
أردوغان يكثف ممارسات القمع لإنقاذ شعبيته المتآكلة
أنقرة - يسعى الرئيس التركي رجب أردوغان إلى إنقاذ شعبية حزب العدالة والتنمية المتآكلة عبر تحجيم أصوات المعارضة مكثفا ممارسات القمع ضد كل من يشكلون خطرا على هيمنة حزبه في الانتخابات القادمة، في ظل تقلص مناصري الحزب الحاكم وتراجع حظوظه السياسية في البلاد خصوصا بعد فشله المتكرر في إدارة الأزمات لاسيما أزمة فيروس كورونا التي فاقمت المشاكل الاقتصادية المتراكمة نتيجة السياسات الخاطئة التي تنتهجها الحكومة التركية.
وسلط استطلاع رأي حول شعبية الأحزاب السياسية في تركيا الضوء على تراجع شعبية حزب العدالة والتنيمة 10 بالمئة، حيث بات نحو 25 بالمئة من المصوتين له غير مؤيدين له ولسياسة زعمائه، وفق ما أفادت به صحيفة زمان التركية نقلا عن مؤسسة 'MAK' للدراسات المجتمعية واستطلاعات الرأي.
وفي هذا الإطار رأى مسؤول بارز في حزب الشعوب الديمقراطي أن حكومة أردوغان لم تتراجع عن ممارسات القمع التي تستهدف بالأساس المعارضين والمنتقدين، حتى في الظروف الاستثنائية التي تتطلب تكاتف الجهود بين الفرقاء السياسيين لمواجهة تفشي الوباء.
وتستمر السلطات التركية في قمع حزب الشعوب الديمقراطي المعارض للرئيس التركي بذريعة ارتباطه بحزب العمال الكردستاني التي تزعم أنقرة أنه منظمة إرهابية، وهي التهمة التي تتخذها لاعتقال المعارضين والمنتقدين، حيث يقبع خلف قضبان السجون التركية آلاف من الأكراد والمتعاطفين معهم.
إننا نكافح ضد فيروسين في وقت واحد هما كورونا والسلطة العنصرية في تركيا
وقال النائب التركي سيزاي تميلي والرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي لـ'العربية.نت'، بعد يوم من اعتقال رؤساء بلديات منتمين لحزب الشعوب الديمقراطي المعارض، إن "الحكومة التركية لم تعلّق سياستها الشريرة والمعادية للأكراد حتى في ظل ظروف جائحة كورونا"، مؤكدا أنها "تستخدم وباء كورونا كفرصة لممارسة مزيد من القمع بحق المؤسسات الديمقراطية الكردية وبلدياتها على وجه الخصوص".
وأضاف تميلي "إننا نكافح ضد فيروسين في وقت واحد هما كورونا والسلطة العنصرية"، مناشداً "المجتمع الدولي والأمين العام لمجلس أوروبا ومؤتمر السلطات المحلية والإقليمية ولجنة مناطق الاتحاد الأوروبي والأحزاب الشقيقة وجميع أصدقاء الديمقراطية والأكراد لاتخاذ إجراءات ضد السياسات العنصرية للحكومة التي تحاول ترسيخ نظام الوكلاء باعتباره الوضع الطبيعي الجديد في البلاد".
وعزلت السلطات التركية الجمعة 15 مايو/أيار الّذي يوافق يوم الاحتفالات باللغة الكردية، 5 رؤساء بلديات تابعين للحزب المعارض وعينت بدلهم وصاة منتمين لحزب العدالة والتنمية.

ووصف تميلي قرار الحكومة التركية تعيين ضباط وكلاء مؤيدين لها في رئاسة خمس بلديات بدل رؤساء من الحزب المعارض ومحاصرة الشرطة لمقراتها، بـ"الاستعمار والاحتلال".
وندد بالممارسات غير القانونية التي تتخذها حكومة أردوغان لتمديد نفوذها بعزل رؤساء البلديات دون وجود قرار من المحكمة، مشيرا إلى أن العزل والاعتقال هي مجرد إجراءات إدارية ينفذها وزير الداخلية.
وأكد أن مؤسسة أردوغان تعزل رؤساء البلديات وتعتقلهم بذريعة تهم الإرهاب الجاهزة للتغطية على جرائمها ولصرف أنظار المجتمع الدولي عن ممارساتها الخارجة عن القانون وتبرير القمع.
واعتقلت تركيا الجمعة وفق ما أكده تميلي الخمسة من رؤساء البلديات إلى جانب 21 آخرين من الرؤساء البلديات التابعين لحزب الشعوب الديمقراطي الفائزين في الانتخابات البلدية لسنة 2019 فضلا عن العشرات من رؤساء البلاديات السابقين المنتمين للحزب والفائزين في انتخابات 2014.
وكسب الشعوب الديمقراطي خلال انتخابات 2019 71 بلدية مختلفة في تركيا، مما اصبح يشكل منافسا حقيقيا لحزب أردوغان وتهديدا لبقائه أمام تراجع شعبيته بانخفاض مناصريه بسبب فشله في إدارة البلاد التي تعيش أزمة اقتصادية آخذة في التفاقم.
واستطاع الحزب منذ دخول البرلمان التركي لأول مرة في العام 2015 الحصول على 80 مقعداً وهو ثالث أكبر حزب في تركيا ولديه في الوقت الحالي 61 نائبا.
ولا يقتصر قمع السلطات التركية في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد مع ارتفاع إصابات كورونا على رؤساء بلديات الحزب المؤيد للأكراد وقياداته، بل يمتد إلى صحفيين ومواطنين ومفكرين وكل من ينتقد سياسة أردوغان، حيث ازدادت ممارسات القمع منذ تسلل الوباء إلى البلاد وبعد انكشاف ضعف الحزب الحاكم في إدارة الأزمة وعدم تحمله حجم الانتقادات التي تنهال عليه.

وبينما أعلنت تركيا السبت ارتفاع إصابات كورونا في آخر 24 ساعة إلى نحو 750 ألف بعد تسجيل 1635 حالة جديدة، قدر خبراء أتراك إصابة 2.1 مليون شخص بالوباء إلى غاية 12 ماية/أيار.
بدورها كشفت مؤسسات استشارية تركية خبيرة في المجال الصحي، أنّ العدد الفعلي لحالات الإصابة بكورونا في تركيا، يزيد حوالي 15 مرّة عن الأرقام الحكومية المعلنة، وهو ما أكده أيضاً أوكتاي أوزدمير أستاذ الصحة العامة بجامعة أنقرة.
وفي ظل سرعة انتشار الوباء قررت تركيا السبت فرض حظر التجول لمدة أربعة أيام، فيما لا تزال الحكومة تواجه انتقادات لاذعة بسبب تراخيها في انتهاج مسار الدول التي اتخذت إجراءات صارمة في مواجهة تفشي الفيروس بالإغلاق التام لحين السيطرة عليه.
يبدو أن أنقرة القابعة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المتناثرة مجبرة على عدم الإغلاق التام الذي من المؤكد أن يشل الأنشطة ويفاقم الأوضاع نحو الأسوأ، عاجزة عن إيجاد الحلول السريعة لاحتواء الوباء دون اللجوء الغلق التام، فيما تتجه تركيا للالتحاق بماصف الدول ألأكثر تضررا من الوباء حول العالم.
وفي ظل استمرار ممارسات القمع التي يراها البعض أنها امتدادا لظلم النظام الحاكم الفاحش حتى في الكوارث الإنسانية التي تتطلب التخلي عن الصراعات السياسية الداخلية في أحلك الظروف لتوحيد الجهود من أجل مواجهة الوباء، انتقد مسؤول أوروبي عزل عمد بلديات منتخبين من مناصبهم.
ووجه مقرر الشؤون التركية في البرلمان الأوروبي ناتشو سانتشيز آمور انتقادات لاذعة لأردوغان بسبب ممارسات القمع الأخيرة، مشيرا إلى أن ذلك يعرض الثقة في أسس الديمقراطية للخطر. وتصنف تركيا من بين الدول الأكثر قمعا للصحفيين والمنتقدين والمعارضين في العالم.
وباتت تركيا اليوم من أكثر بلدان العالم التي تشن حملات اعتقال بحق أتراك، تحت ذريعة الاشتباه في صلاتهم بجماعات إرهابية، حيث طالت حملات القمع الصحفيين والسياسيين وكل من ينتقد سياسات أردوغان.
وذكرت مصادر إعلامية تركية أن عدد الصحفيين المعتقلين بالسجون هو الأعلى عالميا، مع تراجع مستمر لقطاع الإعلام منذ الانقلاب الفاشل سنة 2016.