أردوغان يبحث عن ضمانات روسية لتنفيذ مخططاته بسوريا

أردوغان يطمح لإقامة منطقة آمنة يصرف إليها ملايين اللاجئين السوريين من بلاده، في إطار محاولة لتثبيت أقدامه في سوريا ضمن نزعة توسعية وإقامة قواعد عسكرية.
بعد أن أظهر نفسه كزعيم إنساني أردوغان يخطط لطرد اللاجئين السوريين من بلاده
الرئيس التركي يهدد بتصعيد وتيرة العملية العسكرية في سوريا ما لم تف أميركا بوعودها
أنقرة تستمر في تهديد الوضع الأمني في منطقة هشة
بوتين يستغل التوترات ويستميل تركيا لتعزيز نفوذه في المنطقة

سوتشي - يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مواصلة تنفيذ  مخططاته في سوريا بإنشاء منطقة آمنة بطول 444 كلم على الحدود التركية السورية بهدف إعادة إليها اللاجئين السوريين لديه، لكن توسيع هذه المنطقة يستوجب تفاهما مع روسيا.

ويأتي سعي الرئيس التركي إقامة المنطقة الآمنة أصلا، في إطار محاولة لتثبيت أقدامه في سوريا ضمن نزعة توسعية، فقد أعلن ذلك صراحة بعزمه إقامة قواعد عسكرية بالمنطقة.

كما يريد اخراج ملايين اللاجئين السوريين من بلاده، بعد أن استخدم ورقتهم في ابتزاز أوروبا ماليا وسياسيا وبعد أن وظفها للظهور كزعيم ولإظهار أنه إنساني.

وبدأ أردوغان الذي هدد باستئناف العملية العسكرية ضد القوات الكردية في سوريا اليوم الثلاثاء، إجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية.

وقال "إن تركيا وروسيا اتفقتا على انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، إلى ما بعد 30 كيلومترا من الحدود التركية ومغادرة بلدتي تل رفعت ومنبج".

وأضاف إن القوات التركية والروسية ستقومان بدوريات مشتركة في شمال سوريا في نطاق عشرة كيلومترات من الحدود"، مضيفا "أن أنقرة ستعمل أيضا مع موسكو من أجل تأمين عودة اللاجئين السوريين الموجودين حاليا في تركيا".

وتشير تصريحات الرئيس التركي إلى أن بوتين استمال تركيا مستغلا توتر علاقتها مع واشنطن، ليرسل قواته لتحل مكان القوات الأميركية المنسحبة مؤخرا من شمال سوريا.

وتسعى روسيا من خلال الاتفاق مع أردوغان على القيام بدوريات مشتركة، لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.

وكانت الولايات المتحدة قد نظمت في الـ8 من سبتمبر/أيلول الماضي دوريات عسكرية مشتركة بينها وبين الجيش التركي.

وجاء لقاء الرئيسين في منتجع سوتشي جنوب روسيا قبل بضع ساعات من انتهاء المهلة التركية لانسحاب المقاتلين الأكراد من أجزاء من سوريا بموجب اتفاق برعاية الولايات المتحدة.

وصرح الرئيس الروسي أثناء جلوسه مع نظيره التركي، قائلا "إن العلاقات الجيدة بين البلدين ستسمح لنا بإيجاد حل حتى لأصعب القضايا".

ويتمحور لقاء الرئيسين حول مستقبل العملية العسكرية التركية شمال سوريا، التي أثارت انتقادات دولية حادة لسياسات أنقرة الهدامة والمهددة للوضع الأمني في منطقة هشة أصلا.

وشن الرئيس التركي الذي يطالب بمنطقة آمنة عند حدود بلاده، عملية عسكرية بداية أكتوبر/تشرين الأول في شمال شرق سوريا على وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة "إرهابية”"، رغم تحالفها مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وعلق هذا الهجوم منذ الخميس الماضي في ضوء هدنة تفاوض عليها الأتراك والأميركيون. لكن وقف إطلاق النار مساء اليوم الثلاثاء في، حيث أكدت تركيا أنها ستستأنف هجومها إذا لم ينجز المقاتلون الأكراد انسحابهم.

وصرّح أردوغان قبل توجّهه إلى روسيا أن "اتفاق وقف إطلاق النار ينتهي اليوم، ملوحا باستئناف العملية بعزم أكبر إذا لم يتمّ احترام الوعود التي قطعها الأميركيون".

وأضاف أنه سيناقش مع بوتين الخطوات لإنهاء وجود المقاتلين الأكراد في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، فيما أكد الرئيس السوري بشار الأسد اليوم الثلاثاء، على أن معركة إدلب هي الأساس لحسم الحرب المستمرة في بلاده منذ أكثر من ثماني سنوات.

وقال الأسد وفق تصريحات نشرتها حسابات الرئاسة على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال زيارته لبلدة الهبيط جنوب محافظة إدلب، "كنا وما زلنا نقول إن معركة إدلب هي الأساس لحسم الفوضى والإرهاب في كل مناطق سوريا".

من جانبه رفض أردوغان دعوة وجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمس الاثنين إلى تمديد وقف النار.

وقال "لم اتلق اقتراحا مماثلا من ماكرون. ماكرون يلتقي الإرهابيين وقد اختار هذه الوسيلة ليبلغنا اقتراح الإرهابيين".

ويرى مراقبون أن هناك صفقة تلوح في الأفق أساسها تحجيم نفوذ الأكراد على حدود تركيا، ومنع قيام كيان كردي يكون له امتداد جغرافي بين سوريا وتركيا وإيران والعراق.

وينتشر الأكراد على حزام يمتد من شمال العراق إلى شمال شرق سوريا (الحدود الجنوبية لتركيا) وعلى الحدود بين إيران وتركيا.

العدوان التركي على وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، يمهد لعملية أساسها تحجيم نفوذ الأكراد الممتد على حزام يربط بين تركيا وسوريا والعراق وإيران

وإذا كانت موسكو أعلنت تفهمها لبعض المطالب التركية، فإنها احتوت في الواقع طموح أنقرة، مستغلة ذلك لمساندة الأسد على استعادة السيطرة على بعض المناطق التي فقدها منذ ثماني سنوات.

ويهدف بوتين أيضا من خلال احتوائه للتوغل التركي في أراضي الشمال السوري، إلى تشجيع الحوار بين دمشق والأكراد.

وفي هذا السياق استعادت قوات النظام السوري بناء على طلب كردي مناطق كانت في أيدي المقاتلين الأكراد بخلاف رغبة أنقرة.

وقال أحد مستشاري الكرملين يوري اوشاكوف أمس الاثنين ردا على سؤال عن المحادثات بين بوتين وأردوغان، "الأمر الأساسي بالنسبة إلينا هو تحقيق استقرار دائم لسوريا والمنطقة، ونرى أن ذلك ليس ممكنا إلا بإعادة وحدة أراضي سوريا".

كما قال الكرملين "إن المحادثات بين بوتين وأردوغان ستتناول مكافحة الإرهاب الدولي انطلاقا من حرص موسكو على غرار الغربيين على تفادي عودة الجهاديين في سوريا، علما بأن نحو 12 ألف جهادي من تنظيم داعش معتقلون في سجون الأكراد، ويمكن أن يشكل الهجوم التركي فرصة لفرارهم".

الرئيسان يتفقان على تسيير دوريات مشتركة شمال شرق سوريا
الرئيسان يتفقان على تسيير دوريات مشتركة شمال شرق سوريا

ويطالب الرئيس التركي بمنطقة آمنة على الحدود بين البلدين ولكن بعد عودة القوات السورية إلى المنطقة الشمالية الشرقية، حيث تم خفض سقف هذا المطلب لتجنب أي مواجهة مباشرة.

وفي مرحلة أولى يطالب أردوغان بـ"منطقة آمنة" تمتد من مدينة تل أبيض التي سيطرت عليها أنقرة في بداية الهجوم حتى بلدة رأس العين التي انسحب منها آخر المقاتلين الأكراد الأحد الماضي، أي بطول 120 كلم.

وإضافة إلى سعيها لإبعاد القوات الكردية من حدودها، تريد تركيا أن تنقل إلى الأراضي السورية قسما من نحو 3.6 ملايين لاجىء سوري يقيمون على أراضيها.

وأشار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أمس الاثنين إلى أن "مليوني" سوري سيتم نقلهم.

وفيما يشكل الهجوم التركي تهديدا حقيقيا لأكراد سوريا تحت عنوان المنطقة الآمنة ، اقترحت وزيرة الدفاع الألمانية أنيجريت كرامب كارينباور إقامة منطقة أمنية في منطقة شرق الفرات، لحماية المدنيين النازحين وضمان استمرار التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، وهي المرة الأولى التي تقترح فيها برلين مهمة عسكرية في الشرق الأوسط.

وقالت كرامب "إنها ستناقش المبادرة مع الشركاء في حلف شمال الأطلسي هذا الأسبوع ولم تستبعد إرسال جنود ألمان إلى سوريا" مضيفة "إن المسألة في يد البرلمان".

وصرحت لقناة 'زد.دي.إف' التلفزيونية الألمانية في ساعة متأخرة من مساء أمس الاثنين "لا يمكننا أن نقف موقف المتفرج ولا نفعل شيئا".

وقالت لقناة دويتشه فيله "أقترح أن نقيم منطقة أمنية تحت إشراف دولي وبمشاركة تركيا وروسيا".

وذكرت أن الخطوة ستسهم في استقرار المنطقة حتى يتمكن المدنيون من إعادة البناء ويتمكن اللاجئون من العودة طوعا.

وحازت الفكرة دعم الجالية الكردية التي تعيش في ألمانيا، التي تشعر بالغضب إزاء الهجوم التركي على شمال شرق سوريا بعد انسحاب القوات الأميركية، مما دفع آلاف الأكراد للفرار من المنطقة.

ويمثل الأكراد حوالي الثلث من بين زهاء ثلاثة ملايين شخص لهم أصول تركية ويعيشون في ألمانيا.

وقال علي أرتان توبراك رئيس الجالية الكردية في ألمانيا لقناة 'زد.دي.إف "نرحب باقتراح وزيرة الدفاع، لقد حان الوقت لترد ألمانيا وأوروبا".

وقال مساعد للكرملين في وقت سابق "إن بوتين وأردوغان سيبحثان العملية التركية في سوريا وإن موسكو ترى من الضروري وضع مصالح كل الطوائف العرقية والدينية السورية في الحسبان.

هل تنجح وزيرة الدفاع الألمانية في إقناع البرلمان بإنشاء منطقة أمنية في شرق الفرات، تحت رعاية دولية لحماية الأكراد من التهديدات التركية؟

ويعتبر هذا الاقتراح هاما بشأن حماية الأكراد من أي تهديد تركي، على غرار الهجوم الذي انطلق منذ نحو أسبوعين وعلق منذ خمسة أيام من خلال اتفاق بين أنقرة وواشنطن يقضي بإيقاف إطلاق النار حتى يسمح بالانسحاب للقوات الكردية.

وأسفر الهجوم التركي حتى الآن عن مقتل 114 مدنيا ونزوح 300 ألف آخرين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وما سهل الهجوم التركي انسحاب الولايات المتحدة العسكري من شمال شرق سوريا في قرار مفاجئ للرئيس دونالد ترامب أثار تنديدا أميركيا ودوليا.

وأعلن ترامب أمس الاثنين أن عددا محدودا من الجنود الأميركيين سيبقون في سوريا، ولكن بعيدا من المنطقة التي انتشر فيها الجيش التركي، أي قرب الأردن وإسرائيل وفي جوار العراق.

وندد الأوروبيون بشدة بالعملية التركية ضد حلفائهم الأكراد الذين يقاتلون الجهاديين، ما فاقم توتر العلاقات بينهم وبين أنقرة.

واتهم أردوغان الغرب "بالوقوف إلى جانب الإرهابيين" ضد تركيا، قائلا في خطاب في اسطنبول "هل يمكنكم تصور وقوف جميع دول الغرب إلى جانب الإرهابيين ومهاجمتهم جميعا لنا، وبينهم أعضاء حلف شمال الأطلسي ودول الاتحاد الأوروبي"؟