المالكي مبحرا بسفينة نوح

كان أنصار رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي قد لقبوه بـ"مختار العصر" في إشارة إلى المختار بن ابي عبدالله الثقفي الذي طالب بدم الامام الحسين وقتل عددا من قتلته ورفع شعار "يا لثارات الحسين". وهو الشعار عينه الذي رفعه المالكي في وجه العراقيين من أتباع المذهب السني.

أتباع مختار العصر كانوا من طينته الطائفية نفسها فكان ذلك اللقب إشارة إلى الدور الذي لعبه الرجل في الحرب الأهلية التي شهدها العراق بين عامي 2006 و2007 وكان يومها في عهده الأول رئيسا للوزراء. لقد قُتل يومها الكثير من أبناء الشعب على الهوية الطائفية وكان ذلك إيذانا ببدء عمليات التهجير والنزوح وإقامة مناطق العزل الطائفي في بغداد.

يومها سيجت مناطق ذات أغلبية سنية في بغداد بجدران كونكريتية هي اشبه بالجدار الذي شيدته إسرائيل ليفصل بينها وبين المدن التابعة للسلطة الفلسطينية.

كان مختار العصر ضروريا لأتباعه وأنصاره لأنه فتح لهم خزائن العراق ووضع ثروة الشعب بين أيديهم التي تفننت في اختراع سبل وأساليب للفساد لم يكن في إمكان الخيال البشري مهما بلغ به التهتك والفجور أن يصل إليها.

لقد بلغ الفساد في عهدي حكم المالكي ذروة غير مسبوقة على المستوى العالمي وهو ما دفع بالعراق إلى احتلال المرتبة الأولى في الدول الأكثر فسادا في العالم. وقد وصف مختصون ذلك الفساد بأنه ظاهرة تاريخية لم تقع منذ أن وطأت قدما آدم الأرض.

لقد صنع مختار العصر إذاً معجزته التي ستبقيه خالدا.

لن يتذكر العراقيون دمارهم وخرابهم وانهيار قيمهم الأخلاقية وتشردهم وتمزق نسيجهم الاجتماعي وفقرهم إلا مشفوعا بذكر المالكي. الرجل الذي صنع من مستفيدين من نظام الرعاية الاجتماعية في دول اللجوء الأوروبي أباطرة مال ومالكي عقارات في مختلف أنحاء العالم.

قامت معجزة المالكي في جزء منها على مناقصات يهرب الرابحون بها بالأموال المخصصة للبناء من غير أن يبنوا شيئا يذكر. أما الجزء الأكبر والثابت من تلك المعجزة فإنه يكمن في استنزاف ميزانية الدولة من خلال رواتب شهرية تذهب إلى حسابات موظفين وعسكريين ورجل شرطة فضائيين لا وجود لهم ومتقاعدين لم يخدموا في الدولة العراقية يوما واحدا بل أن البعض منهم لم يقم في العراق منذ أكثر من أربعين سنة وسجناء سابقين كانوا في حقيقتهم مجرد قطاع طرق ولصوص ولاجئين في دول العالم الحر لا يزالون ينعمون برعاية الضمان الاجتماعي في البلدان التي لجأوا إليها.

ولهذا فإن ما فعله المالكي في عهديه اللذين انتهيا بتسليم الموصل لعصابة داعش بعد هزيمة الجيش العراقي في معركة لم تقع سيمتد أثره السيء إلى المستقبل ولن يتمكن أحد، مهما بلغت نزاهته أن يمحو ذلك الأثر.

لذلك يحق للمالكي اليوم أن يضع صورته على سفينة نوح مبحرا بها من جديد باعتباره منقذا.

فالعراق الجديد هو سفينته التي أنقذ من خلالها أعضاء حزب الدعوة من الفقر والحاجة وحملهم إلى حياة لم يكن يحلمون بثرائها.

المالكي حسب الدعابة الانتخابية الحالية هو نوح العراق الجديد. وهو توصيف فيه قدر كبير من الحقيقة.

لقد حملت سفينته اللصوص وقطاع الطرق والأفاقين والمهربين والمزورين والمتاجرين بالطقوس الدينية وسماسرة الصفقات المشبوهة بكل ما وصلت إليه أياديهم من أموال إلى ضفة الأمان فيما تُرك الشعب العراقي غارقا في فقره وجهله وضعفه واضطرابه وتلفته وتمزقه وطائفيته وحيرته وتخلفه وانسداد الآفاق أمامه وحاضره المعتم.

يحق للمالكي أن يزعم أنه فعل ما فعله نوح في أيامه.

لقد نجا بالمؤمنين به من الهلاك حاملا معهم ثروات العراق المنهوبة.

فهل من طوفان جديد يخطط المالكي لقيامه من أجل أن يبتلع مَن تبقى من العراقيين ولم يصبه الهلاك وما تبقى من ثروات العراق تحت الأرض؟

من وجهة نظري فإن ظهور المالكي مبحرا بسفينة نوح الجديدة هو نذير شؤم ينبغي على العراقيين أن ينظروا إليه بطريقة جادة وعليهم أن يحتاطوا لما سيجره عليهم ذلك التحول من ويلات وكوارث.