أصول تونسية لفائز بنوبل للفيزياء على محك الجدل
تونس - أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، الأربعاء، أسماء الفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام، وكان بينهم الأميركي الفرنسي من اصول تونسية منجي الباوندي.
وفاز منجي الباوندي الأربعاء مع عالمَين آخرَين بالجائزة عن بحوثهم حول جسيمات نانوية تسمى النقاط الكمومية، تُستخدم حالياً على نطاق واسع، حتى في أجهزة التلفزيون.
وفيما رحب التونسيون بالانجاز غير المسبوق للباوندي، سيطر جدل محتدم على وسائل التواصل الاجتماعية بين فريقين، احدهما اعتبر الباوندي صناعة تونسية وتعبيرا عن قدرة العقل المحلي على الوصول الى قمة الابداع والتميز العلمي، فيما شكك فريق اخر في اهمية ودور اصوله في ما حققه معتبرين ان العالم صناعة للبيئة الحاضنة التي رعته لا للجينات.
وليس الباوندي أول عالم من أصول عربية يحصل على نوبل في الكيمياء؛ إذ سبقه إلى ذلك إلياس جيمس خوري الأمريكي من أصول لبنانية في عام 1990.
ولد باوندي في باريس عام 1961 ونشأ في فرنسا و عاش في تونس جزء من طفولته قبل ان يكمل مسيرته في الولايات المتحدة، حيث يعمل أستاذا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
والكيميائي (62 عاما) هو أحد رواد "البحث في النقاط الكمومية"، وفق موقع بوستن غلوب.
وتشير سيرته إلى أنه حصل درجة البكالوريوس من جامعة هارفارد، عام 1982، وحصل على الدكتوراه من جامعة شيكاغو، عام 1988. وتبع ذلك عامين من أبحاث ما بعد الدكتوراه في المواد النانوية.
وانضم إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في عام 1990، وأصبح أستاذا مشاركا في عام 1996.
وفي عام 1993، أحدث باوندي "ثورة في إنتاج النقاط الكمومية حيث قام بتحسين جودتها"، وفق رويترز. وكانت هذه الجودة العالية ضرورية لاستخدامها في التطبيقات، بحسب الأكاديمية التي منحته جائزة نوبل.
وفي رده على سؤال خلال مؤتمر صحفي عن شعوره لدى سماع نبأ فوزه، قال العالم: "متفاجئ للغاية، ناعس، مصدوم، غير متوقع، وفخور للغاية".
وقالت الأكاديمية المانحة للجائزة إن العلماء الثلاثة "أضافوا لونا إلى تكنولوجيا النانو. عندما تستخدم المادة على المستوى الذري أو الجزيئي في التصنيع" وإن النتائج التي توصلوا إليها "تنطوي على إمكانات كبيرة في العديد من المجالات".
وأضافت: "يعتقد الباحثون أنه في المستقبل يمكنهم المساهمة في الإلكترونيات المرنة وأجهزة الاستشعار الصغيرة والخلايا الشمسية الرقيقة والاتصالات الكمومية المشفرة".
وقال باوندي في مؤتمر صحفي: "هناك الكثير من العمل الذي لايزال قيد البحث الكثيف حول تطبيقات أخرى محتملة من بينها التحفيز والتأثيرات الكمومية بجميع أشكالها... إنه مجال بحث مثير جدا. أنا متأكد أنه سيقدم شيئا مهما حقا".
ويعدّ الباوندي أحد أكثر علماء الكيمياء الذين يُستشهد بهم في العقد الماضي.
طالب ذاق مرارة الرسوب في الجامعة
وروى الباوندي، أنه رسب في أول امتحان له في الجامعة، في حادثة كانت لـ"تدمّره" لكنها علّمته درساً في "المثابرة".
وقال هذا الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (ام اي تي)، خلال مؤتمر صحافي "كنت معتاداً على عدم التحضير للامتحانات".
خلال امتحانه الأول في جامعة هارفارد، حيث بدأ دراساته العليا، عاش هذا الكيميائي تجربة تحاكي تجارب كثيرين حول العالم.
وقال "نظرتُ إلى السؤال الأول ولم أتمكن من الإجابة عليه. والأمر نفسه مع السؤال الثاني. وحاولتُ الإجابة على جميع الأسئلة، لكن في النهاية حصلتُ على درجة 20 من 100"، "وقد كانت أدنى درجة في الفصل".
وقال الكيميائي البالغ 62 عاماً، ضاحكاً "قلتُ لنفسي +يا إلهي، هذه النهاية بالنسبة لي، ماذا أفعل هنا؟+".
وأدرك بعدها أهمية التحضير الجيّد للامتحانات.
وأشار الباوندي إلى أن هذه التجربة كان يمكن أن "تدمّره"، مضيفاً "كان يمكن أن أقرّر أن هذا (التخصص) ليس مناسباً لي، لكنني كنت أحبُّ ما أفعله، لذلك تعلمتُ النجاح كطالب".
ونصح الباوندي طلاب اليوم بالحرص على "التفتح الذهني" والإبقاء على "الفضول" الذي يشكل "مفتاح العلم".
وأضاف "النكسات جزء من البحث، وهي جزء من الحياة"، و"عليكم الاستمرار في المحاولة، والقيام بما يثير اهتمامكم".
جدل حول الأصول والمآلات
ورافق فوز العالم نقاش حول حقيقة اصوله التونسية.
وفيما عرفته سفارة تونس بالولايات المتحدة وسفارة الولايات المتحدة بتونس على انه عالم تونسي اميركي، لم تشر المواقع الاخبارية العالمية الى امتلاكه الجنسية التونسية.
ويشار ان الباوندي من المفترظ ان يتحصل آليا على الجنسية التونسية وفق القانون التونسي لولادته من اب او ام تونسية.
وعبر معلقون على وسائل التواصل عن اعتزازهم بما اعتبروه انجازا تونسيا ولو جزئيا، مؤكدين فخرهم حتى بمجرد تداول اسم بلادهم في الصحافة العالمية ولو عرضيا.
وأكد هؤولاء رفضهم لما اعتبروه عقلية انهزامية تشككل في كل انجاز وطني وتبالغ في جلد الذات واعلاء قيمة الهزائم والنقائص.
وكتب المدون حاتم الغزال في هذا السياق: "حصول منجي باوندي على جائزة نوبل للكيمياء هو تتويج آخر لعولمة المعرفة ونكسة أخرى للنظريات العرقية والعنصرية".
ودونت الروائية حياة الرايس: "كل الاعتزاز والافتخار بالباحث التونسي المقيم بأميركا منجي بن محمد صالح باونْدي، الذي تحصل على جائزة نوبل في الكيمياء.. ألف مبروك لتونس لنا للعرب.. للإنسانية جمعاء".
وأكد معلقون ان اسهام تونس لا غبار عليه على الاقل في نحت شخصية الاب محمد صلاح باوندي عالم رياضيات.
لكن آخرين، فضلا عن تشكيكهم في حمل الباوندي للجنسية التونسية، اعتبروا التفاخر بانجازه مزيفا وبحثا "مرضيا" عن انجازات معدومة.
وتفاعل هؤولاء بكثير من السخرية مع والكوميديا السوداء مع النقاش الحاصل، متسائلين عن الكيفية التي كانت ستجري بها حياة الفائز بنوبل لو لم يقرر والده الهجرة من تونس.
وأعتبر هؤولاء ان جائزة نوبل ليست تونسية وان الفخر بهذا الإنجاز يحسب فقط لباوندي وللولايات المتحدة الأميركية، التي وفرت له المخابر العلمية والجامعات المتقدمة، وبنية تحتية متطورة لتسهيل عملية البحث العلمي، وحياة كريمة، مؤكدين ان الإنجازات ليست جينية، أو دينية أو عرقية أو وطنية.. وانها أولا فردية، وثانيا جماعية تشمل الجماعة التي دعمت الفرد سواء نجح أو فشل.
وفي هذا السياق علق الدكتور عادل بن رحمون قائلا " الحائزة على جائزة نوبل للفيزياء في نسختها 20 هي العالمة الأميركية من أصول تونسية إندريا غيز....فوالدها ولد بجهة نابل (من يهود تونس) وهاجر منذ زمن بعيد....نفس الأمر يتكرر اليوم مع العالم الفيزيائي المتوج بنوبل البارحة منجي الباوندي الذي ولد بفرنسا وغادرها رفقة والديه وهو له من العمر 10 سنوات ليستقر بالولايات المتحدة الأميركية....علماء من أصول تونسية أي نعم ولكن لا علاقة لهم بتعليمنا النوعي والراقي جدا.. لا تنشروا أشياء غير دقيقة يا سادة ويا سيدات".
وعلق سامي ساخرا: "المغرب فاز بتنظيم كأس العالم، مبروك لتونس، على الأقل هذا انجاز نسبه لتونس اقل مشقة من السطو على انجازات الجامعات الفرنسية والاميركية".
يذكر ان تونس حازت في السابق على جائزة نوبل للسلام عبر رباعي الحوار الوطني (منظمات وطنية) عام 2015 لدورها في حماية الانتقال الديمقراطي في البلاد عقب ثورة 2011 التي أطاحت بالحكم الاستبدادي للرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ومنحت أول جائزة نوبل في الكيمياء في العام 1901 للعالم الهولندي المتخصص في الكيمياء والفيزياء ياكوبس فانت هوف.