أنصار النهضة قبل معارضيها يعتبرونها المسؤول عن ويلات البلاد

بعد عشر سنوات من مشاركتها في الحكم، تواجه حركة النهضة رفضا متزايدا من قبل التونسيين الذين يحملونها مسؤولية الأزمات في بلدهم.
الحركة تفشل في حشد قاعدتها وتشكيل قوة موازية في مواجهة جبهة الرئيس
مواقف راشد الغنوشي تحدث شرخا كبيرا داخل الحركة
شبح فرض حظر جديد يطارد الحزب الإسلامي

تونس– تجد حركة النهضة الإسلامية نفسها اليوم محشورة في الزاوية بين شارع غاضب يعتبرها سبب غرق البلاد وأنصار منقسمين وقد خسرت الكثير من رصيدها ومن أوراقها ومن داعميها بعد أن تقدم عليها الرئيس قيس سعيّد مستخدما أوراقها، الدستور والقانون.

خلال صياغة دستور 2014، سعت حركة النهضة إلى حماية النظام الفضفاض الذي يجعلها تسيطر من خلال مجلس نواب الشعب من خلال فصول حمالة أوجه، عرف كيف يطوّعها الرئيس قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري لصالحه، خاصة بعد أن فشلت محاولات تأسيس المحكمة الدستورية.

من خلال تأويل خاص للفصل 80 من الدستور، ومتسلحا بشارع حمّل حركة النهضة، التي شاركت في جميع الائتلافات الحكومية منذ ثورة 2011 وتحظى بأكبر تمثيل في البرلمان، مسؤولية الأزمات في البلاد، قام سعيّد بإقالة رئيس الحكومة وجمّد عمل مجلس النواب الشعب.

وفي حين يعبر المجتمع الدولي وعدد من الحقوقيين في تونس عن قلقهم من أن يتجه مهد الربيع العربي نحو الاستبداد وحتى العنف، يسود الهدوء في تونس في الوقت الحالي.

ولا شكّ أن القرارات الأخيرة للرئيس الذي جمع كل السلطات بيده أدخلت هذا البلد الصغير الواقع في شمال إفريقيا في مرحلة جديدة لا يعلم التونسيون أين ستقودهم لكن أغلبيتهم يؤيدونها ويدعمونها طالما "ليست هناك نهضة في الحكم" وطالما ستنهي الفوضى التي تسبب فيها الإسلاميون القادمون من السجون ومن المخارج على مدى أكثر من عشر سنوات لم يحققوا خلالها سوى مصلحتهم.

ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة إمرود كونسلتينج في الفترة بين 26 و28الشهر الجاري حول موقف التونسيين من قرارات قيس سعيد، والذي شمل 900 شخص ينتمون إلى 24 ولاية، بما فيها المدن والأرياف، أيد 87 % من التونسيين قرارات الرئيس، ورفضها 3 %.

ناخبون محبطون

 “فاسدون” و”منافقون” و”كذابون”.. بهذه العبارات يصف غالبية التونسيين هذا الحزب الإسلامي المحافظ الذي يعتبرونه المسؤول الرئيسي عن ويلات البلاد في مواجهة أزمة ثلاثية سياسية واجتماعية وصحية.

وهذا الغضب الشعبي المنفجر ضد النهضة جعلها تخسر الكثير من رصيدها ومن قاعدتها الشعبية التي بنتها خلال السنوات الماضية، حيث فشلت الحركة في التعبئة وحشد أنصارها في الشارع ردا على الاحتجاجات المضادة التي شهدتها البلاد يوم 25 يوليو الماضي.

على إثر هذا الفشل، حاولت النهضة إعادة ترتيب أوراقها وسحبت ورقة التهدئة والدعوة إلى “حوار وطني” وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة للخروج من الأزمة، لكن لا يبدو أن التونسيين مستعدين لأن يسمعوا شيئا منها وبشكل خاص من رئيسها راشد الغنوشي، الذي أحدثت مواقفه شرخا كبيرا في جسد الحركة.

يمثل هذا موقفا براغماتيا كما يصفه المحلل السياسي سليم خراط قائلا إن تظاهرة الاثنين تظهر “فشل النهضة في حشد قاعدتها” و”فشلها في تشكيل قوة موازية في مواجهة الرئيس”.

ويتابع قائلا “كانت النهضة دائما على استعداد لتقديم تنازلات لأن الحزب مهووس ببقائه، ويطارده احتمال فرض حظر جديد عليه كما حصل خلال حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي”.

سعيد لعب ضد الغنوشي بنفس أوراقه، القانون والدستور الذي صاغته حركة النهضة
سعيد لعب ضد الغنوشي بنفس أوراقه، القانون والدستور الذي صاغته حركة النهضة

على مدى عقد في السلطة، لم تنجح الحركة مطلقا في الحصول على الأغلبية المطلقة، الأمر الذي أضطرها إلى عقد تحالفات غير عادية مع أحزاب ليبرالية في برلمان يعاني من التشرذم. وهذا يربك العديد من ناخبيها.

بين 2011 و2019، خسرت الحركة أكثر من مليون صوت، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي دفعتها نتيجتها إلى التحالف مع حزب قلب تونس الذي سبق وأن اتهمته الحركة بالفساد وتعهد الغنوشي بتجنب التقارب بينهما.

خسائر متتالية

في شوارع المدينة، يعبر إسماعيل مازيغ عن إحباطه. خلال الانتخابات الديمقراطية الأولى في تونس عام 2011، أعطى عامل النسيج السابق صوته للحركة التي أبدت تمسكها بالهوية العربية الإسلامية ووعدت التونسيين بالأمن والتنمية والعدالة.

ويقول الرجل الأربعيني العاطل عن العمل منذ عشر سنوات بحسرة “لقد قطعوا الكثير والكثير من الوعود، ولكنها كانت في الحقيقة أكاذيب (…) عملوا من أجل مصالحهم الشخصية فقط، لا شيء أكثر من ذلك”.

وبعد أن كانت النهضة موحّدة حول زعيمها راشد الغنوشي، تعاني الحركة من انقسام داخلي في الوقت الحاضر مع استقالة عدد من كوادرها وتبادل أعضائها الانتقادات على الملأ.

وساءت صورة الحركة في مطلع يوليو عندما أصدر أحد قادتها عبد الكريم الهاروني، في ذروة تفشي وباء كوفيد-19، إنذارا للحكومة لتسريع تعويض "ضحايا الدكتاتورية". وهو طلب اعتبره كثير من التونسيين في غير محله في ظل الأزمات التي تشهدها البلاد.

كما تعرضت الحركة لضربة أخرى الأربعاء بالإعلان عن فتح تحقيق بالفساد يستهدفها بناء على شبهات بتلقي تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية عام 2019.

ويُقسم توفيق بن حميدة الذي ظل مواليا للنهضة منذ الثورة أنه لن يصوت لها بعد اليوم. ويقول تاجر الملابس البالغ من العمر 47 عاما، “لقد أحنوا رؤوسهم بينما الفساد منتشر في كل مكان في تونس”.