أسماء سيد تؤكد وجود إرث متقلّب لنساء أهل السنة من المحدِّثات

أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة كاليفورنيا: نسبة روايات الصحابيات 12 % من إجمالي روايات الصحابة على مدى ما يقرب من عشرة قرون.
أدوار المرأة فضلا عن مستوى مشاركتها تحولت إلى حد كبير بعد الصحابة
تراجعت رواية النساء منذ عهود التابعين، وصولا إلى عصر جمع الحديث

تفتتح الباحثة الأميركية من أصول هندية أسماء سيّد أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا كتابها "المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام" بحديث نبوي للصحابية رائطة زوجة الصحابي عبدالله بن مسعود وترجمة لابن حجر العسقلاني عن الراوية زينب بنت الكمال"، لتتساءل: هل روت رائطة مزيدا من الأحاديث؟ ثم أين هي من سائر الصحابة الذين رووا الحديث؟ وهل تنافس المسلمون في الرواية عنها أو عن زينب بنت الكمال؟ وكيف تأتى لها الاستمرار في الرواية وهي المرأة التي جاوزت التسعين عاما من عمرها؟ كيف تغيرت سمات التعليم الديني للمرأة خلال القرون التي فصلت بين عصر رائطة وعصر زينب وما بعده؟ وما الذي قد تخبرنا به تلك الجهود العلمية للنساء عن عصورهن؟.
وكشفت أسماء سيد في كتابها الذي استوحي من قبيل تلك الأسئلة عن تاريخ مدهش، وفي غمار خوضه في ذلك التاريخ تشوش عليه صورتان ذهنيتان متعارضتان حول حظ المرأة المسلمة من التعليم الديني. أولاهما تستقرأ من خلال التقارير الإخبارية المعاصرة بشأن قمع متطرفي المسلمين لنسائهم، والتي تسقط قمعا مماثلا على معظم حقب تاريخ المسلمين. أما عن الصورة الذهنية الثانية فهي استقراء للإنجازات الرائعة والمعروفة للنساء في صدر الإسلام وعلى الأخص زوج النبي عائشة بنت أبي بكر، فهي تعزز رواية إيجابية لا يمكن تجاهلها عن إباحة تعليم النساء، بل وإتاحة الفرصة في هذا المجال للمرأة المسلمة على مر التاريخ.
ويسلط تحليل أسماء سيد في كتابها الذي ترجمه د.أحمد العدوي الضوء على إرث متقلب لنساء أهل السنة من المحدَثات على مدى ما يقرب من عشرة قرون "من القرن الأول الهجري/ الـ 7م، إلى القرن الـ 10 هـ/ الـ 16م"، وكذلك يتعرض لوجهات النظر ذات الصبغة الواحدة، والتي لم تميز تلك التطورات الدقيقة التي أحاطت بتعليم النساء على الصعيد الديني.
وانطلقت أسماء سيد من فرضية أن بداية مشاركة المرأة في رواية الحديث كانت لخدمة أهداف بعينها إلى حد كبير، كما كانت مشروعا غير منظم، وقد تم تقليصها على نحو حاد من قبل علماء الحديث منذ أوائل القرن الـ 2 هـ/ الـ 8 م إلا أنها عادت للحياة والانتعاش مجددا بحلول منتصف القرن الـ 4 هـ/ الـ 10م مذهبا لأهل الحديث والسلفية التي غدت مصطلحات سائدة في الإسلام السني.
تقول أسماء سيد "إن القرن الأول، فضلا عن النصف الأول من القرن الـ 2 هـ من تاريخ الإسلام، قد شهدا معدلات كبيرة من مشاركة النساء في رواية الحديث، أعقبهما اضمحلال كبير استمر ما يقرب من قرنين ونصف من الزمان. وبحلول منتصف القرن الـ 4 هـ/ الـ 10م فصاعدا، عادت النساء للظهور مجددا بوصفهن راويات جليلات للحديث. وخلال عهود السلاجقة والأيوبيين والمماليك (من القرن الـ 5 هـ / الـ 11م، إلى القرن الـ 10هـ/ الـ 16م)، ذاع صيت العديد من المحدثات من النساء، بحيث أصبحن قبلة للطلاب والطالبات من جميع أنحاء العالم الإسلامي، الذين طمعوا في الرواية عنهن. كما تميز أوائل العصر العثماني "نحو منتصف القرن الـ 10هـ/ الـ 16م" بتراجع حاد آخر في أعداد روايات الحديث من النساء.
وتضيف "تقاسمت النساء من الصحابيات ـ سواء الأعلام منهن أو المجهولات ـ رواية الحديث عن النبي، فضلا عن أصحابه. فقد بلغت نسبة رواياتهن نحو 12 % من إجمالي روايات الصحابة ممن رووا الحديث في مجموعات الحديث السنية الرئيسية، ومن ثم جاءت معدلات مشاركتهن في رواية الحديث أكثر من مثيلاتها عند التابعين. كما أنهن اختلفن عن خلفهن اختلافا بينا فيما يتعلق بطبيعة رواياتهن كما ونوعا. مثال، روت عائشة وأم سلمة – وهما أبرز زوجات النبي – أكثر مما روته غيرهما من الصحابيات عن مختلف جوانب السنة النبوية. كما كانتا أيضا من بين النساء القلائل اللائي وقفن على المغزى الفقهي للأحاديث وتطبيقاتها على نحو منتظم. 
وفي هذا الصدد، كانتا أشبه بكبار الصحابة من الرجال، مثل عمر بن الخطاب أو عبدالله بن عباس خاصة، الذي روى الحديث عن مجموعة واسعة من القضايا، واستمد من الحديث الصحيح الدلالة الفقهية لأوامر النبي ونواهيه. وثمة نساء أخريات من الصحابيات الراويات اللائي مثلن في مجموعات الحديث بصفات مختلفة: بوصفهن من ذوات قربى النبي تارة، أو بوصفهن مجاهدات اشتركن بالقتال في الحروب والغزوات تارة أخرى، أو بوصفهن طالبات للفتوى التي دارت في فلك موضوعات متنوعة. 
ونقلت هذه الأحاديث المسندة إلى النساء أحيانا بوصفها راويات مختصرة دلت على لقاءات جرت بينهن مع النبي في ظروف غامضة، أو بوصفها شهادات جاءت أكثر تفصيلا، بل وكان لها كبير أثر في النزاعات الفقهية في مجموعة من القضايا الشعائرية والفقهية والمذهبية أحيانا. وبصفة عامة، فقد صور أصحاب كتب التراجم الصحابيات على أنهن نساء موقرات وورعات ومحوريات في إدامة تراث النبي ومجتمعه".
وترى أسماء سيد أن أدوار المرأة فضلا عن مستوى مشاركتها تحولت إلى حد كبير بعد الصحابة. فقد تراجعت رواية النساء منذ عهود التابعين، وصولا إلى عصر جمع الحديث في مجموعات الحديث السنية الكبرى (أي من الربع الأخير من القرن الأول الهجري/ الـ 7م، إلى مستهل القرن الـ 4هـ/ الـ 10م)، كما ونوعا، وذلك على نحو ثوري. ففي هذه الحقبة ـ التي اشتملت على ما يقرب من 11 طبقة من الرواة ـ ثم نحو 235 امرأة ينسب إليها رواية الحديث. 

 من المهم التمييز بين تأريخ الأحاديث المنسوبة إلى الصحابيات والتابعيات، وبين أصالتها وصحتها من جهة أخرى

على النقيض من ذلك ففي الطبقة الأولى وحدها هناك نحو 112 رواية من النساء. وبالإضافة إلى هذا التراجع العام في أعداد النساء اللائي نسبت إليهن رواية الحديث في مجموعات الحديث السنية، فإن نشاط الرواية لكل امرأة على حدة في أجيال ما بعد الصحابة، وقد تراجع إلى حد بعيد. فهناك نحو 8 نساء فحسب ينسب إليهن أكثر من 10 أحاديث، وقد تفاوتت هؤلاء النساء الثماني في مدى الشهرة التي حققتها بوصفهن راويات لحديث النبي. وفوق ذاك استندت سمعة هؤلاء النساء الثماني – وكلهن توفين بنهاية القرن الأول الهجري ـ إما إلى آصرة قربي بصحابية جليلة، أو إلى إنجازاتهن بوصفهن زاهدات. ولم يحتف بأية امرأة من أولئك النسوة الـ 227 المتبقيات بوصفها راوية دأبت على جمع الأحاديث من مظانها ونشرها أسوة بكبار التابعين من الرجال أمثال عروة بن الزبير أو ابن شهاب الزهري. 
وباستثناءات قليلة، لم تتعد عمرة بنت عبدالرحمن وأم الدرداء في الأحاديث التي روينها. بل مثلهن في ذلك مثل كثير من الصحابيات ـ باستثناء عائشة وأم سلمة ـ جاءت مشاركة النساء من الأجيال اللاحقة عرضية، نشأت عن الاتصالات التي جرت "بين النساء" في أثناء مواسم الحج، أو عن استفساراتهن بشأن قضايا متنوعة، كان الهدف منها هو الوقوف على الممارسة الدينية الصحيحة فحسب. وينسب إلى الغالبية العظمى من هؤلاء النساء الحديث الواحد لا أكثر، الأمر الذي يعزز صورة ذلك التراجع النوعي والكمي لأدوار النساء.
وتشير أسماء سيد إلى أن معظم النساء اللائي ينسب إليهن الحديث بعد عصر الصحابة توفين بحلول عام 150 هـ، مما يشير إلى أن تلك المشاركة الهزيلة للمرأة في رواية الحديث في عصر صدر الإسلام قد اقتصرت على القرن الأول الهجري، فضلا عن النصف الأول من القرن الثاني فحسب. وثمة حفنة من النساء المجهولات اللائي نسب إليهن رواية الحديث في الربع الأخير من القرن الثاني. بعد ذلك، لم تظهر النساء في الأسانيد في مجموعات الحديث ـ المختارة لهذه الدراسة ـ البتة. 
وتؤكد الأدلة المستخلصة من المصادر المتنوعة الأخرى على صورة ذلك التراجع البين، والتي تنبثق من الأدلة المستخلصة من أسانيد الأحاديث. فتنسج الحوليات وكتب التراجم على منوال الأسانيد فتنتج هذه الصورة عينها. على سبيل المثال، يحتوى كل من الطبقات لابن سعد، فضلا عن تاريخ دمشق لابن عساكر على تراجم للراويات من النساء اللائي لم يظهرن في أسانيد مجموعات الحديث المختارة لهذه الدراسة. 
ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء النساء انتمين مجددا إلى أجيال الصحابة أو إلى أوائل التابعين. وبالمثل، فإن أيًّا من كتب التراجم والحوليات ـ التي تم فحصها في هذه الدراسة ـ لم تشر البتة إلى مستويات معتبرة لمشاركة المرأة في رواية الحديث من القرن الـ 2 هـ / الـ 8 م إلى منتصف القرن الـ 4 هـ/ الـ 10 م. 
وترى أن هذه المصنفات ـ في الوقت نفسه ـ تؤكد على تلك الانتقائية الكامنة في مجموعات الحديث المختارة لهذه الدراسة، فضلا عن تاريخية تلك الأنماط من تراجع رواية المرأة التي لحظت من خلال أسانيد الحديث. بإدراك هذا التراجع الملحوظ، فقد نشتبه أولا في التمييز الواضح ضد المرأة. وهناك بالفعل عدد قليل من المناقشات المسجلة في كتب الفقة من القرن الـ 2 هـ/ الـ 8 م مثل كتاب "الحجة على أهل المدينة" للشيباني (المتوفي 189هـ / 803 م)، تظهر أن جنس الراوي ـ بغض النظر عما إذا كان صحابيا أم لا ـ يمكن أن يقلل من قيمة الحديث في المناقشات الفقهية. ومن ثم فإن بعض الراويات من النساء ـ ولا سيما فيما يتعلق بالمسائل المتنازع عليها ـ قد ردت عليهن راوياتهن استنادا إلى جنسهن. ومع ذلك، فإن هذه الإشارات جاءت متناثرة، ولا تنهض بمفردها بتفسير ذلك التهميش العام والغائر للنساء على مدى قرنين ونصف القرن. 
وتوضح أسماء سيد أن ثمة عراقيل عديدة أخر لعبت دورها في عرقلة مشاركة المرأة في رواية الحديث. إذ شهد أوائل القرن الـ 2 هـ/ الـ 8 م إرهاصات إضفاء التخصص في حقل رواية الحديث، والذي حمل في طياته تطبيق معايير صارمة للحكم على رواية المرء جرحا وتعديلا. ووضع هذا التطور عائقا كبيرا على دخول الرواة إلى الميدان، فأغلق باب الرواية دون هؤلاء الذين لم يعرفوا بالدراية لم يحصلوا العلم من خلال طول الملازمة لكبار العلماء. وأدت الأعراف الثقافية والدينية التي عملت على الحد من تفاعل النساء مع الرجال ـ من غير محارمهن ـ إلى إعاقة النساء عن الحصول القدر اللازم من التعليم. وفي الوقت نفسه تقريبا، أضحى القيام برحلات مضنية في سبيل جمع الحديث "الرحلة في طلب العلم" أمرا حاسما في نجاح عالم الحديث. 
ومجددا عمل تحريم سفر المرأة دون محرم ـ والذي فرضته المعايير الثقافية والدينية ـ على تقييد مشاركتها في رواية الحديث. وأسفر تفاعل هذه العوامل معا عن تراجع حاد في حمل المرأة للحديث، كما يتجلى في تمثيلها الضئيل في المصادر خلال تلك الحقبة. ذلك النمط الجدير بأن نلحظه والمتمثل في مشاركة النساء في رواية الحديث على نطاق واسع في بداية الأمر، ثم ما أعقبها من تراجع حاد، له آثار مهمة على تاريخ الأحاديث المسندة إلى النساء. 
وتلفت أسماء سيد إلى أنه من المهم التمييز بين تأريخ الأحاديث المنسوبة إلى الصحابيات والتابعيات، وبين أصالتها وصحتها من جهة أخرى، إذ إن الأدلة المقدمة هنا لا تثبت أن الصحابيات أو التابعيات اللائي نسبت إليهن هذه الأحاديث هن في الواقع من تلفظن بها. بل إنها تشير إلى أنه من المحتمل أن التزوير قد حدث في مراحل مبكرة من رواية الحديث، وفي بيئة كانت مشاركة المرأة فيها بالرواية مقبولة لم تزل، ولم تخضع للتنظيم الدقيق بعد. ففي هذه الأجواء، فإن وضع الحديث ونسبته إلى الصحابيات لم يكن ليقوض حجية الحديث نفسه. ومن ثم أخلص إلى نسبة الحديث إلى النساء ـ باستثناء عائشة وأم سلمة ـ يرجح أن يكون قد نشأ في القرن الأول الهجري نفسه. وعلى هذا النحو، فإن هذه الأحاديث يمكن أن تكون ذات قيمة عند إعادة بناء تاريخ عصر صدر الإسلام اجتماعيا وسياسيا وفقهيا، وهي حقبة مصادرنا فيها شحيحة للغاية. وعلى أية حال، ينبغي تقييم تلك الأحاديث كل حالة على حدة من حيث صحتها وتأريخها. غير أن الفرضية التي قدمتها آنفا يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق لاختبار الأحاديث المسندة إلى النساء كل على حدة.