أبوظبي المحطة الأولى لمعرض زيمون

الفنان السويسري يرسم تجربة طبيعية فريدة تستحضر مجموعة من الذكريات المادية الملموسة للأصوات الطبيعية التي تهمس بصوت المطر أو العواصف الرملية أو الرياح.
زيمون أحد أبرز الفنانين الذين يبدعون تجارب حسية غامرة تحلّق بعيداً عن كل ما هو مألوف
الفنان السويسري يبتكر إيحاءات فوضوية من خلال مجموعة من الأنظمة التركيبية المتناسقة

احتضنت أبوظبي المحطة الأولى لإبداعات الفنان السويسري المشهور زيمون في منطقة الخليج العربي، حيث افتتحت هذه الإبداعات أخيرا معرض رواق الفن، المتحف الأكاديمي في جامعة نيويورك أبوظبي لموسم الربيع، والذي تتولى مايا أليسون، رئيسة القيّمين الفنيين في جامعة نيويورك أبوظبي والمدير التنفيذي لرواق الفن، مهام التقييم الفني له. 
وضم معرض زيمون خمسة أعمال إبداعية تجمع بين المجسّمات البصرية والصوتية، وتضمنت ابتكاراً جديداً بحجم الغرفة، تمثل في تفعيل غرفة القراءة الخاصة برواق الفن من خلال كتابات متعددة المصادر من مشروع "ليروم"، ويعني "الفضاء الخالي"، وهو مبادرة للتسجيل الموسيقي ساهم في إطلاقها الفنان زيمون، ويقوم بإنتاج مشاريع موسيقية تجريبية على أسطوانات عادية أو مدمجة ومطبوعات ومواد صوتية متنوعة، حيث نجح بعرض ما يقارب 100 عمل إبداعي لحوالي 50 فناناً ومصمماً عالمياً، ما يؤكّد من جديد على الطبيعة الغامرة والملامح الاستثنائية لأعمال هذا الفنان السويسري. 
أما الأعمال الأربعة الأخرى فتشكل إبداعات خاصة من مجسمّات سابقة للفنان تم تخصيصها لتناسب موقع العرض، وإضافة قيمة إلى المعرض. ويشتهر زيمون بإبداعه لتجارب حسية غامرة بعيداً عن كل ما هو مألوف؛ حيث يحتوي كل عملٍ في جوهره على وحدة أساسية مستوحاة من الأغراض المستخدمة يومياً، مثل محرك وكرة قطنية وصندوق كرتوني، والتي يقوم زيمون بتركيبها بكميات كبيرة لتملأ مساحة العرض.
يعد زيمون أحد أبرز الفنانين الذين يبدعون تجارب حسية غامرة تحلّق بعيداً عن كل ما هو مألوف، وذلك باستعمال محركات صوتية متناظرة تتصل مع أدوات وظيفية متنوعة كالعصي الخشبية وصناديق الكرتون وأوراق القصدير. ويأتي الصوت الصادر عن مجسّماته من الحركات البسيطة لمختلف العناصر المكوّنة لها.

ويبتكر الفنان السويسري إيحاءات فوضوية من خلال مجموعة من الأنظمة التركيبية المتناسقة، ليستكشف في أعماله عناصر فريدة من علم الأحياء والهندسة والموسيقى والصوت وفن التركيب والإنشاء. وتدفع أعماله زوارها لدى توجههم لإحدى المنحوتات الميكانيكية البسيطة إلى ملاحظة مشهدٍ صوتي وبصري ساحر لا مثيل له، يرسم على الفور تجربة طبيعية فريدة تستحضر مجموعة من الذكريات المادية الملموسة للأصوات الطبيعية التي تهمس بصوت المطر أو العواصف الرملية أو الرياح.
وقد قام رواق الفن بتكليف الفنان بعملٍ فني جديد مؤلف من 510 محركا يعمل بالتيار الثابت، وحبل بطول 2,142 متراً وأعواد خشبية بطول 20 سنتيمتراً لكل منها. ويشغل هذا المجسّم المساحة المركزية للمعرض بالكامل بعمق 20 متراً. وسوف يتم حوله تركيب 5 أعمالٍ أخرى، مخصصة لتناسب الموقع، يمثل كل واحدٍ منها تطوراً كبيراً عن الأعمال السابقة.
ويستخدم عمل 37 محركاً يعمل بالتيار الثابت، 85 متراً من الحبل، حلقات من الصلب سُمك 40 مم، نظاماً ميكانيكياً بسيطاً لتحريك ستارة مصنوعة من الخيوط والحلقات المعدنية، وهو مثبت على الجدار. أما العمل الثاني "192 محرّكاً يعمل بالتيّار الثابت، عِصيّ خشبية 2.4 متر" فهو يضم أعواداً خشبية آلية مُثبتة على جدار في ممر طويل ضمن المعرض؛ وهو نسخة من عملٍ سبق عرضه في متحف الفن المعاصر بمدينة سانتياغو في تشيلي. أما العمل الثالث، فهو بعنوان "269 محركاً يعمل بالتيار الثابت، كرات قطنية، صناديق من الورق المقوى 60 ×60 × 60 سم" ويصل ارتفاعه إلى 10 أمتار في منطقة ردهة الأتريوم في المعرض، إذ يمثل هذا العمل برجاً دائرياً مصنوعاً من الصناديق الكرتونية والتي تنتشر حولها كرات القطن. ويعد هذا البرج من أعمال زيمون المميزة، وقد تم تعديله ليناسب العديد من مساحات العرض منذ عام 2013، بما في ذلك متحف الفنون الجميلة في رين (فرنسا)، ومعرض "بينالي إس تي آر بي" (ايندهوفن، هولندا)، وغيرها. 

zimoun
أحد أعمال الفنان زيمون

وأخيراً، تم تطوير عمله الذي ينسدل على شكل ستارة، والذي يضم 31 محركاً يعمل بالتيار المستمر وحبلاً بطول 31 متر، بالإضافة إلى أعواد خشبية بطول 19 سم، وصناديق كرتونية طول ضلعها 10 سنتيمترات. ومن خلال هذا العمل، تبدو الأعواد الخشبية الصغيرة وكأنها ترقص بشكلٍ إيقاعي في صناديق صغيرة جداً. لتركيب هذا العمل، أقام الفنان زيمون وفريق الأستوديو الخاص به لمدة أسبوعين في أبوظبي، تواصل خلالها مع مجتمع جامعة نيويورك أبوظبي والجمهور في الإمارات بشكل عام.
وتعليقاً على تجربته الأولى في دولة الإمارات، قال الفنان زيمون "خلال إقامتي هنا لتركيب الأعمال الفنية في هذا المعرض، أمضيت عطلة نهاية أسبوع رائعة وسط أجواء الصحراء العربية. ودُهشت بالهدوء والصمت، والذي نجد أنفسنا فيه مضطرين لتغيير طريقة استماعنا للعالم المحيط بنا. إن هذا النوع من الاستماع هو في الحقيقة الجانب الأساسي الذي يتمحور حوله عملي، رغم أن أعمالي التركيبية تقوم للمفارقة بإصدار الأصوات".
وأكد أنه يسعى من خلال أعماله إلى استكشاف أنظمة بسيطة تتضمن العديد من التفاصيل المعقّدة في مجال الصوت والحركة. "فعبر الأنظمة الميكانيكية الابتدائية أستهدف تفعيل المواد البسيطة والعناصر الخام التي تبدأ بعد ذلك في تطوير سلوكيات معقدة، حيث يتم توليد الأصوات الصادرة عن أعمالي مباشرةً من خلال تنشيط المواد نفسها. وفي الواقع، يمكنني القول إن أعمالي الإبداعية تمثّل نوعاً من التعقيدات البدائية".
أكدت مايا أليسون أن هذا المعرض سوف يحظى باهتمام مجموعة متنوعة من الأقسام الأكاديمية ضمن جامعة نيويورك أبوظبي، بما فيها الهندسة والوسائط التفاعلية والفنون البصرية والموسيقى، كما سيبني مسارات تواصل مشتركة مع هواة الإبداع من أفراد المجتمع المحلي خاصةً العائلات والفنانين الناشئين.
وقالت "تابعت أعمال زيمون منذ ما يقارب العقد من الزمن، حيث عرض ابتكاراته في أبرز المناطق بمختلف أنحاء العالم، وفي أشهر المتاحف العالمية والمدن البارزة. ويشكّل هذا المشروع في أحد أجزائه مساراً يتماشى مع مهمتنا الأساسية في توليد المزيد من مصادر المعرفة حول الممارسات السمعية والبصرية غير المعتادة. كما نهدف إلى القيام بهذه المهمة من خلال إرفاق المعرض بما يمكن أن ندعوه كتاباً جوهرياً حافلاً بالمقالات المتعلقة بالموضوعات ذات الصلة".

وأوضحت أليسون "من خلال مشاهدتي للفنان زيمون وفريق الاستديو الخاص به أثناء تركيب الأعمال في هذا المعرض الضخم على مدى أسبوعين، إلى جانب المتدربين من الطلاب ومساعدي الفنانين المحليين، اكتسبت طاقة إيجابية عالية واستطعت بلورة فهم متعمق حول السمات المعمارية والصوتية لسائر أعماله التركيبية الفنية المتميّزة. إذ يؤكد زيمون بأن أعماله تمثل "مبانٍ بالإمكان سماع أصواتها"، ويمكننا استكشافها من خلال آذاننا تماماً كما نبصرها من خلال أعيننا. من جهة ثانية، حرص أعضاء هيئة التدريس من أقسام الهندسة والنحت والموسيقى ووسائل الإعلام التفاعلية على تشجيع الطلاب لمشاهدة عملية تركيب الأعمال الفنية، لاكتساب معرفة واسعة والتعلم من الفنان زيمون؛ خصوصاً وأننا نولي أهمية للمباني المستقبلية والأصوات التي نُعايشها في حياتنا اليومية".
وقام رواق الفن في جامعة نيويورك أبوظبي بتكليف إعداد أول كتاب موسّع حول مفاهيم وإبداعات زيمون الفنية، والذي سيشرف على تحريره الفنان زيمون شخصياً ومايا أليسون. وسيتضمّن أيضاً خمسة مقالات لباحثين دوليين، وسيتم إصداره خلال فعاليات "معرض أبوظبي الدولي للكتاب" خلال شهر أبريل/نيسان المقبل.

يعيش زيمون ويعمل في مدينة بيرن السويسرية. وقد انتشرت أعماله على المستوى العالمي، وتم عرضها ضمن أبزر المتاحف والمراكز الثقافية العالمية، مثل متحف سانتياجو للفن المعاصر في تشيلي، ومتحف "نام جون بايك" للفن الحديث في سيؤول، ومتحف كوندو في تايبيه، ومتحف رينغلينغ للفنون في فلوريدا، إضافة إلى متحف مدينة مومباي، ومتحف الفن الوطني في بكين، ومتحف لوغانو للفن والثقافة، ومتحف سيؤول للفنون، والمتحف البصري الصوتي في ساو باولو، فضلاً عن متحف كونستالا في بيرن، ومتحف تايبيه للفنون الجميلة، ومركز سونت كاتر الثقافي في باريس، ومتحف الفن المعاصر في بوسان، ومتحف الفنون الجميلة في مدينة لو لوكل، ومتحف الفنون الجميلة في بيرن. وقد ساهم زيمون في إطلاق مشروع "ليروم" ويعني "الفضاء الخالي"، وهو مشروع للتسجيل الموسيقي يقوم بإنتاج مشاريع موسيقية تجريبية على أسطوانات عادية أو مدمجة ومطبوعات ومواد صوتية متنوعة. 
ونجح زيمون من خلاله بعرض ما يقارب 100 عمل إبداعي لحوالي 50 فناناً ومصمماً عالمياً، ما يؤكّد من جديد على الطبيعة الغامرة والملامح الاستثنائية لأعمال هذا المبدع السويسري.