أكراد سوريا يحذّرون من فرار الجهاديين من معتقلاتهم

ملف الجهاديين الأجانب وأفراد عائلاتهم يشكّل عبئا على الإدارة الذاتية الكردية التي تطالب دولهم باستعادتهم لمحاكمتهم على أراضيها.

خمسة آلاف جهادي على الأقل تمّ اعتقالهم، فيما تمكن آخرون من الفرار
داعش تمكن من جذب نحو أربعين ألف مقاتل إلى صفوفه في سنوات ظهوره الأولى
3500 طفل من أبناء الجهاديين الأجانب من 30 دولة في مخيّمات لجوء بشمال شرق سوريا
الحكومات الغربية مترددة في استعادة الجهاديين من مواطنيها
مخاوف من تحول أطفال الجهاديين إلى مشاريع ارهابيين
مقاتلون من داعش مختبئون في الأنفاق والكهوف يستسلمون لقوات 'قسد'

حقل العمر النفطي (سوريا) - حذر أكراد سوريا اليوم الأحد غداة احتفالهم بانتهاء الخلافة المزعومة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية، من أن آلاف المقاتلين الأجانب المعتقلين لدى قواتهم يشكلون "خطرا" مستمرا، مناشدين المجتمع الدولي التدخل لإعادتهم إلى بلدانهم.

وجاء هذا التحذير بينما سلم مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية أنفسهم الأحد لقوات سوريا الديمقراطية في بلدة الباغوز في شرق سوريا بعد خروجهم من أنفاق كانوا يختبئون داخلها، وفق ما أوضح متحدث كردي.

وشوهد عشرات الرجال وهم يقفون في صف منتظم بعضهم أرخوا لحاهم قبل صعودهم إلى شاحنات. وقال المتحدث الكردي في صفوف قوات سوريا الديمقراطية جياكر أمد إنهم "مقاتلون دواعش خرجوا من الأنفاق وسلموا أنفسهم اليوم" من دون أن يحدد عددهم.

وأشادت عدة دول حول العالم بإعلان قوات سوريا الديمقراطية السبت تجريد التنظيم من مناطق سيطرته جغرافيا بعد دحره من بلدة الباغوز، في وقت أعلن فيه قادة هذه القوات وشريكها التحالف الدولي بقيادة واشنطن، بدء مرحلة جديدة من الحرب ضد التنظيم المتطرف للقضاء على خلاياه النائمة.

وأعلن التنظيم المتطرف في العام 2014 إقامة 'الخلافة الإسلامية' على مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور، تعادل مساحة بريطانيا. وتمكن من جذب نحو أربعين ألف مقاتل إلى صفوفه، وفق تقديرات أميركية سابقة، بينهم العديد من الأجانب.

وقال رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية في سوريا عبدالكريم عمر "قضينا على دولة داعش وهذا انجاز كبير جدا، لكنه لا يعني أننا قضينا على داعش".

وتحدّث عن تحديات كبيرة أبرزها أن "لدينا الآلاف من المقاتلين بالإضافة إلى أطفال ونساء من 54 دولة ما عدا السوريين والعراقيين، وهذا عبء كبير وخطر علينا وعلى كل المجتمع الدولي".

وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية السبت على آخر جيب للتنظيم داخل بلدة الباغوز، بعد ستة أشهر من هجوم واسع بدأته في ريف دير الزور الشرقي بدعم من التحالف.

ودارت معارك عنيفة بين الطرفين منذ التاسع من فبراير/شباط، تخللها قصف مدفعي وغارات للتحالف.

وعلى وقع تقدمها العسكري وعملياتها التي علقتها مرارا إفساحا في المجال أمام خروج المحاصرين، أحصت قوات سوريا الديمقراطية خروج أكثر من 66 ألف شخص من مناطق سيطرة التنظيم منذ مطلع العام، بينهم خمسة آلاف جهادي على الأقل تمّ اعتقالهم. كما تمكن آخرون من الفرار.

وبين الخارجين عدد كبير من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم، كثيرون بينهم من الأجانب ممن جرى نقلهم إلى ثلاث مخيمات للنازحين في شمال شرق سوريا، أبرزها مخيم الهول الذي يؤوي أكثر من 72 ألف شخص، بينهم 25 ألف طفل على الأقل في سن الدراسة، وفق لجنة الإنقاذ الدولية.

ويشكل ملف الجهاديين الأجانب وأفراد عائلاتهم عبئا على الإدارة الذاتية الكردية التي تطالب دولهم باستعادتهم لمحاكمتهم على أراضيها.

أطفال داعش المتشبعين بفكر التطرف معضلة أخرى بعد هزيمة التنظيم المتشدد
أطفال داعش المتشبعين بفكر التطرف معضلة أخرى بعد هزيمة التنظيم المتشدد

إلا أن الحكومات الغربية تبدي ترددا إزاء استعادتهم جراء مخاوف أمنية وخشية من ردّ فعل الرأي العام نتيجة الاعتداءات الدامية التي شهدتها وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية حتى أن بعضها بادر إلى تجريد رعاياها المعتقلين في سوريا من جنسياتهم. وأبدت قلة من الدول بينها فرنسا اهتماما باستعادة عدد من الأطفال.

وبحسب منظمة إنقاذ الطفل (سايف ذي تشليدرن)، يوجد أكثر من 3500 طفل أجنبي من أكثر من ثلاثين دولة في المخيّمات الثلاثة في شمال شرق سوريا.

وحذر عمر من وجود "الآلاف من الأطفال الذين تربّوا على ذهنية داعش" في مخيمات النازحين. وقال "إذا لم تتمّ إعادة تأهيلهم وبالتالي دمجهم في مجتمعاتهم الأصلية فهم جميعهم مشاريع إرهابيين".

ورأى عمر أن "أي تهديد أو أي حرب جديدة ستكون فرصة" لمقاتلي التنظيم "للهروب من المعتقلات"، مضيفا "يجب أن يكون هناك تنسيق بيننا وبين المجتمع الدولي لمواجهة هذا الخطر".

ويخشى الأكراد تهديدات تركيا المتواصلة بشنّ هجوم جديد ضد مقاتليهم الذين تعدهم "إرهابيين" وتخشى تواصلهم مع المتمردين الأكراد على أرضها.

ويهدئ الوجود الأميركي حتى الآن اندفاعة أنقرة ضد المقاتلين الأكراد، كما يحول دون شن دمشق هجوما لاستعادة السيطرة على مناطقهم.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن نهاية العام الماضي قراره سحب كامل قواته المقدرة بألفي جندي من سوريا، ما أثار مخاوف الأكراد، لكن واشنطن قررت إبقاء نحو 400 جندي، ما يوحي بأن انسحابها ليس بقريب، بحسب محللين.

وإلى جانب الجهاديين المعتقلين وأفراد عائلاتهم، يشكل وجود الخلايا النائمة في عدة مناطق وانتشار التنظيم في البادية السورية مترامية الأطراف تحديا رئيسيا بعد انتهاء الخلافة المزعومة جغرافيا. وقال الأكراد السبت إنهم سيواصلون العمل مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمواجهة هذا الخطر.

وأعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني خلال مؤتمر صحافي في حقل العمر النفطي "بدء مرحلة جديدة" من المعركة ضد التنظيم للقضاء على خلاياه النائمة، مضيفا "لم تنته الحملة بعد، يبقى.. داعش تهديدا كبيرا"، موضحا أن ذلك سيتمّ "بتنسيق مع قوات التحالف".

وأكد قائد قوات التحالف الجنرال بول لاكاميرا في بيان السبت أن "مكافحة داعش وعنفه المتطرف لن تنتهي قريبا".

وأضاف في بيان "لا تطمئنوا، داعش يحتفظ بقواه. لقد اتخذوا قرارات عبر احتساب ما بقي لهم من قوات وقدرات ليجربوا حظهم في مخيمات للنازحين وعبر التوجه إلى مناطق نائية. إنهم ينتظرون الوقت المناسب للتحرك مجددا".

واستبق التنظيم خسارته بنشر تسجيلات في الأيام الأخيرة على حساباته على تطبيق تلغرام، دعا في إحداها عناصره إلى "الثأر" من الأكراد في مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرق سوريا. كما دعا أنصاره إلى شن هجمات في الغرب ضد أعداء "الخلافة" المزعومة.

وشكلت جبهة الباغوز دليلا على تعقيدات النزاع السوري الذي بدأ عامه التاسع، مخلفا حصيلة قتلى تخطت 370 ألفا من دون أن تنجح كافة الجهود الدولية في التوصل إلى تسوية سياسية.