أزمة إخوان تونس تتعمق بإسقاط حكومة الجملي في البرلمان

الرئيس سعيد لديه عشرة أيّام لاختيار شخصيّة جديدة يُكلّفها تشكيل حكومة تكون مقبولة من مجلس الشعب.

تونس - رفض النوّاب التونسيّون الجمعة منح الثقة للحكومة التي قدّمها الحبيب الجملي، وهو ما يشير الى الازمة التي ستعصف بحركة النهضة التي هندست الوضع السياسي الجديد ما سيُعيد إطلاق مفاوضات شاقّة لتشكيل حكومة بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعيّة.
وبعد يوم طويل من النقاشات، صوّت 72 نائبًا لصالح منح الثقة للحكومة، فيما صوّت 134 ضدّ منحها إيّاها، وأعلن ثلاثة نوّاب تحفّظهم.
ورئيس البلاد قيس سعيد لديه الآن عشرة أيّام لاختيار شخصيّة جديدة يُكلّفها تشكيل حكومة تكون مقبولة من المجلس.
وحسب الفصل 89 من الدستور التونسي وعند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حال عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
ورشّحت النهضة، الحزب الأوّل في البرلمان (52 مقعدًا من مجموع 217)، الجملي في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الفائت وقدّمته على أنّه شخصيّة مستقلّة لتشكيل حكومة طرحها بدون إشراك الأحزاب، في 2 كانون الثاني/يناير، وتتكون من 28 وزيرا و14 كاتب دولة.
وفي وقت سابق، قدّم الجملي في كلمته أمام النواب فريق عمله وبرنامجه، وقال "اختيارنا للفريق الحكومي كان صادقا ووفق منهجيّة موضوعيّة ولن نتردّد في الإصلاح اذا تبيّن أنّ هنالك خطأً في اختيار احد الأعضاء".
وجدّد تأكيده على أنّ "الفريق الحكومي يتكوّن من كفاءات مستقلّة ومنفتحة على كلّ الأحزاب ومنظّمات المجتمع المدني"، لكنّ التشكيلة واجهت في المقابل انتقادات شديدة من الأحزاب السياسية.
وكان رئيس البرلمان راشد الغنوشي افتتح في وقت سابق الجلسة، قائلا إنها جلسة "طال انتظارها".
وقد جدد مجلس شورى النهضة ليلة الخميس-الجمعة تأكيده على دعم حكومة الجملي ودعا كل الكتل البرلمانية للتصويت لها.

وأعلن رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني للصحافيين أن "كتلة النهضة ستكثف من مشاوراتها مع الكتل الأخرى ونحن متفائلون وليس مسموحا الفشل في تشكيل حكومة" معتبرا أن "هناك انقسامات داخل الأحزاب" التي أعلنت رفضها التصويت.
وفي المقابل حزب "قلب تونس"، ثاني أكبر الكتل البرلمانية (38 نائبا) قرر الخميس أنه لن يصوت للحكومة المرشحة "لعدم استقلالية معظم الوزراء المقترحين عكس ما أعلن عنه رئيس الحكومة المكلّف ولعدم تحييد وزارات السيادة".
كما أعلن رئيس حزب التيار الديموقراطي (22 نائبا) الأربعاء أن كتلته البرلمانية "لن تصوت للنهضة".
"تمرّ...لا تمرّ"
عنونت صحيفة "الشروق" اليومية الجمعة افتتاحيتها "اليوم امتحان نيل ثقة البرلمان، حكومة الجملي تمرّ...لا تمرّ"، ولفتت صحيفة "المغرب" الى ان "السيناريوهات ممكنة وكل الفرضيات تبقى قائمة" الى لحظة التصويت.
بدورها اعتبرت "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان"، "ترشيح القاضي عماد الدرويش على رأس وزارة الدفاع، الترشيح الأكثر استفزازا".
وأكدت الرابطة في بيان ان الدرويش "هو إحدى أذرع" الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قبل ثورة 2011 وقد "استعمله" في التضييق على الرابطة "ومنع هيئتها المديرة من النشاط".
ورُشّح الناطق الرسمي السابق للقطب القضائي لمكافحة الارهاب والقاضي سفيان السليتي، وزيرا للداخلية المتهم بقربه من حركة النهضة، يضاف إليه القاضي الهادي القديري المعين وزيرا للعدل.
كما طالت الانتقادات الحبيب الجملي (60 عاما)، لكونه كان كاتب الدولة السابق لدى وزير الفلاحة (2011-2014) وشارك في حكومتين سابقتين بقيادة حزب "النهضة" كتكنوقراط مستقلّ.
إلى ذلك، رأى مراقبون أنّ وزارات السيادة في التشكيلة الحكومية المقترحة مُنحت لشخصيّات مقربة من حزب "النهضة" وفي غالبيتهم قضاة كما ان القرار بتغيير بعض الأسماء من اجل نيل الثقة مؤشر على "غياب الجدية".
وتمكنت تونس منذ ثورة 2011 والتي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، من تحقيق نجاحات في انتقالها الديموقراطي من الجانب السياسي، غير ان هذا النجاح يصطدم بواقع اقتصادي أقل ما يوصف بكونه صعب.
مشاورات بخصوص تشكيلة الحكومة المقبلة
وأعلنت الكتل النيابية لأحزاب "قلب تونس"، و"حركة الشعب"، و"الإصلاح الوطني"، و"المستقبل"، و"تحيا تونس"، الجمعة، أنها ستقدم مبادرة وطنية بشأن المشاورات القادمة. 
جاء ذلك في كلمة لرئيس حزب "قلب تونس"، نبيل القروي، خلال مؤتمر صحفي عقد بالبرلمان عقب الجلسة العامة التي فشلت فيها حكومة، الحبيب الجملي، في نيل ثقة البرلمان. 
وتابع القروي قوله "نطمئن التونسيين بأننا لسنا ذاهبين نحو المجهول وبأنه هناك ضمانات دستورية وهناك رئيس جمهورية والبرلمان".

وأضاف "سنجتمع لاحقا مع هذه الكتل التي تفوق 90 نائبا، لتقديم مبادرة وطنية لبقية الأحزاب والكتل وأيدينا ممدودة للجميع وسنتشاور مع باقي الأحزاب والكتل طبقا للدستور بشأن المرحلة القادمة من تشكيل الحكومة." 
من جانبه قال مبروك كورشيد النائب عن حركة "تحيا تونس": "كلنا اليوم يد واحدة حتى تكون هناك حكومة انقاذ وطني تليق بتونس في ظرف اقليمي وداخلي خطير .. وفي وقت يجابه فيه التونسيون الفقر والظروف الصعبة". 
وصوّت البرلمان التونسي، ضدّ منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي، وهو ما يعني إسقاط الحكومة المقترحة 
كان ذلك في جلسة عامّة تواصلت إلى ساعة متأخرّة من مساء الجمعة، وامتدت لأكثر من عشر ساعات من النقاشات. 
وحسب نتيجة التصويت التي أعلن عنها رئيس البرلمان راشد الغنوشي، فقد صوّت 72 نائبا لصالح منح الثقة للحكومة، فيما تحفّظ 3 نواب، مع اعتراض 134 نائبا. 
والكتل التي يتشكل منها البرلمان، هي "حركة النهضة"(54 نائبا من اصل 217)، والكتلة الديمقراطية (41 مقعدا)، و"قلب تونس"، و"ائتلاف الكرامة" (21 مقعدا)، و"الحزب الدستوري الحر" (17 مقعدا)، و"الإصلاح الوطني" (15 مقعدا)، و"تحيا تونس" (14 مقعدا)، و"المستقبل" (9 مقاعد)، وغير المنتمين إلى كتل (29 نائبا). 
وينصّ الفصل 89 من الدستور على أن يقوم رئيس الجمهورية بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر في حال فشل الحزب الأول في الانتخابات التشريعية في تكوين الحكومة خلال شهرين على أقصى تقدير.
وإذا مرّت أربعة أشهر على موعد النتائج النهائية للانتخابات التشريعية، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، يمكن لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه 90 يومًا.
مؤشرات اقتصادية لا تطمئن
وركّز برنامج الجملي الذي قدمه في البرلمان على الجانب الاقتصادي والاجتماعي وهي ملفات حارقة تنتظر حكومة بسند برلماني قوّي باستطاعتها الاستجابة للمطالب المعيشية للتونسيين.
وقال الجملي بهذا الصدد إنّ توجهه الأساسي هو "مكافحة الفقر والخصاصة وغلاء المعيشة... والتحكم في التوازنات المالية ودفع نسق النمو". 
كما قال إنّه سيتّخذ "إجراءات جريئة لدفع الاستثمار واسترجاع ثقة المستثمرين والنهوض بالقطاع الصناعي".
غير ان المؤشرات الاقتصادية لا تطمئن التونسيين، حيث لا تزال نسبة البطالة في مستوى 15,1 في المئة والتضخم 6,3 في المئة ونسبة النمو بحدود 1,4 في المئة بينما يبلغ العجز في الموازنة 3,5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.
وتستقر نسبة الديون عند مستوى 74% وبلغت 7% في العام 2018 من حجم الناتج الاجمالي وفقا لصندوق النقد الدولي الذي منح العام 2016 قرضا بقيمة 2,9 مليار دولار لتونس صرف منها 1,6 مليار دولار على أربع سنوات مقابل القيام باصلاحات اقتصادية واسعة على ان يتم سداده اعتبارا من 2020.