أشك في القدرة العقلية لشعوبنا

كيف يحترمنا العالم؟ نحن ارهابيون وقتلة ومهربو أموال وخدم لمحتل بلادنا ووشاة رخيصو الثمن. وضاعتنا لا حدود لها.
صرنا أخف من ريشة رغم أننا نمتلك ثروات تجعلنا بثقل الحديد
الإيرانيون يضحكون من بعيد فيما اليمنيون يحرقون بلدهم في فرن ليس لهم
شعوب منسية أهدرت كرامتها وضيعت حريتها وسمحت لصبيانها من الأميين واللصوص بأن يحكموها

شعوب خائفة من التعذيب فأقبلت على القهر باعتباره بديلا متاحا. خائفة من الموت فقبلت بالمرض. خائفة من التجويع القهري فارتضت الفقر.

سقفها، سقف حياتها وأحلامها وطموحات أبنائها الصغار والقادمين من الغيب ينخفض باستمرار حتى صار كما لو أنه ليس سقفا. لقد سقط ذلك السقف على الأرض. لم يعد هنالك سقف لتتحدى من خلاله أو تجادل من أجله.

غير أن المطلوب منها اكثر. ليس لديها اعتراض. يهمها أن تبقى على قيد الحياة. أية حياة تلك؟ هم بشر أحياء من وجهة نظرهم ولكنهم ليسوا كذلك بمعيار الأمم الحية.

شعوبنا تمارس حياة عضوية مثل كائنات كثيرة باستثناء البشر. حياة معلبة، جاهزة تشبه الحياة لكن على الورق. ما فيها لا يدعو إلى القلق في الحقيقة، ذلك لأنه حتى القلق يحتاج إلى نوع خاص من الشعور وهو شعور غائب مثل أشياء كثيرة صارت مفقودة من غير أن تُعلن الحاجة إليها. ليس علينا ان نتذكر التشاؤم. فذكره يستحضر التفاؤل وليست شعوبنا في مختلف حالاتها تقف على واحدة من الجهتين. فلا هي متفائلة وإن بدت ساخرة ولا هي متشائمة وإن أولت البكاء اهتماما اسطوريا.

كان الروائي الفلسطيني أميل حبيبي قد اخترع كلمة "المتشائل" غير أن زمن ذلك الاختراع قد ولى. لم تعد شعوبنا عالقة بين التفاؤل والتشاؤم. ليس لدينا ما نتفاءل من أجله كما أننا تجاوزنا مرحلة التشاؤم. سيُقال إنها شعوب في حالة يُرثى لها. ما معنى ذلك التعبير؟ أعتقد أننا نخون اللغة باعتبارها وسيطا محايدا إذا قبلنا بذلك الوصف. فلا اللبنانيون ولا العراقيون ولا السوريون ولا اليمنيون في حالة يُرثى لها. لا تصلح أوضاعهم مادة للرثاء في أدنى درجاته. أين هي تلك الشعوب؟ ما الذي تراه مناسبا لها؟ ثم هل هي حية لتقول كلمتها أم ميتة لكي لا يُلتفت اليها ولا تُحمل أية مسؤولية؟

إنها شعوب منسية. نست نفسها. أهدرت كرامتها. ضيعت حريتها. نسفت مكانتها. كرهت وجودها. عبثت بتاريخها. مزقت نسيجها وسمحت لصبيانها من الأميين واللصوص والقتلة وقطاع الشوارع والأفاقين والمحتالين بأن يتولوا شأنها ويحكموها ويصرفوا أمورها ويستولوا على ثرواتها ويمثلوها أمام العالم. هؤلاء هم نحن فكيف يحترمنا العالم؟ نحن ارهابيون وقتلة ومهربو أموال وخدم لمحتل بلادنا ووشاة رخيصو الثمن. وضاعتنا لا حدود لها إذا ما تعلق الامر بكرامة أوطاننا وقسوتنا لا مثيل لها في التاريخ البشري إذا ما تعلق الامر بحقوق اخوتنا.   

لذلك نعيش أوضاعا استثنائية في ما يُحيط بها من شبهات. فعلى سبيل المثال يصرخ حسن نصرالله منذ سنوات أنه عميل إيراني. لا برنامج لديه سوى ذلك الذي يضعه الولي الفقيه. إيران هي حائطه الأخير وليس لبنان. هو مجرد جندي في الحرس الثوري الإيراني. ومع ذلك لا أحد من اللبنانيين يجرؤ على المطالبة بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى. بل أن هناك مَن يعتبره مثالا للوطنية. أليس ذلك هو الجنون بعينه؟

الجماعة الحوثية في اليمن تفاخر بأنها تسير على نهج حزب الله. اليمن بتاريخه العظيم وكبرياء وكرم ومروءة وأنفة اليمني، كلها اختصرت في التحول الحوثي إلى الولاء إلى إيران. أما الشعب فإنه منشغل بالخلاف بين الشرعية والانتقالي. شيء قليل من البلاهة والكثير من الغباء الذي يزخرفه العته يسيطر على المشهد.

الإيرانيون يضحكون من بعيد فيما اليمنيون يحرقون بلدهم في فرن ليس لهم.

ضحك العالم كله من العراقيين وعليهم. فحين تلتقي ممثلة الأمم المتحدة في العراق زعماء الميليشيات فإنها تسخر من الشعب وتستخف به وتهينه وتضعه في حظيرة الحيوانات التي لا تستحق رعاية عالية. ففي الوقت الذي تصدر فيه بيانا تدعو فيه إلى التعامل بشفقة مع المحتجين السلميين فإنها تلتقي قتلتهم في أوكارهم. لم يطرد الشعب العراقي تلك السيدة. لم يطالب بتعليق عضوية العراق في الأمم المتحدة باعتبارها منظمة غير سلمية.

صعب أن نرى وجوهنا في مرايا الآخرين.

أنحن تغيرنا أم أن العالم هو الذي تغير؟

صرنا أخف من ريشة بالرغم من أننا نمتلك ثروات تجعلنا بثقل الحديد.      

كل ذلك لأننا لم نكن شعوبا تحتكم إلى العقل.

بقي بشار الأسد واختفت سوريا. كان من الممكن أن نستبدل رئيسا، اما أن نستبدل وطنا فذلك هو الجنون بعينه.

أليس من حقنا أن نشك بالقدرات العقلية لشعوبنا؟