أسرار الحياة ليست في الكتب وحدها


الأفكار التي نكتبها لا أهمية لها إن لم تكن ثمة أياد ماهرة تحولها إلى صروح مشيدة.
الحياة لا تكتفي بالأفكار وحدها

يبرع الناقد في رسم طريق الصعود إلى الجبل بوصفه إنجازا رؤيويا، لكنه لا يستطيع تسلق الجبل، المتسابق من يقوم بذلك! النقد مهمة تنظيرية هي في حقيقة الأمر، أسهل من الفعل الإبداعي، يمكن لنا أن نفكر ونقترح، لكننا لسنا جميعا من يشيد هياكل هذه الأفكار، بالطبع توجد أفكار نيرة وأخرى مكررة، وهذا ليس ما أعنيه.

الحياة لا تكتفي بالأفكار وحدها، ولا تنتهي بالقراءة والكتابة، هناك ما هو أكثر تأثيرا يبدو أن غرور المنتج الفكري يريد أن يجعله هامشا له!

الناقد المعماري ليس الأصل في تشييد الهياكل، إنه يكتفي بالتأمل وبناء أفكاره على ما يرى وما يتوق إليه، لكنه سيفشل بلا أدنى شك في ربط صامولة واحدة في هيكل المبنى الذي انتقده.

ما يعول عليه هو من فكر ونفذ مد أنابيب الغاز والماء داخل مبنى معقد بطريقة آمنة، لتبقى سليمة مع عمر المبنى.

الحق، صناعة الأفكار النيرة عمل باهر تصنعه عقول نيرة، لكن الأهم منها هو تنفيذها، الأمر يشبه هنا جمهور كرة القدم الذي لا يكف عن إبداء التذمر والاستياء ويصل أحيانا إلى شتم اللاعب عند إضاعة فرصة داخل الملعب، الجمهور يعبر عما يتوق إليه وهي أسهل مشاعر الطبيعة الإنسانية، لكن لعب كرة القدم في الميدان غير المشاهدة والتمني.

هناك أناس مبدعون يبنون حياتنا ولا نجدهم في متون الكتب وقصص الصحف وبرامج التلفزيونات إلا في الهامش بينما هم الأصل في استمرار الحياة، هم مشيدو المباني الضخمة والملاعب ومولدات الرياح العالية وأنابيب النفط الممتدة بين البلدان، مركبو أنابيب الغاز الخطرة بطريقة آمنة، ووضع هياكل السيراميك داخل المنازل والمطابخ، النجارون الذين يقترحون وينفذون الحلول السهلة لسكان المنازل لإدامة حياتهم بشكل طبيعي.

أتحدث عن تجربة شخصية عشتها على مدار أسبوعين أوصلتني إلى أن اليقين في إيجاد أسرار الحياة بمتون الكتب، ليس نهائيا، إن القراءة والكتابة تجربة حية للبشرية لمعرفة العالم، لكنها ليست كل شيء، ثمة الكثير الذي يجعل حياتنا سلسة وطيعة، فالأفكار التي نكتبها لا أهمية لها إن لم تكن ثمة أياد ماهرة تحولها إلى صروح مشيدة. تماما مثل فكرة صناعة الطعام، معادلة الشيف والمتذوق غير عادلة على الأغلب، واليوم أضيف لها ناقد الطعام، ويا للغرور!

في فيلم “شيف” يقدم لنا الممثل كارل كاسبر درسا قاسيا بشأن تلك العلاقة، فهو طباخ بارع يفكر في خلط المكونات بطريقة مبتكرة تبهره وتوضح مهاراته لتحسين قائمة الطعام المقدمة للجمهور، لكن لسوء حظه أن ناقدا في إحدى مجلات الطهي الشهيرة من رواد هذا المطعم، لا يقوم بأكثر من تناول طعامه مساء كل يوم ليكتب نقده المتفذلك والمتهكم على الشيف والساخر من نكهة الطعام! هكذا هو فعل الناقد غالبا يأكل ويتهكم، ويرفض أن يضع نفسه في مكان من يصنع ويبرع ويشيّد.