أردوغان يؤسس لدكتاتورية انتخابية تحت غطاء قانوني

خسارة اسطنبول ستؤدي إلى خسارة كبرى في حجم الأموال الموزعة على شبكات حزب العدالة والتنمية ما قد يضعف ماكينة الإسلاميين التي اشتغلت بلا هوادة طيلة 16 عاما من الهيمنة على مناحي الحياة في تركيا.

إعادة انتخابات بلدية اسطنبول رهان أردوغان المحفوف بالمخاطر
أردوغان قضى على ما تبقى من شرعية النظام الانتخابي التركي
مرشحو أحزاب معارضة صغيرة تدعم إمام أوغلو نكاية في أردوغان
لم يكن من الممكن أن يخسر أردوغان اسطنبول دون أن يحرك ساكنا

أنقرة - يراهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استعادة بلدية اسطنبول في إعادة الاقتراع في 23 يونيو/حزيران بعد أن ألغت اللجنة العليا للانتخابات النتائج السابقة استجابة لضغوط شديدة مارسها أردوغان وحزبه العدالة والتنمية تحت مسمى الطعون القانونية.

ويقول المحللون إن الجهود التي بذلها أردوغان لإلغاء نتائج الاقتراع في اسطنبول تظهر الأهمية التي يوليها لهذه المدينة التي تولى في الماضي رئاسة بلديتها، إلا أنه يجازف مرة أخرى بخسارة الانتخابات.

وأعلن مرشحو أحزاب معارضة صغيرة أنهم سينسحبون لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، نكاية بالرئيس أردوغان الذي دفع بشدّة وبكل الوسائل لإلغاء نتائج انتخابات مارس/اذار في انقلاب بغطاء قانوني على نتائج الانتخابات.

وهذا أول تحد يواجهه حزب الرئيس الذي يرفض التسليم بالهزيمة والذي يعتقد أنه لا يقبل أصلا بالهزيمة. وقد تنقلب تحركات أردوغان وحزبه وبالا عليهما ما يزيد من حالة الاضطراب التي يعيشها الحزب الإسلامي المحافظ.

أكرم إمام أوغلو الرجل الذي هزّ عرش أردوغان
أكرم إمام أوغلو الرجل الذي هزّ عرش أردوغان

ويؤكد المحللون أنه لم يكن من الممكن أن يخسر الرئيس اسطنبول دون أن يحرك ساكنا نظرا لدلالتها الرمزية. وقال إمري إردوغان الأستاذ في جامعة بيلجي في اسطنبول إن بلدية العاصمة الاقتصادية والديموغرافية للبلاد تسيطر على "موارد مالية مهمة سيعاد توزيعها" لدعم حزب العدالة والتنمية.

وبالتالي، فإن خسارة اسطنبول ستؤدي إلى "خسارة كبرى في حجم الأموال الموزعة على شبكات حزب العدالة والتنمية ما قد يضعف ماكينته" بحسب الأستاذ الجامعي الذي لا يمت بصلة قرابة للرئيس التركي.

ورحب أردوغان بقرار إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في اسطنبول كما يطالب، لكن الاقتراع الجديد سيكون محفوفا بالمخاطر بحسب المحللين في حين تبقى المعارضة مصممة أكثر من أي وقت مضى كما أن الأوضاع الاقتصادية سيئة.

وبعد عدة طعون وضغوط لأسابيع مارسها حزب أردوغان، ألغت اللجنة العليا للانتخابات الاثنين نتائج الاقتراع الذي جرى بتاريخ 31 مارس/آذار وفاز فيه أكرم إمام أوغلو من حزب الشعوب الجمهوري المعارض برئاسة بلدية اسطنبول.

وهذا القرار الذي وصفته المعارضة بـ"الانقلاب في صناديق الاقتراع" يفتح الباب أمام انتخابات جديدة في 23 يونيو/حزيران.

ويؤكد أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ أن اقتراع 31 مارس/آذار شابته "مخالفات على نطاق واسع" وهذا ما ترفضه المعارضة التي تحدثت الثلاثاء عن "مصادرة إرادة الشعب".

وفتحت النيابة العامة في اسطنبول تحقيقات عديدة وتم استجواب أكثر من 100 مسؤول عن مكاتب اقتراع وأمرت اللجنة العليا للانتخابات الإثنين بإلغاء الاقتراع السابق بحجة أن المراقبين في بعض المكاتب لم يكونوا موظفين حكوميين كما ينص القانون.

وكان مرشح المعارضة إمام أوغلو هزم مرشح حزب العدالة والتنمية رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم بفارق 13 ألف صوت. وهي نسبة ضئيلة جدا في مدينة يزيد عدد سكانها عن 15 مليون نسمة.

وقال أردوغان اليوم الثلاثاء إن يلديريم سيكون مجددا مرشح الحزب الحاكم خلال عملية الاقتراع في 23 يونيو/حزيران. وخلال الاقتراع الأول ألقى الرئيس التركي بكل ثقله في الحملة ونظم حوالي ثمانية تجمعات يوميا في اسطنبول.

أردوغان يدفع تركيا إلى أتون الفوضى ودوامة الأزمات
أردوغان يدفع تركيا إلى أتون الفوضى ودوامة الأزمات

ورغم ذلك، لا يبدو الفوز محققا بحسب محللين وهزيمة ثانية ستكون كارثية لصورة الرئيس الذي كان إلى وقت قريب عصيّ على الهزيمة، لكن الاقتراع الأول أنهى 16 عاما من سيطرته على أهمية بلدية في تركيا.

ويرى بيرك إسين الأستاذ في جامعة بيلكنت في أنقرة أنه في حال فاز يلديريم هذه المرة "سيكون فوزا منتزعا لأن إمام أوغلو فرض نفسه كمرشح قادر على توحيد المعارضة".

وبالإضافة إلى الشكوك حيال الاقتراع المقبل، قد يلقي قرار إلغاء نتيجة الانتخابات بظلاله على اقتصاد يعاني من انكماش مع تضخم نسبته 20 بالمئة وعملة تتراجع قيمتها بشكل منتظم.

والدليل على قلق الأسواق هو تخطي الليرة التركية مساء الاثنين عتبة 6 الرمزية مقابل الدولار.

وهذه هي المرة الأولى التي يطلب فيها حزب العدالة والتنمية إلغاء نتيجة اقتراع منذ وصوله إلى الحكم في 2002. وغالبا ما يؤكد أردوغان المعروف بأنه لا يهزم في الانتخابات، أن شرعيته "من الشعب".

لكن إسين يعتبر أن إلغاء نتائج انتخابات بلدية اسطنبول "قضت على ما تبقى من شرعية النظام الانتخابي التركي".

ويقول إن مصداقية الانتخابات سبق وأن تزعزعت بعد إبدال العشرات من رؤساء البلديات الأكراد في جنوب شرق البلاد بعد الانقلاب الفاشل عام 2016.

وقامت وزارة الداخلية بتعيين موظفين مكانهم من دون انتخابات. وخلال اقتراع مارس/اذار استعاد حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد معظم هذه البلديات.

وتابع إسين أن قرار اللجنة العليا للانتخابات "يعزز ما شاهدناه في المحافظات الشرقية في تركيا حيث تفقد الانتخابات معناها إذا تمكن الحزب المهزوم من إلغائها في حال عدم فوزه".