة وقد ارتضت الدخول تحت عباءة كتلة معروفة بمواقفها المعادية للمرأة كما يتضح من خلال مشروعات قوانين أحوال شخصية قدمتها في الدورة النيابية السابقة استهدفت التلاعب بمكتسبات حققتها المرأة بعد نضالات وتضحيات كبيرة.

كيف تدعم المرأة مرشحة لا همّ لها إلا الدفاع عن واقع الحال بسبب ترشحها من خلال كتلة ترفع شعار محاربة الفساد بينما تضمّ في قائمة مرشحيها أشخاصاً ضالعين بالفساد ويكوّنون جزءاً حيوياً منه. وكيف بدعم مرشحة تظهر الجزع من مواجهة صاحبة مشروع"تزويج الرجال"، بحجة أنّه لا يستحق الرد في الوقت الذي أثار فيه هذا المشروع جدلاً اجتماعياً خطيراً سلّط الضوء على الكثير من الخلط والتسطيح والتبسيط لمعالجة قضايا الفقر والإزدراء لحقوق الإنسان. وليس هذا فقط بل إنّ مرشحة محسوبة على التيار المدني التحرري تكشف بلا تردد رغبتها بالوصول إلى مجلس النواب للعمل"في السياسة"وإنْ كان تحت عباءة كتلة كبيرة يضمن نظام الانتخابات فوزها مبررة ذلك بالرغبة المجردة للـ"وصول". وهناك نموذج المرشحة المستعجلة التي تكتفي بالحضور وتقديم نفسها لمغادرة القاعة بسبب بعد محل سكنها!. وكيف الثقة والدعم لمرشحة ترى إنّ ظهور نتوءات معادية لقضايا المرأة مسألة يصعب التكهن بها. ألا يجدر بالكتلة والقائمين عليها والهيئة السياسية التي يعملون في ضوء استشاراتها التعرف على التوجهات النظرية والفكرية للمرشح أو المرشحة من خلال اختبارات أولية ومناظرات معلنة للحيلولة دون السماح بنفاذ شخصيات نسائية يسهل التلاعب بآرائهن ومواقفهن بعد الوصول إلى قبة مجلس النواب ليكنّ أدوات قابلة للاستخدام بسهولة.

جرى كل هذا في تجمع انتخابي على هامش مسار كهرمانة لتعزيز مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار السياسي والمدني بإشراف منظمة تموز للتنمية الاجتماعية السبت الماضي، والذي خصّص لمناقشة واستكشاف مواقف عدد من الكتل السياسية بخصوص قضايا المرأة في البرامج الانتخابية. يذكر إنّ الكتل التي حضرت التجمع بمندوبات مرشحات هي، النصر وتيار الحكمة وسائرون بشقيّه"الاستقامة"و"الحزب الشيوعي العراقي"واتحاد القوى وكتلة القرار.

ومع أنّ المرشحات أعطين وقتاً كافياً لتقديم أنفسهن في التجمع المذكور، لم تميّز مرشحة واحدة نفسها من خلال خطاب يعبّر عن أهدافها ونظرتها، بل كنّ أكثر التصاقاً بالكتل التي يمثلنها وإتكاءً عليها. مرشحات دافعن عن مسيرتهن الوظيفية وتباهين بشهاداتهن المجردة وردائهن التقليدي. بالحقيقة بدت مطالبة بعض منظمات المجتمع المدني بتكوين"كتلة نسوية"عابرة للكتل والأحزاب بمختلف توجهاتها داخل مجلس النواب بعد الفوز بعيدة جداً. كما بدا الاعتماد على هؤلاء المرشحات لتحقيق فورة أو قفزة ما أمراً مستبعداً. واتضح أيضاً، أنّ تعبئة أعداد كبيرة من النساء في مرحلة الترشيح يظهر وكأنّه لا يزيد على أنْ يكون محاولة لامتصاص زخم التذمر واليأس التي تشيع في البلاد.

من جانب آخر، تنقل وسائل التواصل الاجتماعي صوراً كارثية لنساء اقتحمن المضايف وجلسن في صدر المجلس لتحشيد رجال العشائر لاعتقادهن كما يبدو بامتلاك ما يكفي من الذكاء والقوة التي تمكنهن من كسب هؤلاء الرجال. فات هؤلاء المرشحات الطامحات إلى الفوز بأيّ ثمن كان النظر في الطبيعة البراغماتية لرجال العشائر ممن يسعون إلى تحويلهن إلى أدوات سهلة الاستعمال، وطيّعة لتلقي التوجيهات والتعليمات.

من جانب آخر، يبدو من مسار الحملات الانتخابية الحالية، أنّ هناك مساعي حثيثة للدفاع عن واقع الحال وتبريره كما في الاستشهاد بدور النساء النواب بالاستجوابات من دون إدراك، أنّ اختزال عمل مجلس النواب بالاستجوابات بحد ذاته، صار مثلبة وليس مكسباً، حيث تحوّل العضو المستجوِب من خلاله إلى محقق وليس نائباً يتقدم بتساؤلات مسؤولة للمكاشفة والعمل معاً لمعالجة الخلل والإشكالات وليس التصرف وفق نزعة بيروقراطية مريضة تقوم على الترصد وتجميع الأخطاء.

مما يؤسف له أنْ تظهر تجارب الواقع في ظل الحراك السياسي الجاري في العراق، أنّ نموذج المرأة الواضحة والمقروءة يتنازل بدرجة مخيفة. كما تعرضت مشاركة النساء في العملية السياسية بعد 2003 وبالاستفادة من"الكوتا"أو الحصة إلى انتقادات حادة بسبب اكتفاء الغالبية العظمى منهن بالمشاركة السلبية التي لم تزد على الحضور والالتزام بقواعد الجلسات والمشاركة في عضوية اللجان وتزعم الاستجوابات. يشير كل هذا إلى أنّه لم تحصل بعد الاستفادة من دروس الماضي بل وينبئ مستوى الأداء الحالي بذات المستوى المخيّب للآمال إنْ لم يتنافس معه نحو مزيد من الانحدار.

من جانب آخر، لم تخف بعض المرشحات في تجمعات انتخابية أخرى رغبتهن المجردة بالوصول إلى قبة البرلمان باسم"حب العمل بالسياسة"، أو التعبير عن الرغبة بالفوز"من أجلكم وليس من أجلي أنا"!. وضجّت وسائل التواصل الاجتماعي، بصور وفيديوهات تعرض لمرشحات يحضرن على انفراد تجمعات عشائرية مضى أحدها إلى أنْ يلبس المرشحة "هدى سجاد" العقال والعباءة والكوفية بطريقة تظهر أنّ هؤلاء المرشحات يعتقدن بذكائهن الفطري أنّهن يمكن أنْ يستخدمن دعم العشائر التي تستضيفهن أو ينسقن للعمل معها. وتفترض د. شذى العبوسي مستشارة السيد رئيس مجلس النواب الحالي د. سليم الجبوري، أنّ خلو بعض اللجان النيابية من عضوية النساء دليل على الرغبة بالاستمرار في ممارسة الفساد المالي والإداري، وكأنّ النساء المشتغلات في هذا المجال ملائكة. يتداول كثير من العراقيين أسماء نسائية لم تفعل غير أنْ تكون ضالعة في مثل هذا الأداء المروع.

سيكون لزاماً على هؤلاء المرشحات ألا يستغفلن البعض من الناشطين والمتحمسين والمؤمنين بدور المرأة من الذكور والإناث ممن يروجون للنساء من حيث المبدأ وممن بدأت ملامح الخيبة تظهر في تعليقاتهم وتحليلاتهم نتيجة اتضاح مقدار الخلل المتوقع من مرشحات ليس لديهن ما يقدمنه. لم يعد كافياً التعكز على شهادة أكاديمية في مجالات علمية بعيدة عن ميدان العمل في مجلس نواب يختص ببلورة القوانين اللازمة لتسهيل حياة الناس كما في اللغة العربية والجغرافيا واللغات وطب الأسنان وعلم الأحياء والإعلام والاجتماع.

هذه اختصاصات علمية مهمة يستطيع المتضلعون فيها أنْ يعملوا في لجان ومكاتب استشارية متنوعة. ولكنّ هذه الاختصاصات بحد ذاتها ليست الأحوج إليها في مجلس النواب بالمقارنة مع مختصين في علم القانون والهندسة والسياسة والاقتصاد والمحاسبة وإدارة الأعمال. وهناك المتعكزات على عنوان وظيفي يتحلل على الفور من خلال النظر في الكتلة أو الجماعة التي يعملن في معيتها. لا يتوقع على سبيل المثال، أنْ تصبح كتلة تيار الحكمة مدنية تقدمية على حين غرّة. ويستبعد أنْ يمضي تحالف النصر إلى أبعد من سك الوعود التطمينية العامة للمواطنين. وقد لا ينتظر الكثير من مرشحة تدّعي التقدمية وهي تتعاون مع كتلة ذات مرجعية دينية مذهبية معروفة. ويلبس اتحاد القوى لباس المدني والوطني من خلال الوقوف خلف مفهومات المواطنة، فيما يخرّج نائبة ترفع شعار"تزويج الرجال". اذا كنت ذكراً في الثلاثين من العمر، متزوج وترغب بزوجة أخرى، تفضل، سأمدّ يد العون لك بسلفة أو منحة لتزويجك! مع ذلك قد تكون صاحبة برنامج"تزويج الرجال"الأكثر وضوحاً بالمقارنة مع المرشحات الأخريات ممن يتلفعن بأكثر من حجاب وجدار صد.

ستتمكن المرشحات المؤمنات بدورهن في العملية السياسية والنيابية على وجه التعيين أنْ يكسبن ثقة واحترام الناس جميعاً رجالاً ونساءً عندما يقدمن أنفسهن ليس كمتكلمات لبقات أو سيدات محترمات فقط، وإنّما عضوات مؤهلات لتقديم مقترحات قوانين تعبّر عن رؤية وهدف ولا تتطلع إلى فوز ومنصب مجرد. سيكون مفيداً الظهور بمظهر حسن من حيث الفكرة والاستعداد لخدمة المواطن والتوفر لمخاطبته بصورة مباشرة وبدون وساطات أو مجرد المشاركة في نشاطات شكلية مهيأ لها بعناية.

لاهاي عبد الحسين

كاتبة وأكاديمية عراقية