أربعينية قتلى زهدان تشعل حراكا شعبيا في غرب إيران

مدن في غرب إيران تدخل في إضراب عام تضامنا مع ضحايا القمع الوحشي في زهدان (جنوب شرق) التي ارتكبت فيها قوات الأمن مجزرة بحق متظاهرين.
تكتل إصلاحي يدعو إلى استفتاء في إيران للخروج من الأزمة

باريس - لا يبدو أن حملة القمع الوحشي للاحتجاجات في إيران وسقوط مئات القتلى قد أضعفت الحراك الشعبي في عدة مدن مع تمدده جغرافيا من جنوب البلاد إلى غربها، فقد تحولت أربعينية الجمعة الأسود في زهدان إلى وقود لاحتجاجات أخرى اليوم الأربعاء في الأقاليم الغربية لم يعهدها النظام في مراسم أربعينيات الحسين التي تنظم سنويا ويتدفق إليها الملايين.

وتضامنا مع ضحايا القمع الوحشي في جنوب شرق البلاد، دخلت مدن في غرب إيران في إضراب عام، ما يعكس تمدد الانتفاضة التي انطلقت في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي بعد وفاة الفتاة الإيرانية الكردية مهسا أميني على اثر احتجازها من قبل شرطة الأخلاق التي المكلف بمراقبة سلوك وضوابط ارتداء الملابس "المحتشمة".  

وأطلقت قوات الأمن النار على الاحتجاجات التي اندلعت في 30 سبتمبر/ايلول بعد صلاة الجمعة في زاهدان عاصمة إقليم سيستان بلوشستان الواقع على الحدود الجنوبية الشرقية لإيران مع باكستان.

وأسفرت الحملة على الاحتجاجات في كل أنحاء البلاد منذ وفاة مهسا أميني عن مقتل 304 أشخاص على الأقل، من بينهم 41 طفلا و24 امرأة، وفقا لإحصاء أصدرته منظمة حقوق الإنسان في إيران التي تتخذ في أوسلو مقرا.

ونشرت قناة 'تصوير 1500' على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر ناشطين يوزّعون منشورات تدعو إلى الاحتجاج الأربعاء في كل المدن بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوما على "الجمعة الدامية" في زاهدان.

وكانت تظاهرات واسعة النطاق جارية في مدن بانيه وكرمانشاه ومريفان وسنندج ومدينة سقز مسقط رأس أميني، على ما قالت منظمة 'هينكاو' لحقوق الإنسان ومقرها النرويج مشيرة إلى أن الإضراب عن العمل نظّم "تضامنا مع الضحايا في زاهدان في الذكرى الأربعين لوفاتهم". وأظهر مقطع فيديو نشره على الإنترنت ناشطون، متاجر مغلقة في سقز وزاهدان.

واندلعت أعمال العنف في زاهدان في 30 سبتمبر/ايلول بسبب أنباء عن اغتصاب مزعوم لفتاة تبلغ 15 عاما خلال احتجازها لدى الشرطة.

لكن محللين يقولون إن أقلية البلوش استلهموا من الاحتجاجات التي اندلعت بسبب وفاة مهسا أميني والتي كانت مدفوعة في البداية بحقوق المرأة، لكنها توسعت مع مرور الوقت لتشمل مظالم أخرى.

وقال الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية والسياسة العامة في جامعة تينيسي سعيد غولكار "إن تظاهرات 2022 هي نقطة التقاء للإيرانيين الغاضبين والمحبطين ولديهم نفس الهدف وهو الإطاحة بالجمهورية الإسلامية وبنظام ديني".

وأطلقت قوات الأمن النار على رجال نزلوا إلى الشوارع بعد خروجهم من مساجد عقب صلاة الجمعة، ما أسفر عن مقتل العشرات. وقالت هينكاو "ما حدث يوم الجمعة ذاك... في زاهدان، بموجب القانون الدولي، مثال واضح على القتل الجماعي للمدنيين".

وكتبت على تويتر "يجب أن تعترف المنظمات الدولية والحكومات الغربية بهذا القتل الجماعي".

وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران إن 92 متظاهرا على الأقل قتلوا في 30 سبتمبر/أيلول في زاهدان، إحدى المدن القليلة ذات الأغلبية السنية في إيران ذات الأغلبية الشيعية. ومنذ ذلك الحين، قُتل 28 شخصا على الأقل في سيستان بلوشستان.

وتُعتبر مقاطعة سيستان بلوشستان الفقيرة نقطة اشتعال لاشتباكات عصابات تهريب مخدرات ومتمردين من الأقلية البلوشية وجماعات سنية متطرفة.

ويشتكي ناشطون من أن المنطقة كانت ضحية للتمييز من جانب القيادة الدينية الشيعية في إيران، مع مقتل عدد غير متناسب من البلوش في الاشتباكات كل عام والإعدامات شنقا. وأحدثها حكم إعدام الأربعاء، فقد أعلنت السلطة القضائية الإيرانية إعدام شخصين قالت إنهما أدينا بقتل أربعة عناصر من الشرطة عام 2016 في محافظة سيستان بلوشستان (جنوب شرق).

وأفاد موقع 'ميزان أونلاين' التابع للقضاء، بأن عنصرين من جماعة جيش العدل المصنّفة "إرهابية" من قبل طهران، هما "رشيد بلوش وإسحاق آسكاني، تم إعدامهما أمس (الثلاثاء) في سجن زاهدان"، مركز المحافظة الحدودية مع أفغانستان وباكستان.

ولا يبدو أن الاحتجاجات على وفاة أميني تضعف رغم القمع الدموي وحملة الاعتقالات الجماعية التي أسفرت عن توقيف فنانين ومعارضين وصحافيين ومحامين.

وقالت منظمة 'مراسلون بلا حدود' الأربعاء إن إيران تحاول بشكل منهجي إسكات النساء من خلال توقيف عدد غير مسبوق من الصحافيات في حملتها ضد الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني.

وأوضحت المنظمة "فيما يواصل النظام الإيراني قمع الاحتجاجات التي انطلقت إثر مقتل مهسا أميني، فإن حوالي نصف الصحافيين الذين قبض عليهم أخيرا هم من النساء، من بينهن اثنتان تواجهان عقوبة الإعدام".

وأضافت في بيان "تزايد عمليات توقيف الصحافيات يكشف نية النظام الإيراني إسكات أصوات النساء بشكل منهجي"، مشيرة إلى أنه منذ اندلاع الاحتجاجات، أوقف 42 صحافيا على الأقل في كل أنحاء إيران.

وقادت نساء المسيرات ونزعن غطاء الرأس وحرقنها ورددن شعارات مناهضة للنظام وواجهن قوات الأمن في الشارع رغم حملة قمع أسفرت عن مقتل العشرات.

وتبنّت السلطات الإيرانية مجموعة من الأساليب في محاولة لقمع الاحتجاجات التي استحالت أكبر تحد للقيادة الدينية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وأطلقت القوات الأمنية النار مباشرة على متظاهرين باستخدام الذخيرة الحية وكرات الطلاء وألقت عليهم الغاز المسيل للدموع.

كما فرضت إيران قيودا على الإنترنت، بما فيها الوصول إلى إنستغرام وواتساب ونشرت حتى شرطة الخيالة في شوارع العاصمة طهران في محاولة لقمع الاحتجاجات.

واتُهم الحرس الثوري هذا الأسبوع بتهديد صحافيَين إيرانيَين يعملان في قناة "إيران إنترناشونال" التلفزيونية الناطقة بالفارسية ومقرها لندن، بالقتل.

وكتبت 'فولانت ميديا' في بيان أن الصحافيَين تلقيا "تحذيرات وتهديدات ذات مصداقية" الأمر الذي دفع شرطة لندن إلى "إبلاغ الصحافيين رسميا بأن هذه التهديدات تشكل خطرا داهما وموثوقا وكبيرا على حياتهما وأفراد أسرتيهما".

والأربعاء، حذّر وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب بريطانيا من أنها ستدفع ثمن محاولات "زعزعة الأمن" في الجمهورية الإسلامية. وذكرت وكالة 'إرنا' الرسمية أن خطيب اتهم أيضا السعودية بتمويل وسائل إعلام تدعم موجة الاضطرابات.

وفي تطور آخر دعا التكتل الرئيسي للتيار الإصلاحي في إيران الأربعاء السلطات إلى تنظيم استفتاء للخروج من الأزمة الناتجة عن الاحتجاجات التي بدأت قبل أسابيع في أعقاب وفاة أميني.

وحضت 'الجبهة الإصلاحية' السلطات على إجراء "تغييرات فورية، شجاعة ومبتكرة"تهدف إلى "بدء حوار فعال على المستوى الوطني"، وذلك في بيان منشور على موقعها الالكتروني.

وتشكّلت الجبهة في مارس/اذار 2021 على يد شخصيات مقرّبة من الرئيس السابق محمد خاتمي وتضمّ أحزابا وتشكيلات إصلاحية.

ورأت الجبهة أن "الخطوة الأولى ممكنة" استنادا للدستور خصوصا "المادة 59 منه المتعلقة بإجراء استفتاء".

ويتيح الدستور بموجب هذه المادة "إجراء الاستفتاء العام والرجوع إلى آراء الناس مباشرة بعد مصادقة ثلث أعضاء مجلس الشورى الإسلامي حول القضايا الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية والثقافية المهمة جدا".

واعتبرت الجبهة أن "القرارات الإجرائية لقادة البلاد في هذا المجال، يمكنها أن تضع حدا للأزمة بشكل عملي وتفتح الآفاق أمام المواطنين المحبطين وغير الراضين والغاضبين".