رحلة في أوروبا.. الإسلام والهجرة والهوية

البحث عن ماضٍ مشترك يساعد على التعايش

في عام 2013، دُعي أكبر أحمد، وهو باحث إسلامي والمفوض السامي السابق لباكستان في بريطانيا وأيرلندا، ليلقي خطبة في أحد المساجد بأثينا. لكنه تفاجأ مما رآه هناك، فالمنشأة التي ألقى فيها خطبته لم تكن داراً مخصصة للعبادة، وإنما مكاناً تحت الأرض مخصصاً لوقوف السيارات، بمظهر لا يليق، وأسقف منخفضة، وأجواء كئيبة. وعلم أحمد أنه في أرجاء أثينا، لم يكن هناك مسجد بُني خصيصاً كدار للعبادة خدمة للمجتمع المسلم. ودفعه ذلك إلى التساؤل: إذا كانت هذه هي الظروف التي يؤدي فيها مئات آلاف المسلمين عبادتهم، فكيف يعيشون ويعملون؟

قال أحمد في كتابه الجديد «رحلة في أوروبا: الإسلام والهجرة والهوية»: «إن أولئك الرجال ليس لديهم شيء ليخسروه، ويمكنني أن أتخيل استعداداً لتحول حالة اليأس الشديد بينهم إلى سلوكيات غير متوقعة». وأضاف: «شعرت بأن ذلك الوضع عبارة عن قنبلة موقوتة في أوروبا». وقد فاقمت الأوضاع السياسية من التوتر، فقبل خمسة أعوام، كان الناخبون قد بدؤوا يتجهون بالفعل إلى السياسيين من اليمين المتطرف، الذين أعربوا صراحة عن كراهيتهم للمهاجرين والمسلمين. وأما الآن، فقد أصبحت أراؤهم شائعة.

يشكل كتاب «رحلة في أوروبا» محاولة لتفسير كيف وصلت العلاقات بين الدول الأوروبية ومجتمعاتها المسلمة إلى حد الجفاء الشديد، وما هي الإجراءات اللازمة لتحسينها من جديد.

كتاب أحمد هو نتاج أبحاث ارتكزت في معظمها على جولة استماع عكف عليها مع فريق من الباحثين بين عامي 2013 و2017. فحاوروا أئمة وقادة للمجتمعات المسلمة ونشطاء وأشخاص عاديين في أرجاء القارة الأوروبية، وسألوهم عن التحديات التي تواجه المسلمين الأوروبيين في الوقت الراهن.

بالطبع، تبدو نتائجهم مروّعة بصورة متوقعة، ففي أنحاء القارة الأوروبية، ثمة شعور بين المسلمين بالتهميش، والخضوع لصور نمطية سلبية، والمنع من التقدم المهني بسبب خلفياتهم. ورغم تعدد خبراتهم، فإنهم في نهاية المآل يتعرضون لتصنيفات تخلط بين الإرهابيين والمسلمين والمهاجرين والعرب والأفارقة، بحسب أحد علماء النفس البريطانيين، الذي أكد أنه يتم الخلط أيضاً بين المهاجرين الجدد ممن ليست لديهم أية مؤهلات لغوية وبين طلاب الدكتوراه من الجيل الثاني أصحاب أعلى المؤهلات. وأضاف: «إننا في حالة يأس كوني».

وأشار أحمد إلى أن كثيراً من أنماط التمييز متجذرة في الموروثات الاستعمارية التي تتنوع بحسب كل دولة، ففي تقديره يعتبر الباكستانيون في بريطانيا أفضل اندماجاً، على حد قوله، من المواطنين الفرنسيين من أصول جزائرية ومغربية في فرنسا.

يوثّق أحمد كيف أن المجتمعات المسلمة في الغرب تعزز صوراً نمطية سلبية، فالمهاجرون يجلبون معهم خلافات عرقية وطائفية لا تبدو منطقية في أوروبا، لدرجة أن فريق الباحثين التابع للمؤلف تعرض لملاحقة أمام أحد المساجد في إنجلترا، من قبل بعض المراهقين العدوانيين. ويؤكد المؤلف: «إن ما حدث هناك يعكس المعضلة الحالية للمجتمع المسلم الأوروبي المعاصر المتمثلة في الشباب الغاضب عالي الصوت، والقضايا المستفحلة المرتبطة بالهجرة وتكرار أعمال العنف والإرهاب، التي ألهمها تنظيم (داعش)، وصعود اليمين المتطرف وتصريحاته الخطيرة التي تنطوي على كراهية دينية، وانتشار الإسلاموفوبيا».

لم يقض أحمد سوى قليل من الوقت يحلل دور الأوضاع الاقتصادية في استفحال تلك النزعات المعادية للأجانب، كما أنه لا يقارن مصائر المسلمين مع المهاجرين الآخرين مثل العمال البولنديين في إنجلترا، على سبيل المثال. وتبدو دراسته بحثاً إثنوغرافياً أكثر منه دراسة سياسية. ولم ينس أحمد تذكير المجتمع الغربي بالإسهامات الفلسفية والعلمية والثقافية الهائلة التي أفاد بها المسلمون أوروبا على مر العصور.

لعل أبرز ملاحظات الكتاب لا تتعلق بالمسلمين، وإنما بالأوروبيين البيض الذين يعانون من أجل التوفيق بين وجود من يعتبرونهم غرباء وفكرة هويتهم. ويكشف أحمد بمهارة مدى تجذر الهويات الأوروبية المتعصبة أثناء فترات التغير السريع والاضطرابات، ومدى تمركز تلك المفاهيم الإقصائية. ويقتبس المؤلف حله لهذه المشكلة من الماضي، فيأمل أن يتمكن الأوربيون من تكوين هويّات مختلطة جديدة تُوسّع معايير من ينتمون إليها.

والرسالة الجوهرية لـ«رحلة في أوروبا» هي أنه على مرّ التاريخ لم تكن الحضارات الأوروبية والإسلامية متناغمة فحسب، لكنها كانت أيضاً متكاملة. ومن المهم الإقرار بماضيهم المشترك من أجل نبذ التعصب المتجدد في الوقت الراهن.

من الناحية الفكرية، قد يصعب الجدل مع نتائجه، لكن منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أضحت التصورات الشعبية عن المسلمين في الغرب مبنية على العاطفة وليست على الحقائق أو المنطق، وهو ما يجعل من الصعب تصور كيف أن هذا الكتاب يمكن أن يغير رأي أحد في الغرب.

وائل بدران

الكتاب: رحلة في أوروبا الإسلام والهجرة والهوية