أزمة سبتة تُعجّل باجراءات اسبانية لمحاكمة زعيم البوليساريو
مدريد - كشفت وثيقة قضائية اليوم الأربعاء أن المحكمة الإسبانية العليا استدعت زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي للمثول أمامها في الأول من يونيو/حزيران لسماعه في اتهامات ستوجه له في قضية تتعلق بارتكاب جرائم حرب.
وهذا الاستدعاء هو الخطوة الأولى نحو محاكمة محتملة لغالي الذي أثار دخوله مستشفى إسباني للعلاج في الشهر الماضي غضب المغرب، بينما أظهرت الوثيقة أن كبير الانفصاليين امتنع عن التوقيع على الاستدعاء.
وقال مصدر قريب من التحقيق الجنائي إنه قد لا يمثل أمام المحكمة لأنه ربما يحمل جواز سفر دبلوماسي جزائري، مما قد يعطيه حصانة.
وقالت الوثيقة إن جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وأفرادا في الصحراء المغربية يتهمون غالي وغيره من زعماء الجبهة الانفصالية، بالإبادة الجماعية والقتل والإرهاب والتعذيب والتورط في عمليات اختفاء قسري.
وذكرت إسبانيا أنها وافقت على السماح بعلاج غالي في لوجرونو بشمال البلاد "كبادرة إنسانية"، فيما طالبها المغرب بتفسيرات واضحة لاستقبالها زعيم الانفصاليين الصحراويين.
وتحاول مدريد الظهور كطرف محايد في النزاع بالصحراء المغربية، لكن استقبالها لإبراهيم غالي أرخى بظلال ثقيلة على العلاقات المغربية الاسبانية.
وقالت اليوم الأربعاء إن موقفها لن يتغير بشأن ملف الصحراء المغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة التي تتنازع حولها الرباط وانفصاليو جبهة البوليساريو، تزامنا مع اشتداد أزمة دبلوماسية بين البلدين في ظلّ موجة هجرة غير مسبوقة إلى سبتة.
وقالت وزيرة الخارجية الإسبانية ارانكا غونزاليس لايا عبر الإذاعة المحلية العامة، إنّ "إسبانيا لا تزال ملتزمة بشدّة بحل سياسي. يجب التوصل إليه في إطار الأمم المتحدة"، مضيفة "هذا هو الموقف الإسباني وهذا الموقف لا يمكن أن يتغير لأن إسبانيا دولة تحترم الشرعية الدولية".
وقبل أزمة الحدود هذا الأسبوع حذرت السلطات المغربية إسبانيا من تداعيات وجود غالي على أراضيها بجواز سفر جزائري مزور واسم مستعار.
ويأتي نبأ الاستدعاء بعد يوم من توافد آلاف المهاجرين من المغرب على جيب سبتة الخاضع لسيطرة إسبانيا في شمال أفريقيا.
وكان مصطفى الرميد وزير الدولة المغربي لحقوق الإنسان قد قال مساء أمس الثلاثاء إن المغرب من حقه "أن يمد رجله" بعد قرار استقبال إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو بمستشفى في إسبانيا.
وكتب على فيسبوك يقول "ماذا كانت تنتظر إسبانيا من المغرب، وهو يرى أن جارته تؤوي مسؤولا عن جماعة تحمل السلاح ضد المملكة؟"
وأضاف "يبدو واضحا أن إسبانيا فضلت علاقتها بجماعة البوليساريو وحاضنتها الجزائر على حساب علاقتها بالمغرب ... المغرب الذي ضحى كثيرا من أجل حسن الجوار، الذي ينبغي أن يكون محل عناية كلا الدولتين الجارتين وحرصهما الشديد على الرقي به".
وتابع "أما وان إسبانيا لم تفعل، فقد كان من حق المغرب أن يمد رجله، لتعرف إسبانيا حجم معاناة المغرب من أجل حسن الجوار وثمن ذلك وتعرف أيضا أن ثمن الاستهانة بالمغرب غال جدا، فتراجع نفسها وسياستها وعلاقاتها وتحسب لجارها المغرب ما ينبغي أن يحسب له وتحترم حقوقه عليها كما يرعى حقوقها عليه".
وكانت تقارير إعلامية قد ذكرت في بدايات شهر مايو/ايار الحالي، أن القضاء الاسباني وجه استدعاءات لكل من الأمين العام لجبهة البوليساريو (ابراهيم غالي) وثلاثة مسؤولين آخرين من الجبهة الانفصالية بناء على دعوى قضائية مقدمة ضدهم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وذكرت إذاعة مونتكارلو الدولية نقلا عن وسائل إعلام اسبانية، أن قاضي التحقيق في مدريد سانتياغو بيدراز غوميز، أمرا بالاستماع إلى غالي ورفاقه الثلاثاء استنادا للدعوى التي رفعها المعارض السياسي للبوليساريو الفاضل بريكة والَتي اتهم فيها زعيم الجبهة الانفصالية بـ"الاختطاف التعسفي والاعتقال والتعذيب".
وبريكة حاصل على الجنسية الإسبانية ويخول له القانون مقاضاة غالي وآخرين من قادة الجبهة أمام القضاء الاسباني.
وبحسب المصادر ذاتها، تم الشروع في إجراءات تضمن عدم تمكن إبراهيم غالي من مغادرة الأراضي الاسبانية قبل تقديمه للمحاكمة، وهي معلومات أكدتها وسائل إعلام محلية.
وذكرت وسائل إعلام اسبانية أنه تم توجيه استدعاءات لعدد آخر من قادة الجبهة تشمل سيد أحمد البطل وبشير مصطفى سيد، في عدة شكاوى قدمتها "الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان (أساديه)".
ولم تقدم اسبانيا إلى اليوم سببا مقنعا لاستقبالها غالي، بينما يقول محللون إنها كانت تراهن على إبقاء وجوده على أراضيها طي الكتمان حتى تتفادى اي توتر في العلاقات مع المغرب وهو من أهم شركائها الاقليميين في مكافحة الهجرة والجريمة المنظمة ويحسب له دوليا وإقليميا تجنيب مدريد ودول أوروبية هجمات إرهابية دموية بعد أن زود في أكثر من مناسبة عواصم غربية بمعلومات دقيقة عن مخططات إرهابية.
وتأتي محاكمة غالي المحتملة بينما بدأت أزمة سبتة الأخيرة في الانحسار، فقد طردت إسبانيا مزيدا من المهاجرين من الجيب المغربي المحتل اليوم الأربعاء بينما شدد المغرب الإجراءات الأمنية بعد أن تسلق الآلاف أو سبحوا لتخطي السور الحدودي في تدفق حشود صوب أوروبا.

وقالت وزارة الداخلية الإسبانية إن الشرطة والجنود الاسبان اصطحبوا مهاجرين عبر بوابة للعودة للمغرب مما أسفر عن رجوع أكثر من ثلثي ثمانية آلاف مهاجر تقريبا دخلوا سبتة على مدى اليومين الماضيين.
من جانبها، أبعدت الشرطة المغربية مئات الشبان عن السور الحدودي ومنعت آخرين من الاقتراب.
وسبح مغربيون وأفارقة من دول جنوب الصحراء الكبرى بضعة مئات من الأمتار أو تسلقوا السور الحدودي الذي يبلغ ارتفاعه ستة أمتار تقريبا لدخول جيب سبتة الذي يجتذب المهاجرين منذ فترة طويلة.
وقال مهاجر يدعى محمد من مدينة آيت ملول في جنوب غرب المغرب بعد أن أرسله الجنود الإسبان عائدا فور وصوله للجيب إلى مدينة الفنيدق الحدودية المغربية "أعطونا العصير والكعك وكان هذا كل ما في الأمر... المحظوظون هم من لديهم أقارب لاستضافتهم في سبتة".
واتهم خوان خيسوس فيفاس رئيس بلدية سبتة في البداية الرباط بالإخفاق في حراسة جانبها من الحدود في رد محتمل على استقبال إسبانيا سرا لزعيم جبهة البوليساريو لتلقي العلاج.
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث للبرلمان إن الحكومة تعيد من دخلوا سبتة بشكل غير مشروع ولم يربط تلك الأحداث بوضع غالي ووصف المغرب بأنه صديق لإسبانيا.
لكن مصدرا دبلوماسيا مغربيا رفيعا طلب عدم ذكر اسمه قال إن الرباط استدعت سفيرتها لدى مدريد للتشاور، مضيفا أن العلاقات مع المغرب تحتاج للحظة من "التأمل".
وتقع سبتة التي يقطنها نحو 80 ألف نسمة، في أقصى الطرف الشمالي للمغرب قبالة جبل طارق. وأظهرت لقطات تلفزيونية مئات من المهاجرين في سن المراهقة والسلطات في الجيب تنظر في أمرهم بينما وزع مسؤولون من الصليب الأحمر أغذية ومشروبات عليهم.