أردوغان يعود من واشنطن بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها

الاجتماع بين الرئيسين الأميركي والتركي الذي ترقبه كثيرون لمعالجة التصدعات في العلاقات بين الحليفين كان مغرقا في المجاملات البروتوكولية، بينما كان يسود غضب في الكونغرس من زيارة ضيف بدا غير مرغوب فيه.

أردوغان وجد نفسه عالقا بين إرضاء الحليف الأميركي وعدم إغضاب الشريك الروسي
ولا قضية واحدة من القضايا الخلافية تمت تسويتها في لقاء ترامب وأردوغان
أردوغان اصطدم بموقف أميركي حازم بعدم تخلي واشنطن عن الشراكة مع الأكراد
ترامب كان في غنى عن إثارة المزيد من المشاكل فيما يواجه حملة لعزله
فرضية فرض عقوبات أميركية على تركيا لاتزال قائمة
غراهام يأمل في إنقاذ العلاقات مع تركيا في مهمة "متروكة للزمن"

واشنطن - على خلاف ما كان ينتظره الرئيس التركي وعلى مسار معاكس لما كان يأمله الرئيس الأميركي، انتهى اللقاء الذي جمع رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب بلا نتائج تذكر وظلّت القضايا الخلافية بين البلدين قائمة، فعاد الأول بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها إلا من أحاديث جانبية مغرقة في المجاملات البروتوكولية.

أما ترامب الذي أسهب في الحديث عن صداقة شخصية قوية مع أردوغان، فلم يمنح ضيفه ما سعى من أجله خلال زيارته لواشنطن، فالظرف لا يسمح للرئيس الأميركي بإثارة المزيد من المشاكل مع خصوم الداخل وحتى مع حلفائه فيما يخوض أسوأ وأشرس المعارك للنجاة من إجراءات العزل التي أطلقها الديمقراطيون ودعمتها قلّة من الجمهوريين على أعتاب الانتخابات الرئاسية القادمة.

وقد حثّ ترامب يوم الأربعاء ضيفه على العدول عن صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية 'اس 400' ووصف الصفقة بأنها "تحد في غاية الخطورة" للعلاقات الثنائية، لكنه "رائع".

وبعد الاجتماع الذي ترقبه كثيرون لمعالجة أزمة في العلاقات، قال ترامب إنه "من كبار المعجبين" بالرئيس التركي وإن اللقاء بينهما كان "مثمرا".

لقاء ترامب وأردوغان "رائع" داخل المكتب البيضاوي متوتر خارجه
لقاء ترامب وأردوغان "رائع" داخل المكتب البيضاوي متوتر خارجه

لكن الزعيمين لم يفسرا بعبارات واضحة كيف سيتغلبان على الخلافات المتصاعدة في قضايا عديدة من توغل القوات التركية في سوريا لمحاربة حلفاء أميركا الأكراد إلى شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي إس-400 الروسي.

وقال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك إن "شراء تركيا معدات عسكرية روسية متطورة مثل نظام إس-400 يخلق تحديات في غاية الخطورة لنا ونحن على تواصل دائم في هذا الأمر"، مضيفا "تحدثنا عنه اليوم وسنتحدث عنه في المستقبل ونأمل أن نتمكن من تسوية هذا الوضع".

لكن بعد دقائق من المؤتمر الصحفي المشترك أصدر البيت الأبيض بيانا استخدم فيه لهجة أكثر حزما من لهجة الزعيمين اللذين يتباهيان بوجود علاقة شخصية وثيقة بينهما في حين أن العلاقات بين الحكومتين فاترة.

وقال البيان "لتحقيق تقدم على جبهات أخرى من المهم أن نسوي المشاكل المتعلقة بشراء تركيا نظام الدفاع الجوي الروسي إس-400 بما يقوي شراكتنا الدفاعية".

وتقول واشنطن إن شراء أنقره النظام الروسي لا يتوافق مع دفاعات حلف شمال الأطلسي ويمثل أيضا تهديدا للمقاتلة إف-35 التي تطورها شركة لوكهيد مارتن.

وتخشى واشنطن أن تعمد تركيا التي كانت حائط صد في مواجهة الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، إلى تعميق العلاقات مع موسكو على حساب شراكتها مع الولايات المتحدة.

وقد تجاهلت أنقرة تهديدات لوحت واشنطن بفرضها على تركيا وتسلمت في يوليو/تموز أولى وحدات النظام الروسي. وعقابا لها قررت الولايات المتحدة حظر بيعها الطائرة إف-35 وأخرجتها من برنامج تشارك فيه عدة دول لإنتاج الطائرة.

ويوم الأربعاء قال الزعيمان إنهما سيعملان على تسوية هذه المسألة دون أن يوضحا السبيل إلى ذلك. وقال ترامب "طلبنا من وزير خارجيتنا ووزير الشؤون الخارجية (التركي) ومستشارينا للأمن القومي العمل على الفور لتسوية مشكلة إس-400".

وقال أردوغان إنه لا يمكن للبلدين التغلب على الخلاف سوى من خلال الحوار، مضيفا "نحن متفقون على تعزيز العلاقات التركية الأميركية على أساس متين. وقد اتفقنا على فتح صفحة جديدة في علاقتنا".

وقد عرض الرئيس التركي شراء منظومة الصواريخ الأميركية باتريوت، في محاولة لإرضاء الحليف الأميركي دون التخلي عن صفقة الصواريخ الروسية اس 400.

ووجد أردوغان نفسه عالقا بين عدم إغضاب الحليف الأميركي وعدم خسارة الشريك الروسي الذي يوفر لأنقرة منافذ اقتصادية وتجارية مهمة في ظرف يمر فيه الاقتصاد التركي بحالة ركود غير مسبوق واضطرابات في قيمة الليرة وارتفاعا في معدلي التضخم والبطالة.

ورغم التوترات رحب ترامب بأردوغان ترحيبا حارا. وتناقض هذا الترحيب مع الغضب السائد في الكونغرس الأميركي حول الهجوم التركي في شمال سوريا لإبعاد فصيل كردي كان الشريك الرئيسي لواشنطن في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال ترامب لأردوغان وهما يقفان متجاورين في المكتب البيضاوي "نحن أصدقاء منذ فترة طويلة، تقريبا منذ اليوم الأول. وكل منا يفهم بلد الآخر".

وكانت العلاقات الثنائية تراجعت لمستوى متدن الشهر الماضي عندما بدأ أردوغان التوغل العسكري في سوريا مستهدفا الأكراد.

وتعرض ترامب بدوره لضغوط شديدة من الجمهوريين بعد أن سحب القوات الأميركية من المنطقة، ممهدا الطريق أمام التوغل التركي. ويوم الأربعاء قال أردوغان إن تركيا هي أفضل شريك للولايات المتحدة في الحرب على الدولة الإسلامية.

اتمام أنقرة لصفقة الصواريخ الدفاعية الروسية سمم العلاقات الأميركية التركية
اتمام أنقرة لصفقة الصواريخ الدفاعية الروسية سمم العلاقات الأميركية التركية

وكان الرئيس التركي يحاول تهدئة الغضب في الكونغرس مقدما بلاده شريكا لواشنطن بدلا عن الوحدات الكردية التي شكلت رأس الحربة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.

وقال الرئيس التركي "يمكن لتركيا والولايات المتحدة العمل معا للقضاء على الدولة الإسلامية وجلب السلام إلى سوريا".

وفي كلمة ألقاها أردوغان لاحقا في واشنطن قال إنه طلب من ترامب التوقف عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقره قوة معادية، لكنها تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في سوريا في محاربة الدولة الإسلامية.

وفي اليوم السابق قال مسؤولون كبار في الإدارة ومسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في لقاءات منفصلة مع الصحفيين إن واشنطن ليس لديها نية إنهاء الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية.

ودعا ترامب خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى البيت الأبيض لمحاورة أردوغان في ما يتعلق بأكراد سوريا ونظام الدفاع الصاروخي اس-400.

وعقب الاجتماع قال السناتور ليندزي غراهام المقرب من ترامب والذي نادى بفرض عقوبات على تركيا بسبب توغلها في سوريا، إن المناقشة التي جرت في البيت الأبيض مع أردوغان كانت "صريحة ومباشرة".

وأضاف في بيان "آمل أن ننقذ هذه العلاقة لكن الزمن وحده هو الذي سيكشف ما إذا كان ذلك ممكنا"، فيما انتقد الرئيس التركي الكونغرس الأميركي وخاصة تصويتا في مجلس النواب الشهر الماضي لصالح قرار غير ملزم يعترف بأن مقتل 1.5 مليون أرمني قبل قرن كان من أعمال الإبادة الجماعية.

ووصف أردوغان قرار مجلس النواب في كلمته اللاحقة بأنه "مخز" و"مخالف للحقائق التاريخية".