أردوغان يسارع لإنهاء ملف العمال الكردستاني لاستغلاله كورقة انتخابية
أنقرة - تسير تركيا بخطى متسارعة نحو إنهاء ملف حزب العمال الكردستاني بشكل نهائي، مع تصاعد المؤشرات على اكتمال عملية نزع سلاح الحزب في العراق خلال الأشهر المقبلة، وهي خطوة يرى فيها مراقبون بعدًا سياسيًا واضحًا، إذ يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى توظيفها كورقة رابحة في معركته الانتخابية المقبلة في مواجهة خصومه.
وقال عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، في مقابلة مع قناة "ان تي في"، إن تركيا تتوقع اكتمال عملية نزع سلاح الحزب في العراق "خلال فترة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أشهر"، محذرًا من أن تأخر العملية قد يفتح الباب أمام "استفزازات" قد تعرقل هذا المسار الحساس.
وأشار جليك إلى أن آلية إشراف مشتركة تضم ضباطًا من جهاز المخابرات التركية والقوات المسلحة ستقوم بمتابعة ومراقبة تنفيذ القرار، بما يضمن "إتمام هذه المرحلة التاريخية بنجاح وبدون انتكاسات".
آلية إشراف مشتركة تضم ضباطًا من جهاز المخابرات التركية والقوات المسلحة
وتأتي هذه التصريحات بعد إعلان الحزب، المدرج على لائحة الإرهاب لدى أنقرة، في مايو/أيار الماضي عن قرار بحل نفسه طوعًا وإنهاء العمل المسلح، عقب مؤتمر عام عُقد في جبال قنديل شمالي العراق.
ومن المنتظر أن تُنظم أول مراسم رمزية لنزع السلاح بين 10 و12 يوليو/تموز الجاري في إقليم كردستان العراق، بمشاركة إعلامية، حيث سيقوم عدد من مقاتلي الحزب بتسليم أسلحتهم علنًا، في رسالة "حسن نية" تعكس التزامهم بقرار الحل، وبدء ما وصفوه بـ"مرحلة جديدة من العمل السياسي السلمي".
ويعزز هذه التطورات ظهور عبدالله أوجلان، الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، في رسالة مصوّرة نادرة بُثت للمرة الأولى منذ 26 عامًا، دعا فيها إلى التخلي عن الكفاح المسلح وتبنّي "السياسة الديمقراطية" كخيار استراتيجي. وأكد أن نزع السلاح سيتم "بسرعة"، مشددًا على ضرورة التأسيس لـ"مرحلة سلمية ومستقرة".
ويأتي هذا الحراك في سياق تحضيرات تركية مبكرة للانتخابات العامة المقبلة، التي من المرجح أن تُجرى خلال 2026، وسط مساعٍ من قبل الرئيس أردوغان لتقديم إنجازات ملموسة في الملفات الأمنية والاقتصادية، بهدف كسب نقاط أمام المعارضة التي تنتقد أداء الحكومة في السنوات الأخيرة.
ويُعد ملف حزب العمال الكردستاني من أبرز التحديات الأمنية التي واجهتها الدولة التركية منذ عقود، إذ أسفر الصراع بين الجانبين عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ اندلاع التمرد عام 1984، وتسبب في نزيف اقتصادي ضخم وتوترات عرقية ومناطقية، خاصة في جنوب شرق البلاد حيث الكثافة السكانية الكردية.
ويقول محللون إن الرئيس أردوغان يراهن على هذا التحوّل التاريخي لإنهاء النزاع، وتقديم نفسه في الحملة الانتخابية المقبلة بوصفه "الرجل الذي جلب السلام وأنهى حرباً عمرها أربعة عقود"، في لحظة قد تعيد رسم خريطة الاستقطاب السياسي في البلاد.
ورغم الأجواء الإيجابية، لا تزال تحديات كبيرة تواجه هذا المسار. فبعض الأجنحة داخل الحزب، وخاصة من المقاتلين المتشددين في جبال قنديل، قد لا تلتزم بسلاسة بالقرار، فيما يتخوف مراقبون من تدخلات خارجية قد تسعى إلى إفشال مشروع التسوية، خاصة في ظل صراعات إقليمية مفتوحة، وتداخل الملف الكردي في تركيا وسوريا والعراق.
ومع ذلك، تبدو الحكومة التركية مصممة على المضي قدماً، مستفيدة من الزخم الإقليمي، والتفاهمات مع سلطات إقليم كردستان العراق، والدعم الشعبي الواسع لفكرة إنهاء الصراع، خاصة بعد أن أثبتت السنوات الماضية أن الخيار العسكري وحده لا يكفي لتصفية الحزب أو طي صفحة النزاع.
إذا ما نجحت تركيا في استكمال عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني كما هو مخطط، فإن البلاد ستكون أمام نقطة تحول تاريخية من شأنها أن تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع الكردي، وتفتح آفاقًا جديدة نحو استقرار سياسي وأمني طال انتظاره.